إلى أرباب الفكر وحملة المنهج ( 5 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن المعالم في تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه

 

عاشرا: الاختيار والاصطفاء.

إن التربية كما أنها موجهة لكل أفراد الأمة فهي أيضا للجميع مهما كان شأنهم، والدين خطاب للجميع صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً، إلا أن الدعوة تحتاج لمن يحملها ولمن يقوم بأعبائها لفئة خاصة تُختار بعناية وتُربي بعناية، لذا كان هذا الأمر بارزاً في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتربيته لأصحابه فثمة مواقف عدة في السيرة يتكرر فيها ذكر كبار أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسهم أبو بكر وعمر مما يوحي أن هؤلاء كانوا يتلقون إعداداً وتربية أخص من غيرهم ـ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال إني لواقف في قوم، فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول: رحمك الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كنت وأبو بكر وعمر وفعلت وأبو بكر وعمر وانطلقت وأبو بكر وعمر، فإن كنتُ لأرجو أن يجعلك الله معهما، فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب \" [رواه البخاري (3677) ومسلم (2389)] ومنها قصة أبي هريرة حين كان بواب النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن أبو بكر فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم استأذن عمر، ثم عثمان... [رواه البخاري (3674) ومسلم (2403)] وما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه حدثهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان \" [رواه البخاري (3675)] ومثله ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد [رواه مسلم (2417)] ويحكي لنا أحد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن توجيه خاص بهم، حين بايعهم على أمر لم يعتد أن يبايع عليه سائر الناس، فعن عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه- قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ألا تبايعون رسول الله؟ وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: ألا تبايعون رسول الله؟ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك؟ قال: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس وتطيعوا - وأسر كلمة خفية - ولا تسألوا الناس شيئاً، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه [رواه مسلم (1403)] وهذا الأمر لم يكن عاماً لأصحابه رضوان الله عليهم، بل خاصاً بهؤلاء، فقد كان بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألونه ويعطيهم ولم يكن يمنعهم أو ينهاهم عن السؤال، ومن ذلك أنه كان لا يؤذن بالسؤال لخاصة أصحابه كما يؤذن لغيرهم، كما روى نواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال أقمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة، كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، قال فسألته عن البر والإثم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس \" [رواه مسلم (2553)].

 

الحادي عشر: التدرج.

إن الجوانب التي تتطلب التربية والإصلاح في النفس البشرية من الاتساع والتعدد والتنوع ما يجعل تحصيلها في وقت وجهد أمر عسير ومتعذر، لذا فإن التدرج كان معلماً مهماً من معالم التربية النبوية فقد خوطب الناس ابتداء بالاعتقاد والتوحيد، ثم أمروا بالفرائض، ثم سائر الأوامر، وفي الجهاد أمروا بكف اليد، ثم بقتال من قاتلهم، ثم بقتال من يلونهم من الكفار، ثم بقتال الناس كافة، ومثل ذلك التدرج في تحريم الخمر، وإباحة نكاح المتعة ثم تحريمها، وهكذا، لكن يبقى جانب مهم مع الإيمان بمبدأ التدرج ألا وهو أن ما نص الشرع على تحريمه لا يجوز أن نبيحه للناس، وما نص على وجوبه لا يجوز أن نسقطه عن الناس والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply