دعوة لأن نكون منتجين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

التحدي هو أن نكون منتجينº فليس كل أحد يجيد تقديم أفكار براقة أو يملك منطقاً يأخذ بألباب الناسº لكن هؤلاء أيضاً أكثر بكثير من أولئك الذين يعملون.

 

إن الناس يوم القيامة سيُسألون ويُحاسَبون عما كانوا يعملون:{وَلَو شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلٌّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسأَلُنَّ عَمَّا كُنتُم تَعمَلُونَ}.[النحل: 93].

 

والناس في هذه الدنيا يبحثون عمن يكون عاملاً منتجاًº فالعامل في ميدان التجارة والمال ليس بحاجة لمن يحدثه عن أوضاع السوق والممارسات السائدة فيه بقدر ما هو بحاجة لمن يقدم له عملاً منتجاً يرى ثمرته في النهاية.

 

وكما أن غياب الرؤية الناضجة وغياب التفكير، وانحسار النقد الذاتي ـ كما أن ذلك يحول دون تحقيق عمل يتلاءم مع تطلعات الأمة وتحدياتهاº فارتفاع صوت القول على صوت العمل، وصوت النقد على صوت البناء هو الآخر لا يقدم عملاً، ولا يحقق أهداف الأمة.

 

إن أصوات انتقاد الواقع والتباكي عليه ليست جديدة، بل هي منذ عقود عدة. ينصرف الناس إلى خطيب الجمعة فيحدثهم عن سوء أوضاع الأمة وغياب هويتها، ويلتقون في منتدياتهم فيتبادلون الحديث نفسه بصراحة أكبر، يجتمع المفكرون وأصحاب القرار فيشخصون الواقع وأزماته، يكتب الصحفي والمفكر فينتقد أوضاع المجتمعات، فيعيش الناس في دوامة من انتقاد الواقع وذمه وعيبه، ولكن ماذا؟

 

فماذا لو حوَّل الخطيب جزءاً من همه في حديثه للناس في أن يقدم لهم أفكاراً عملية، ويقترح عليهم أعمالاً تسهم في بناء الأمة يطيقونها وتتلاءم مع قدراتهم وأوقاتهم، ولو اعتنى بتعليم الناس كيف يربون أولادهم، وكيف يحمونهم من تأثير الغزو المكثف الذي يواجههم، وسعى هو لمشروعات عملية يطيقها ويستمر عليها فصار قدوة للناس، ولو اهتم المعلم بتعليم تلامذته كيف يقدِّمون، وكيف يعملون، وكيف يسهمون في إصلاح واقع الأمة، واهتم أستاذ الجامعة بذلك، واهتم المشرف التعليمي بدفع المعلم نحو الإنتاج والأخذ بيده نحو العمل ومساعدته على تقديم ما يطيق.

 

وماذا لو كان هذا خطاب الداعية والمصلح، والمربي والموجه، والكاتب والصحفي؟

 

ماذا لو اعتنى المربون بتعليم الشباب كيف يمارسون الدعوة وبتدريبهم على ممارستها، وعلى مواجهة العقبات والصعوبات في هذا الطريق أكثر من مجرد حديثهم عن المسؤولية الدعوية وفضائل الدعوة، ومن لومهم على القعود والتخلي.

 

إننا لا ندعو إلى إلغاء الفكر، ولا إلى تسطيح العقول، لكن إلى التوازن بين القول والعمل، وهو الآخر لن يتحقق حين يكون حديثاً مجرداً ما لم نحوله إلى برنامج تربوي عملي.

 

إن الرجل البسيط الذي يكون همه في تقديم ما يطيق من جهد وعمل، في ميدان إغاثة، أو دعوة غير المسلمين، أو إنكار المنكرات، أو تعليم القرآن، أو التربية والتوجيه، إن هذا يقدم خيراً للأمة ونتاجاً يفوق طائفة من يجيدون تشقيق الكلام، وتنحصر قضيتهم الكبرى في النقد وإسقاط الآخرين ثم لا يقدمون شيئاً.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply