الأمر الثاني: وهو الوعي.
والوعي عامل من العوامل المهمة في تكوين القاعدة الصلبة وجيل التأسيس، وهو في نفس الوقت عامل بناء وعامل حماية فلا بد من وجوده، والوعي أقسام سواء كان هذا الوعي العلمي، أو الحركي، أو السياسي، أو الوعي التربوي أو غير ذلك من أنواع الوعي التي يحتاجها من ينتمي إلى هذا الدين، أو قل بالأصح إلى الذي يكون فرداً من أفراد جيل التأسيس، والله - سبحانه وتعالى - ذكرنا بقوله: ((قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان الله وما أنا من المشركين))، فالبصيرة أمر هام للجميع، وهي لأفراد جيل التأسيس أهمº لأنها هي التي تقرر مسار العمل متى نمكّن؟ كيف نتحرك؟ كيف نتعامل مع غيرنا؟ كيف ننتقل بالعمل والدعوة من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة؟ كل هذا داخل في معنى البصيرة؟ كيف تبدأ بالتربية لجيل التأسيس؟ كيف تكون التربية قد وصلت إلى مراحلها النهائية؟ ومتى تبدأ بتوسيع الدعوة إلى عامة الناس؟ وكيف تدعوهم؟ وغير هذا من المسائل المتعلقة بهذا الباب الذي هو باب الوعي.
وكثير من الناس يقصر هذا الباب ( الوعي ) على الوعي بالواقع، فتجد عنده - وهو من أبناء الحركة، بل من جيل التأسيس - تجد عنده علماً وإدراكاً بالقضايا العادية والعامية حتى في أسعار الخضروات والفاكهة وغير ذلك، ولكنه في الحقيقة عنده جهل مطبق بالوعي العلمي، والوعي الدعوي، والوعي التربوي، وهذا شطر من الوعي، لا يهولنك ذلك الكلام فهي شنشنة - كما يقولون - تعرف من أخزم، ولكن المقصد بالوعي الوعي العام، الذي يشمل الوعي العلمي، الوعي الحركي، والوعي السياسي للفرد الذي يراد منه أن يكون شخصاً في جيل التأسيس، وعضواً في القاعدة الصلبة تحمل القاعدة الجماهيرية في الدعوة إلى الله وبلاغ هذا الدين إلى الناس، وعلى كل حال هناك أمر هام وهو أن كثيراً من الناس ربما يقصد بالوعي الذي يربي عليه الأشخاص والأفراد سواء كانوا من جيل التأسيس أو القاعدة الجماهيرية، فيقصد بالوعي كيف يجد وعي للأفراد للمحافظة على ذواتهم من الابتلاء وهو في الحقيقة انحراف عن معنى الوعي، ومعنى التربية، ومعنى التضحية، فليس الهدف أن كل فرداً لا يمس في جنابك بشيء، فمن أنت حتى تقدم على مساس المنهج والفكر والمبدأ، بل أنت وجدت لتحمي الفكر والمبدأ والعقيدة لا أن تحمى ويذهب كل ما تدعوا إليه، وهذا أمر يجب أن ينتبه له، وهنا نعود فتقول: أن الوعي الذي يحتاج إليه الجيل كله هو البصيرة المذكورة في قوله تعالى: ((ادعوا إلى الله على بصيرة))، والبصيرة جزء يكتسب بالعلم والتعلم من خلال التعرف على سنن الله الربانية من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن خلال تدبر التاريخ وأخذ العبرة منه، والتعرف على أحوال الأمة حاضرها ومستقبلها، ومنها جزء يتم التعارف به من خلال التجارب السابقة التي مر بها من قبلك من الدعاة، والنتائج التي ترتبت على ذلك.
فلا تظل مغمض عينيك فتبدأ من حيث بدأ الناس متجاهلاً لتجاربهم وأفكارهم وأخطائهم وسلبياتهم فتقع فميا وقعوا فيه، فإن من البصيرة أن ترصد تلك التجارب وتلك النتائج وتستفيد منها.
ومن البصيرة جزء يكتسب بالتربية عن طريق المشاورة، وعن طريق تمحيص الآراء، ووجهات النظر، والتربية الخاصة، وغير ذلك من الوسائل التي توجد البصيرة في ذلك الشخص، وحين لا توجد هذه البصيرة، أو حين تكون ناقصةº يحدث كثير من التخبط في الواقع والأحوال والأحداث، وتاريخ الحركات الإسلامية خير دليل على انعدام تلك البصيرة أو نقصها، والأخطاء التي وقعت فيه كثير من الدعوات ناتج عن تقصير في هذا الأمرين الخطيرين، إما لعدم التجرد، أو لعدم الوعي، وهذان الأمران الخطيران يجب التنبه له.
نعود فنقول أن التجرد لله، وتربية الناس والأفراد عموماً عليه هو سبب من أسباب قيام جيل التأسيس، وبناء القاعدة، وهو في نفس الوقت سبب من أسباب حمايتها وبقاءها واستمرارها، وكذلك الوعي والبصيرة سبب في التأسيس، وعامل في الحماية والاستمرار، وكم اندثرت كثير من الأجيال والقواعد الصلبة بسبب عدم الوعي، وعدم التجرد لله، سبحانه وتعالى -، وهذا يعني أنه لا بد من جهد ضخم، وعناية بالغة في التربية والإعداد والمنهج وغير ذلك من الأمور التي تقوم عليها هذه القاعدة، أو يقوم ويبقى عليها ويستمر جيل التأسيس الذي نسأل الله - جل وعلا - أن يجعلنا من المشاركين فيه، الداعين إلى تأسيسه وبناءه من أجل غد مشرق لدعوة قائمة مستمرة - بإذن الله سبحانه وتعالى - وهو جهد ضخم يحتاج إلى الصبر، والمصابرة، والإخلاص، والتقوى، والتواصي بهذا كله.
أسأل لله - جل وعلا - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يكفينا شر نفوسنا، وشر أهواءنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه سميع مجيب!!.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد