بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشبابُ زهرةُ الحياة وثروةٌ غالية، ودرةٌ نفيسة، لا تُقَدَّر بثمن، فكل بلد ينهض ويتقدم ويرتقي فيعلو إلى منازل عالية رفيعة متقدمة بسواعد شبابه، وقوتهم، وقدرتهم، واقتدارهم وحرصهم على اغتنام أوقاتهم، واستفادتهم من دراستهم وتجاربهم، وكذا بتهيئتهم التهيئة الحسنة علماً وتربية، وحمايتهم من الأخطار المحيطة بهم.
ومما يُحاك لهم ويُخطط لفسادِهم وإبعادِهم عن الهمم العالية بإشغالهم بسفاسف الأمور، فهم الهدفُ الذي وُجِّه إليه فمُ المدفع ليمطر بقنابل ثلاث محملة بكل أنواع الدمار: بأخطار محدقةٍ, ومضارٍ, قاتلة وفسادٍ, عريض، هذه القنابل تُهدد المجتمع بالسقوط فتهدمُ بناءَه وتفرِّقُ شملَه وتشتت جمعه، فتفسد الجميع وبخاصة الشباب لأنهم المعنيون والمقصودون بالتدمير والانحطاط.
فأولى تلك القنابل: الاستراحات، وثانيها المقاهي وثالثها القنوات الفضائية، فصلة القرابة بينها شديدةٌ والعلاقةُ بينها قوية، وترتبط فيما بينها برباطٍ, وثيقٍ, مع أمورٍ, كثيرة في الفساد والإفساد.
فهي متفرقةٌ لفظاً ولكنَّها مجتمعةٌ معنى وغاية، فهي جيشٌ عرمرمٌ يسير في ساحة الشباب في مختلف أجوائه وجهاته ونواحيه، في بحره وجوه وبره، فيهتك ويُفسد ويُدمِّر كلَّ ما في طريقه، فيقضي على الأخضر واليابس من ثروات الوطن المالية والبشرية، بل إن صفوفَ هذا الجيش لَتَعملُ أشدَّ مما تعمله جيوش الطائرات والدبابات والصواريخ فهي تُصوب إلى أهداف داخلية فتشوِّه الوجهَ وتنهش القلب، فوقعُها شديد، ودمارُها أليمٌ، وخرابُها كبيرٌ، وآثارُها وخيمةٌ، ونتائجُها حتميةٌ فلا تكاد تخطيء الهدف.
فآثار حربها محسوسةٌ خلفَ جيشِها الذي يتعامل بقسوة وحربٍ, لا هوادةَ فيها، فلا مجال لعقد سلام معها، بل يستوجب الأمر القضاءَ عليها وإعلانَ الحرب معها.
فلنقف على شيء قليل من مخلَّفات حربِها التي كلَّ يوم يتفاقم خطرُها ويشتدٌّ دمارُها ويشتعلُ فتيلها:
فأول تلك الأضرار التي لحقتنا منها إضاعة الأوقات الطويلة دون أي فائدة: بل هي في الغالب ضُيِّعت في وبال ومعصية وخطيئة، فقضت على أوقاتنا التي هي حياتنا، فما نحن إلا هذه الأيام والساعات والدقائق والثواني.
فكم من الوقت أُهدرَ في الاستراحات وأمام شاشات القنواتِ الفضائية أو في المقاهي، أعمارٌ أهدرت، وكأن الوقتَ ليس ذا بال، بل نحن في سباق عنيف في كيفية إهداره وطريقة تضييعه، بل نتفننُ في ذلك، وكأن الأمرَ سيمرٌّ مرورَ الكرام دون سؤال ولا حساب، كلاَّ، بل سنقفُ يوم القيامة نسأل عن الوقت كيف قضيناه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لن تزولا قدما عبدٍ, يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وذكر عمره وشبابه).
فأعمارٌ ضائعةٌ وشبابٌ مهدرٌ في أحضان الاستراحات أمام الشاشات الفضائية أو في المقاهي التي يحرص أصحابُها على توفير اللاقطات لتلك القنوات الفضائية الماجنة، جلباً لأكبر عدد ممكن من الزبائن، فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللاً في تلك الأماكن، ويا خيبة الآمال في نتائجها.
وثاني تلك الأضرار إهدارُ الأموال الطائلة: في استئجار تلك الاستراحات، وتركيب تلك اللاقطات الفضائية أو ما يُصرف على الشيشة والدخان.
هناك ملايين الريالات الضائعة في سمومٍ, طاحنةٍ, للأخلاقِ والأبدانِ على حد سواء، والأرقامُ المسجلةُ حولَ ذلك تفوقُ الخيالَ، واسألوا إن شئتم المكاتب العقارية وأصحاب المقاهي عن الأموال المهدرة.
وإليك مشهداً واحداً يعكس ذلك أوضَحَه تحقيقٌ في مجلة الشرق ذات الرقم (937) وتاريخ 1419/4/29هـ عن المقاهي، ذكر فيه أنَّ دخلَ مقهى واحد من المعسَّل (2، 5 مليون ريال).
تصوَّر أيها الأخ الكريم، دخلُ مقهى واحد فقط ومن المعسل، فيا له من رقم خيالي ضاع بسبب محرَّمٍ, شرعاً.
فكم في البلاد من مقاهٍ, تستنزف هذه الأموالَ وتهدرُها في سمٍّ, زُعاف وأمراضٍ, خطيرة مستعصية، فالدخان ثبت طبياً أنه السببُ الرئيس للإصابة بسرطان القلب والرئة والشرايين، ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع وذكر منها ماله.
ثالث تلك الأخطار والأضرار فساد الدين والأخلاق: فغالبُ أهل الاستراحات يستغلٌّون الاستراحةَ بالاختفاء عن الأنظارِ أنظارِ الخلق ولكنَّ الخالقَ - سبحانه - مطَّلعٌ على السر وأخفى، فيُضيِّعون واجباتٍ, ويرتكبون محرمات، فضيَّعوا الصلاة لا لأمرٍ, مهمٍ, ولكن لأنهم مُعتكفون أمام القنوات الفضائية وإن أدوها ففرادى بكسل وخمول - أيضاً -.
لقد جعلوها أوكاراً لشهواتٍ, ونزعاتٍ, محرمةٍ, يحبكونها ويديرونها في تلك الاستراحات، ولا تسل عن دورِ المقاهي، فهي تنخر العظم وتُفسد الأخلاقَ والأبدان فتجمع الناس على حرام وبئس الجمع ذاك.
فأسألكم أيها الإخوة: أي جلساء تصنفون أولئك الذين يجتمعون في المقاهي لأجل الشيشة أو لأجل القنوات الفضائية؟ فهل نتركهم هكذا دون حراك منا؟ هل نغمض أعينَنا وكأن الأمرَ لا يعنينا؟ فنتركهم في أحضان الاستراحات والفضائيات والمقاهي لتربيهم لنا! وهل ستربيهم لنا تربيةً صحيحةً سليمة فتخرج لنا جيلاً صالحاً ناشئاً على التقوى، والصلاح والعلم والعفاف والعمل والإنتاج فنعتمد عليهم ونثق بهم؟!
فماذا سننتظر من شبابٍ, تربَّوا على القنوات الفضائية من أفلامٍ, مخلةٍ, فاضحةٍ, وأغانٍ, ماجنةٍ, وثقافاتٍ, سخيفةٍ,؟!
وماذا سننتظر من شباب تربَّوا على دخانِ الشيشة، ولعبِ الورق والبلوت في تلك المقاهي والاستراحات التي لا تسأل عن صلاح ونفع الوطن؟!
ليس هذا فحسب بل تسعى بكل ما أُوتيت من قوةٍ, إلى إفسادِ أخلاقِ الشباب وانتكاس طباعه إن لم يكن فسادَ دينِه!
فماذا نرجو من أولئك الذين رسمت مجالسُ المقاهي آثارَهم، ونقشت على كراسيها ومقاعدها أطلالَهم؟! هل نرجو تقدٌّماً وبناءً أو ابتكاراً واختراعاً أو حتى استشعاراً بالمسئولية وقد تعلقت قلوبهم بتلك القنوات، وأصبحت غايتهم تعديل أمزجتهم برؤوس الشيشة وقتل أوقاتهم في الاستراحات؟!
إنَّ الأمرَ ليس هيناً فنغض الطرف عنه، ولا مجال لتأخير التصدِّي له، والعمل على إيقافه والحدِّ من زحفِه وانتشارِه، بل يستدعي العملُ الجادُ للقضاءِ عليه عاجلاً فلا يحتمل التأجيلَ، فمن سينتصر في هذه المعركة المجتمع والوطن أم تلك الأخطار والسموم؟
فلا أخال مجتمعاً مسلماً ووطناً يحكم بشرع الله وبحكم كتابه وسنة رسوله\"سيُغلبُ ويُهزمُ والله يؤيده بنصره.
اسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وباسمه الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب أن يردَّنا إليه ردّاً جميلاً، وأن يُصلحَ أحوالَنا وأن يحفظَ بلادَنا من كلِّ مكروه وبلاء وفتنة، آمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد