بسم الله الرحمن الرحيم
أخذت الشمس في المغيب وأصبح لا يظهر منها غير نصفها، أخذت تذهب في أعماق البحر شيئًا فشيئًا..والبحر يضمها إليه أكثر ولكنه على الجانب الآخر ينفض الموج من عليه إلى الشاطئ ولكن تأبى الرمال أن تأخذه وتعيده إلى البحر مرة أخرى وهكذا..
واختلط هدير الأمواج بصوت الناس على الشاطئ وصوت الأطفال وهم يصيحون ويلعبون ولكن كل الذي يجذب حنين هو ذلك المنظر الشمس البحر الموج السماء أخذت تتأمل كل هذا وكأنها قد انفصلت عن عالم الدنيا
وفجأة سمعت حنين بكاء طفل.. بكاؤه تنقطع له الأكباد وتتفطر له القلوب.. من صاحب هذا الأنين؟!.. أخذت حنين تبحث عن مصدر الصوت فوجدته.. وجدت طفلاً لا يتجاوز عمرة الخامسة يبكي بكاءً شديدًا وهو يمشي وحده على الشاطئ أخذها الفضول لتعرف لم يبكي فقد كانت ولعة بالأطفال وجدت نفسها تسير إليه فرأته من ظهره فأمسكت يديه حتى ينظر إليها فالتفت إليها ويا ليت لم يلتفت... !!
لقد وجدت حنين أمامها طفلاً بريئًا جميلاً ولكنها على الرغم من ذلك وقفت مذهولة واتسعت حدقتها وفتحت فاها من فرط ذهولها فقد كان طفلاً معاقًا ذهنيًا، من يراه لأول وهلة لا يراه كذلك العينان خضراوتان ولكنهما امتزجتا باللون الأحمر من شدة البكاء ـ الشعر أصفر ناعم.. الوجه كأنه فلقة قمر أمسك الطفل قليلاً عن البكاء ولكنه عاود فتح فاه بالبكاء مرة أخرى وأخذ يمشي تاركًا وراءه حنين مذهولة، استجمعت حنين قواها مرة أخرى وأخذت تجري وراءه على الشاطئ حتى تلحق به وعندما وصلت إليه أمسكت يداه الصغيرتان فنظر إليها بعينيه الخائفتان.. فقالت له حنين: ما اسمك يا حبيبي؟! فأخذ ينظر إليها مرة أخرى.. ثم عاود البكاء ولم يعطها إجابة!! فقالت محولة إسكاته: أين أمك.. ؟! أين أبوك؟!
فلم يعطها إجابة غير البكاء المتواصل.. !! فأخذت حنين يده وسارت به على الشاطئ عسى أن تجد من يعرفه..
في هذا الوقت كان الطفل قد كف عن البكاء وأخذ بعض إصبعه فحمدت حنين ربها أنه توقف عن بكائه الرهيب.
أخذت حنين الشاطئ ذهابًا وإيابًا ثلاث مرات ولكن دون جدوى ولم تجد أهل الطفل. فعادت بالطفل إلى والدها وقصت عليه القصة فنصحها بأنها تذهب به إلى أمن الشاطئ عسى أن يكون لهم دور في نجدة هذا الطفل المسكين. أمام مكتب أمن الشاطئ أسرعت حنين إلى مكتب أمن الشاطئ فاستقبلها رجل الأمن فقصت عليه القصة فقال لها رجل الأمن وأين هذا الطفل أخذت حنين تتلفت يمنة ويسرة فلم تجده فإذا هو واقف خلفها ممسك بثوبها ولا يزال يعض إصبعه الصغير فقالت للرجل ها هو!! فإذا برجل الأمن يفتح فاه ذهولاً هو الآخر وينظر إليه في شفقة وقال لها: هذا الطفل مرة أخرى.. !! لقد جاء به رجل من قبلك وقال لي نفس الكلام!! ذرفت حنين دمعة ألم وحزن على هذا الطفل المسكين ولكنها استجمعت شجاعتها وقالت له: أريد أن يرجع هذا الطفل لأهله بأي طريقة.. !! قال رجل الأمن: أستأذنك لحظات
وذهب عنها فترة.. أخذت حنين تنظر لهذا الطفل وتحدرت دمعة كانت تصبها على وجنتيها. وأخذ يدور في خاطرها سؤال محير؟! من هم أهل هذا الطفل أصحاب القلوب القاسية المتحجرة.. الذين لا يعرفون معنًا للحنان أو الرحمة أو حتى الشفقة؟ كيف تركوا هذا الطفل هكذا وحيدًا يبحث عن أهله؟؟ وبلغت بها الشفقة أن فكرت أن تأخذ هذا الطفل وتذهب به بعيدًا لترعاه وتحن عليه فقد والله أحبها واطمأن لها.
وفجأة اخترق شرودها صوت الضابط ينادي عليها: يا آنسة!! والتفتت إليه وقد بدا لها من مظهره أنه ينادي عليها من فترة وهي لا تسمعه، فقال لها: كبير الأمن يريد التحدث معك فأسرعت حنين معه للقاء هذا الكبير عسى أن يكون صاحب الدور الكبير فدخلت عليه وقصت عليه قصة هذا الطفل مرة أخرى.
ولكنها صدمت من هذا الرجل، لا مبالاة متناهية ينظر إلى الطفل وكأنه هم ثقيل قد ألقى على عاتقه، أحست حنين بالاشمئزاز من هذا الرجل الضخم الذي جلس على كرسيه في كبرياء وينظر إلى الطفل من تحت نظارته بعينه الحمراء المخيفة أحست حنين أن الطفل خاف من هذا الرجل فأخفته وراء ظهرها.. وبعد صمت قصير ساد المكان أحست حنين أنه ساعات قال لها الرجل في ابتسامة مصطنعة تعتقد أنه أمضى كل هذا الوقت ليصطنعها.. لا تقلقي سأجعل الحارس يمشي به على الشاطئ ويعيده لأهله..
اطمأنت حنين قليلاً لأن الحارس كان مشفق على الطفل وكان يبدو إليها أنه طيب القلب، فحملت حنين الطفل ووضعته على الكرسي الذي كان أمامها لتودعه وطبعت قبلة حانية على وجنته البيضاء الناعمة وقالت له في صوت مفعم بالحنان والحب: اطمئن سوف يعيدك الحارس لأهلك.. ونظرت إليه قليلاً كأنها تريد أن تشبع عينيها بآخر نظرة لوجهه الملائكي ولوحت له بيدها مودعة إياه فوجدته ينظر إليها في هلع وخوف.
فعادت إليه مرة أخرى فحملته بين يديها وأوقفته على الرصيف المقابل لها فإذا هو وبدون مقدمات يفعل الشيء الوحيد الذي يتقنه فيبكي بكاء رهيبًا أفجع قلبها. فنظرت إليه وقالت له لم تبكي فإذا به يرتمي بين يديها وفي أحضانها ويزداد صوت بكائه ارتفاعًا. تعجبت حنين من فعله المفاجئ فأخذت تربت على ظهره الذي قد لفحته حرارة الشمس فاحمر. فأخذت حنين هي الأخرى في البكاء حتى هدأ الطفل تمامًا وتوقف عن البكاء فأخذت تزيحه عن صدرها لترى ماذا يفعل فإذا به يعود إليها مرة أخرى. ويرفض مفارقة أحضانها الحانية.. فتضمه هي الأخرى في حنان وتربت على ظهره وتحسس على شعره بيديها.
وبينما هم كذلك سمعت صوتًا من خلفها يقول لها: ماذا فعلت؟! فالتفتت فإذا به والدها ينظر إليهما في تعجب فقالت سيذهب به الحارس يا أبي ويمشي به على الشاطئ ليعيده لأهله ولكنه لا يريد أن يبعد عني ويبكي كلما أخذه الشرطي، فحاولت حنين مرة أخيرة أن تزيحه عن صدرها فإذا به يستجيب أخيرًا وكأنه قد سلم بالأمر الواقع ولكنه نظر إليها نظرة أخيرة وجدت حنين فيها أنه يقول لها لا.. لا تتركيني لأهلي لا تذهبي لا تذهبي.
وغاب الطفل عن نظرها ووجدت حنين نفسها تلقي برأسها على صدر أبيها وتبكي بكاءً شديدًا فقد أحبت هذا المخلوق حبًا جارفًا. فلما رآهما كبير الضباط وهم على هذه الحال تحرك قلبه المتحجر وقال لأبيها لا تقلق.. ومر علينا بعد نصف ساعة لتطمئن عليه.. وعادت حنين مع أبيها إلى مكان جلوسهما وهي مستمرة في نحيبها لا تفكر في شيء سوى هذا الطفل.. هل عاد؟.. هل وجدوا أهله؟ هل يبكي الآن يا ترى أم لا؟!!
تساؤلات كثيرة دارت في ذهنها، ولم يهدأ لها بال إلا عندما ذهبت مع أبيها إلى مكتب الأمن وطمأنها الشرطي أنه قد أعاده لأهله الذين كانوا يضحكون ويقهقهون ولا يشعرون بمأساة هذا الطفل، فوجدت حنين إجابات لكل الأسئلة التي كانت تدور بذهنها إلا سؤال واحد؟!
ما ذنب هذا الطفل المعاق ذهنيًا الذي هو في أشد احتياجه للحنان والرحمة أن يتواجد بين أب وأم بهذه القسوة؟!!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد