بسم الله الرحمن الرحيم
أمراض اجتماعية ينبغي محاربتها:
المثالية كلمة تحمل معنى سامياً وخلقاً عالياً نطمح إلى التحلِّي به ونتمنَّى الوصولَ إليه لنصبحَ مثاليين في أعمالِنا ومعاملاتنا، في أقوالنا وأفعالنا، في حلنا وترحالنا وفي جميع أحوالنا في كل زمان ومكان.
فالموظف يحتاج إليها في وظيفته، والمراجع في مراجعته، والمعلم في مدرسته، والطالب في دراسته، والتاجر في تجارته، والمشتري في متطلباته وحاجاته، والكاتب في كتابته، والقارئ في قراءته، والكبير في مسئوليته، والصغير في احترامه وآدابه، والأب في تربية أولاده، والابن في بره وصلته لرحمه، والمرأة في بيتها، والصديق في صداقته، والسائق في قيادته، والكل دون حصر محتاج إليها في مهمته ومهنته.
فالمثالية التي نطلبها صعبة المنال، صعبة التحقيق إذا لم يكن هناك تنازلاتٌ كثيرةٌ مع إقصاءِ حبِّ الذات والتغلب على الشهوات.
فالموظف يكون مثالياً إذا عمل بجدٍّ, وحسنِ تصرف، وأنجز الأعمال بسرعة مقرونة بالدقة، وعرف وأتقنَ فنَّ التعاملِ مع المُراجع وفنَّ التخلص من الكلمات المزعجة للمراجع كـ (راجعنا بكرة) إذا لم يكن لها سبب ومسبب، ولم يقصد بها التعطيل والتأخير أو التعجيز وفرض الذات.
ومثالية المعلم في فن الابتكار والتجديد والتطوير في كل ما يخدم عمله في بناء جيل مثالي، ومدى تمثيله القدوة الحسنة لأبنائه الطلاب.
والطالب تنعكس مثاليته في الجدِّ والاجتهادِ والحرصِ والانتباهِ وامتثالِه بالأخلاقِ الحسنةِ واحترامِه لمعلميه وإحساسِه بأهمية الوقت وإدراكِه وبأهميةِ المدرسة في صقلِ مواهبِه وتنميةِ مداركِه ليكون عضواً نافعاً لمجتمعه.
والسائقُ يكون مثالياً إذا ما التزمَ بالقواعدِ المرورية، وطبَّق كلَّ لوحةٍ, تحذيريةٍ, أو إرشادية أو خطوط أرضية وسار في سيارته حسب ذلك كلهº ملتزماً بالسرعات المحددة، ومحترماً للإشارات الضوئية وأفضلية المرور، متفقداً لعوامل السلامة في مركبته وبصفة دورية، فبذلك يخرج بإذن الله مجتمعٌ مثاليُّ يخلو من حوادث أو مشاكل أخرى مهدرة للنفس والوقت والمال، والكلٌّ إذا ما التزم بالمثالية المطلوبة بمقوماتها وأساساتها وقواعدها كلُُّ فيما يخصٌّه لأصبحَ المجتمع بإذن الله مجتمعاً مثالياً يتحدَّى الصعابَ ويجابه العصر بكل جديد ومفيد.
وإنَّ من تمام المثالية وبلوغ الغاية والكمال فيها الالتزامَ بالأحكامِ الشرعية، بالواجبات والأوامر امتثالاً وتطبيقاً، وبالمحرمات والمنهيات ابتعاداً عنها واجتناباً لها.
والمتبصر في أحوال الناس يجد أن كثيراً منهم يسير في طريق معاكس ومخالف لما ينبغي من المثاليةº إذ ابتلي كثيرٌ منهم بأمراض خطيرة تهدد المجتمع بالسقوط وانحطاط الذات، واقتلاع المثالية من جذورها، وتؤدي إلى الفساد والإفساد في الأفراد والمجتمع ككل، وسأتناول بعضاً من هذه الأمراضº وذلك لعدة أسباب منها: كثرة وقوعها وللتنبيه عليها، ورغبة في القضاء عليها، ولنتحصَّن عنها بالتخلص منها والابتعاد عنها، وعما يشابهها من أمراض:
المرض الأول: يأتي الموظف إلى مديره المباشر ليستأذنه بالخروج ويختلق أعذاراً واهية غير صحيحة يستعطف بها المدير فيأذن له، والطالب يعتذر بأعذار نسجها خياله لينجو من عقاب أو موقف محرج أمام معلمه وزملائه، والبائع يقسم بالحلف الكاذب لترويج سلعته، والصديق يستخدم الكذب على صديقه في إخلاف وعدٍ, أو غيره من أنماط كثيرة تمارس، وغيرها كثيرٌ أدَّت إلى تحطيمِ كيان المثالية في النفوس وهدمت بناءه مع ما في ذلك من انتهاك لما حرمه الله وما جاء فيه من وعيد شديد، قال\": (وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا) متفق عليه.
المرض الثاني: وهذا المرض لا يكاد يخلو منه مجلس من المجالس إلا أن يشاء الله فيستخدم المتكلم أو المتحدث لسانه أداة حادة أو منشاراً كهربائيا ليتفكه في عملية (الشذب والحش) في أعراض الناس.
وبغض النظر عن القصد المراد في هذا الفعل الذي قد يكون للتشفي، أو إضحاك الناس أو، أو، مع ورود الأدلة في التحريم والوعيد الشديد قال - تعالى -: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) (الحجرات آية 12).
المرض الثالث: نقل الكلام عن موظف من موظف إلى المدير أو عن صديق من صديق إلى صديق أو عن طالب من طالب إلى المعلم بقصد الإيقاع بين الناس وإيغار النفوس، فيحصل الخلاف ويحتد وهذا فساد عريض وزرع لبذور البغض والأحقاد بين أفراد المجتمع فيقل الترابط والاتفاق.
وهذا العمل تخلص وفسخ لشيء اسمه المثالية مع ما جاء من شديد الوعيد لفاعله دالة على تحريمه قال - تعالى -: (همّاز مشاء بنميم) (ن آية 11) وقال \": (لا يدخل الجنة نمام) متفق عليه.
المرض الرابع: عملٌ شنيعٌ فظيعٌ بعيدٌ كلَّ البعد عن المثالية، هذا هو الذي يتقلب كالحرباء يأتيك بوجه وينقلب إلى غيرك بوجه آخر، فهذا ذو الوجهين شرٌّ الناس كما جاء في الحديث (وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) متفق عليه.
المرض الخامس: من انتزع من قلبه القناعة واليقين وغرس فيه الطمع، والجشع فما يزال يتمنى زوال النعم عن أصحابها سواء نعم دينية أو نعم دنيوية، وهذا العملُ عملٌ صارخٌ مع سبق الإصرار والترصد º لوأد المثالية في مهدها، واغتيالها إن وجدت قال\"(إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).
المرض السادس: ألا وهو عدم التثبت في الأمور، وسوء الظن في الناس بلا مبرر ولا ضرورة، وهذا العمل مناف للمثالية وخرق واسع في ثوبهاº لأنه ضعف وخور في مداراة الأمور كما ينبغي ونزع الثقة في الناس والتسرع مع عدم التثبت في اتخاذ القراراتº مما ينتج عنه من التأخر والضعف والتناقضات اللامسؤولة، ومجيء الأدلة الثابتة على النهي عن مثل تلك الأعمال قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن أثم) (الحجرات آية 12)، وقول المصطفى\"(إياكم وسوء الظن فإن الظن أكذب الحديث).
وبعد فلنعلم أنَّ هذه الأمراضَ خطيرةٌ تُهدِّدُ المثالية بالانقراض وتُنشئُ مجتمعاً متنافراً متباعداً متباغضاً متحاسداً سيءَ الظن في كل معاملة وحدث.
وعلى اثر هذا فإنَّ المثاليةَ تحتاج إلى مقوماتٍ, ودعامات تساند وتَدعمُ بقاءَها وتجعلها بعد الله تعيش سنوات عديدة وأزمنة مديدة.
فيلزم في أول الأمر تجنب تلك الأمراض وغيرها، والحذر منها، والابتعاد كل البعد عنها، التزاماً لأمر الله واجتناباً لنهيه - سبحانه -، فيتطلبُ الأمرُ إلى الصدق قولاً وعملاً، والإخلاص فيه، والجد والاجتهاد، والمثابرة، وتتويج ذلك كله بالصبر.
أيضاً فلنتذكر ذلك التاريخَ المجيدَ الذي حمل راياتٍ, خفاقةً وسُنَنًا ثابتة وشخصياتٍ, فذة غرست وعملت في إحقاق وتحقيق المثالية، ورسم قواعد ثابتة لها، القدوة في ذلك كله رسول الهدى والنبي المجتبى\"(وإنك لعلى خلق عظيم)، قال \": (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد