المؤمن حقاً لا يفقد نور الإيمان ولا بريق الأمل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حتى يضحك الله لنا(3)

روى وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال: قلت يا رسول الله! أويضحك الرب - عز وجل - قال: نعم، قال لن نعدم من رب يضحك خيراً\". (1).

القنوط: أشد اليأس. والمعنى يعجب الرب - عز وجل - من دخول اليأس الشديد على قلوب العباد. و\"قرب غيره\" الواو هنا بمعنى: مع، يعني مع قرب غيره.

والغير: اسم جمع غِيَرَة وهي اسم بمعنى التغيير، وعلى هذا فيكون المعنى: وقرب تغييره. فيعجب الله، كيف نقنط وهو - سبحانه - قريب التغيير، يغير من الحال إلى حال أخرى بكلمة واحدة وهي: كن فيكون.

والمسلم لا يقنط من رحمة الله: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم(الزمر: 53)، أخبر يا محمد عبادي المؤمنين الذين أفرطوا في الجناية على أنفسهم بالمعاصي والآثام لا تقنطوا من رحمة اللهº أي لا تيأسوا من مغفرة الله ورحمته إن الله يغفر الذنوب جميعا، أي أنه - تعالى - يعفو عن جميع الذنوب لمن شاء، وإِن كانت مثل زبد البحر إنه هو الغفور الرحيم 53º أي عظيم المغفرة واسع الرحمة، وظاهر الآية أنها دعوة للمؤمنين إلى عدم اليأس من رحمة الله لقوله قل يا عبادي، وقال ابن كثير: هي دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإِنابة، وإِخبارٌ بأن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما كثرت.

 

بالصبر الجميل يتحقق الأمل المنشود:

كم من محنة في طيها منح ورحمات. هاهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - يضرب المثل في الرضا عن مولاه والصبر على ما يلقاه صبراً جميلاً، بعده صبر أجمل مع الأخذ بالأسباب ويحدوه الأمل يقول لأبنائه في حاله الأولى: بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون 18 (يوسف).

ثم يقول في الحال الثاني وهو أعظم أملاً، وبربه أكثر تعلقاً: قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم 83 (يوسف).

كل ذلك من هذا الشيخ الكبير صاحب القلب الوجيع، ثم يقول: قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون 86 (يوسف).

وبقينه وقوة رجائه أن أمر أبناءه يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون 87 (يوسف).

إن المؤمن الواثق لا يفقد صفاء العقيدة ونور الإيمان.. إن هو فقد من صافيات الدنيا ما فقد. وضع الأمة يبشر بالأمل

وكل ما حولنا يبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمين، إنك إذا دخلت على مريض فوجدته تدرج من كلام إلى صمت ومن حركة إلى سكون شعرت بقرب نهايته وعسر شفائه واستفحال دائه، فإذا انعكس الأمر وأخذ يتدرج من صمت إلى كلام ومن همود إلى حركة شعرت بقرب شفائه وتقدمه في طريق الصحة والعافية. ولقد أتى على هذه الأمم حين من الدهر جمدت فيه حتى ملها الجمود وسكنت حتى أعياها السكون، ولكنها الآن تغلي غلياناً بيقظة شاملة في كل نواحي الحياة، وتضطرم اضطراماً بالمشاعر الحية القوية والأحاسيس العنيفة. ولولا ثقل القيود من جهة والفوضى في التوجيه من جهة أخرى لكان لهذه اليقظة أروع الآثار، ولن تظل هذه القيود أبد الدهر فإنما الدهر قلّب:

وما بين طرفة عين وانتباهتها

يغير الله من حال إلى حال

ولن يظل الحائر حائراً فإنما بعد الحيرة هدى، وبعد الفوضى استقرار، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وإنك لتقرأ الآية الكريمة في أول سورة القصص:

 طسم\" (1) تلك آيات الكتاب المبين (2) نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون (3) إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين (4) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (5) ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون (6) (القصص).

تقرأ هذه الآية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته ويعتز بقوته، ويطمئن إلى جبروته ويغفل عن عين الحق التي ترقبه، حتى إذا فرح بما أوتي أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأبت إرادة الله إلا أن تنتصر للمظلومين وتأخذ بناصية المهضومين المستضعفين، فإذا الباطل منهار من أساسه، وإذا الحق قائم البنيان متين الأركان وإذا أهله هم الغالبون، وليس بعد هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات كتاب الله عذر في اليأس والقنوط لأمة من أمم الإسلام تؤمن بالله ورسوله وكتابه. فمتى يفقه المسلمون في كتاب الله؟

 

دعوة للتفاؤل

والناظر المتأمل في كتاب الله - تعالى -، يرى أن الحق - تبارك وتعالى - قد بين في آيات مباركات طيبات أنه غفور رحيم، وأنه يقبل توبة التائبين، ويصفح ويعفو عن المذنبين المسيئين، واستفاضت الأحاديث ببيان هذا المعنى وتوضيحه، حتى أصبح عقيدة راسخة في صدور الذين أوتوا العلم: أن العبد إذا تقرب إلى الله شبراً تقرب - تعالى - إليه ذراعاً، وإذا تقرب العبد إليه ذراعاً تقرب له المولى باعاً، وإذا أتى العبد ربه يمشي، أتاه الحق - تبارك وتعالى - هرولة، وقد صح الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم بسنده عَن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله تعالى عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \"إِذَا مَضَى شَطرُ اللَّيلِ أَو ثُلُثَاهُ يَنزِلُ اللَّهُ - تبارك وتعالى - إِلَى السَّمَاءِ الدٌّنيَا فَيَقُولُ هَل مِن سَائِلٍ, يُعطَى هَل مِن دَاعٍ, يُستَجَابُ لَهُ؟ هَل مِن مُستَغفِرٍ, يُغفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنفَجِرَ الصٌّبح\".

فقل لي بربك: أليس كل هذا دعوة للتفاؤل؟!، أليست تلك دعوة إلى التحرر من سلطان اليأس والقنوط، والسير في رحاب الأمل وسعة رحمة الله - تعالى -؟!.

 

منهج رسول الله في غرس الأمل

ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي أصحابه على حسن الظن بالله - تعالى -، وعلى استدامة الأمل في نصر الله، وتمكينه وتأييده، بالقول الصادق الخالص، وبالعمل الصالح النافع:

فقد روى البخاري - رحمه الله - بسنده عَن خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ قَالَ: شَكَونَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعبَةِ فَقُلنَا أَلا تَستَنصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدعُو لَنَا؟ فَقَال: \"َقَد كَانَ مَن قَبلَكُم يُؤخَذُ الرَّجُلُ فَيُحفَرُ لَهُ فِي الأرضِ فَيُجعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالمِنشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجعَلُ نِصفَينِ، وَيُمشَطُ بِأَمشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحمِهِ وَعَظمِهِ فَمَا يَصُدٌّهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ. وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأمرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنعَاء إِلَى حَضرَمَوتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُم تَستَعجِلُونَ\".

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -يحب إدخال السرور والسعادة على قلوب المسلمين، وكيف لا وقد قال عنه المولى - تعالى -: بالمؤمنين رءوف رحيم 128 (التوبة: 128).

فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري بسنده عَن أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنتُ أَنَا وَأَصحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولا فِي بَقِيعِ بُطحَانَ وَالنَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - بِالمَدِينَةِ، فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عِندَ صَلاةِ العِشَاءِ كُلَّ لَيلَةٍ, نَفَرٌ مِنهُم، فَوَافَقنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَأَصحَابِي وَلَهُ بَعضُ الشٌّغلِ فِي بَعضِ أَمرِهِ فَأَعتَمَ بِالصَّلاةِ حَتَّى ابهار (أي انتصف) اللَّيلُ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى بِهِم فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ لِمَن حَضَرَهُ: \"عَلَى رِسلِكُم أَبشِرُوا إِنَّ مِن نِعمَةِ اللَّهِ عَلَيكُم أَنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيرُكُم أَو قَالَ: مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيرُكُم لا يَدرِي أَيَّ الكَلِمَتَينِ قَالَ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَرَجَعنَا فَفَرِحنَا بِمَا سَمِعنَا مِن رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -\".

وقد كثرت البشارات بالفتوحات في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -:

فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ، وَسُئِلَ أَيٌّ المَدِينَتَينِ تُفتَحُ أَوَّلا القُسطَنطِينِيَّةُ أَو رُومِيَّةُ، فَدَعَا عَبدُ اللَّهِ بِصُندُوقٍ, لَهُ حَلَقٌ، قَالَ فَأَخرَجَ مِنهُ كِتَابًا قَالَ: فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ بَينَمَا نَحنُ حَولَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -نَكتُبُ إِذ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -أَيٌّ المَدِينَتَينِ تُفتَحُ أَوَّلا قُسطَنطِينِيَّةُ أَو رُومِيَّة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: \"مَدِينَةُ هِرَقلَ تُفتَحُ أَوَّلا يَعنِي قُسطَنطِينِيَّة\".

وقد فتحت القسطنطينية بفضل الله - تعالى - وحده على يد المجاهد محمد الفاتح الذي تخرج في المدرسة الجهادية، وتلقى دروسه الأولى من مدرسيه ومشايخه ومعلميه في الثقة بنصر الله، وأنه بالعزم والجد، وبالتفاؤل وإحسان الظن، يصل المسلم إلى ما يريده بعونه - تعالى -، ولا نزال نترقب بحول الله أن تفتح رومية، أو ما يسمى بروما الآن.

فتأمل معي أخي الحبيب كيف كان رسول - صلى الله عليه وسلم -يزرع الأمل في نفوس أتباعه، حتى تنمو شجرة التفاؤل في قلوبهم ضاربة بجذورها في أعماق الأرض، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فياليت قومي يفهمون.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply