أهداف التربية الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

اختفلت الكتابات التي تبيِّن أغراض أو أهداف التربية الإسلامية، فمن الكُتّاب والمؤلِّفين من يركّز على الهدف الديني الذي يقوم على تعلّم القرآن ومعرفة العبادات المفروضة وأحكام الإسلام الأخرى. وهذا هدف كبير يمكن أن يشمل التربية الإسلامية كلها باعتبار أنّ الدين الإسلامي دين ودولة، و\"بعضهم لا سيما المُحدَثون يفصِّلون هذه الأهداف إلى أهداف دينية وعقلية وثقافية ونفسية، وآخرون إلى أهداف دينية وعقلية واجتماعية ومادية\". وواضح أن هناك اشتراكاً كبيراً وشِبهَ اتّفاق على هذه الأهداف. فالإسلام كما سبق وبيّنّا يدور حول محور أساسي وهو الإنسان حيث يعمل على تهذيب روح وعقله وجسده. أي إن هدف التربية الإسلامية الأساس هو بناء شخصية المسلم وذلكَ من خلال ثلاث نقاط رئيسة هي:

1 ـ بلوغ الكمال الإنساني: فالإسلام نفسه يمثّل بلوغ الكمال الديني فهو خاتم الرسالات وأكملها، يقول الله - تعالى -: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً}، ويقول: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس}.

ومن تمام الكمال الإنساني مكارمُ الأخلاق، وقد صحّ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"إنما بُعثتُ لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق\". فإذن ضمن أهداف الرسول - صلى الله عليه وسلم - إتمام مكارم الأخلاق وبالتالي فالكمال الإنساني يُعتبر هدفاً رئيساً لبناء شخصية المسلم.

2 ـ تنشئة الإنسان تنشئة روحية: فالتربية الإسلامية تهدف إلى تربية الإنسان على مخافة الله - تعالى - وخشيته وذلكَ عن طريق العلم، وهو سبيل التقوى الصحيحة والمدخل إلى معرفة الله - عز وجل -. ولذلكَ نرى الإسلام قد حثّ على العلم والسعي في طلبه وفضّل أهلَه على غيرهم ورفعهم درجات. ويتصل بذلك أيضاً دور الإنسان في تعمير الأرض وتسخير ما أودعه الله فيها من ثروات لخدمة حياة الإنسان وتحقيق الخير للناس مع ما يتطلّبه ذلكَ من استخدام للعلوم المختلفة كالعلوم الإنسانية والطبيعية التي ينبغي أن تُكتب من منظور إسلامي لخدمة حقائق الإسلام ومن أجل حياة أفضل للإنسانية. ومهمّة التربية توجيه فطرة المسلم على أساس هذا الإيمان الصحيح وخشية الله وعبادته.

3 ـ تقوية الروابط الإسلامية بين المسلمين: ويتم ذلك عن طريق ما تقوم به من توحيد للأفكار والاتجاهات والقِيَم بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وقد نبَّه الإسلام إلى بعض الحقوق المتوجِّب اتّباعُها في سبيل مجتمع نموذجيّ فريد في آدابه الاجتماعية.

ومن هذه الآداب على سبيل المثال لا الحصر: أدب الطعام والشراب، أدب السلام، الاستئذان، المجلس، الحديث، أدب عيادة المريض، أدب التعزية. وكل هذه الآداب تندرج ضمن أحاديث تحثّ على توجيهات وإرشادات من رسولنا الكريم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليلتزم بها المسلم ويصطبغ بها المجتمع. ومن بين الشرائع الموجودة على الأرض لم تستطع أي شريعة أن توحِّد وتجمع أبناءَها كما فعل الدين الإسلامي.

فالإسلام دين التوحٌّد والتضامن واجتماع المسلمين مع بعضهم بعضاً. فعلى صعيد الحي الواحد يجتمع المسلمون في المسجد خلال اليوم خمسَ مرات لأداء فريضة الصلاة، وفي الأسبوع يجتمعون على صعيد البلدة كلِّها في صلاة يوم الجمعة، وفي السَّنَة وخلال أداء مناسك الحج على صعيد البلاد والأمم الإسلامية جميعها. فهل هناك نظام يستوي فيه الغني والفقير، والقوي والضعيف كهذا النظام؟ وأكثر ما يظهر هذا النظام في المجتمع الإسلامي خلال شهر رمضان حيث يتجلّى بأروع مظاهره في شعائر هذا الشهر وعباداته لدى الأقطار المسلمة كلِّها. فهذه روابط وأنظمة لا مثيل لها في أمّة من الأمم وذلك لكي يبقى المسلمون مترابطين في كل بقاع الأرض ومجتمعين في وقت واحد.

إن هدف التربية الإسلامية الرئيس هو إعداد \"الإنسان\" الصالح إعداداً شاملاً لا تترك فيه شيئاً ولا تغفل عن شيء، وذلك عبر الروح والجسد والعقل لأن \"الروح والعقل والجسم كلّها كيانٌ واحد ممتزج مترابط، وكلّها تعمل ممتزجة مترابطة في واقع الحياة وقد يغلب أحد جوانب الكيان في لحظة وتتوارى بقيّة الجوانب أو تنحسر ولكنها لا تنفصل قطّ وإلاّ فإنها تموت\".

فاليد وحدها تعمل وتتحرك وتمسك وتدع، ولكنها لا تعمل مستقلة عن بقية الجسم. إنها متربطةٌ به بالعروق والدماء والأعصاب. ولو انفصلت لحظة فَقَدَت القدرة على الحياة. وكذلك الكيانُ كلٌّهº كل جزء منه كاليد من الجسم: جزء مستقل في الظاهر، وفي الواقع متصل أوثقَ اتصال.

والإسلام يجاري الفطرة في تركيبها، يجاريها في السماح ببروز بعض الجوانب أحياناً وانحسار بعض، فيجعل ساعةً للعبادة، وساعةً للتفكر، وساعةً للعمل، وساعةً للَّعِب. ولكنه يجاريها كذلك في ترابط الجوانبِ كلِّها وامتزاجها، فلا يسمح بفصل جانب عن بقية الجوانب، أو إبراز جانب بكَبتِ الجوانب الأخرى في أيِّ وقت من الأوقات.

ساعة العبادة ليست تهويمةَ روح خالصة، وإنما هي حركة جسم وحركة عقل وانطلاقه روح، والصلاة تظهر فيها بوضوح هذه الحقيقة، فهي تشمل الجسم والعقل والروح كلها في آن، ثم كل عمل في عرف الإسلام عبادة ما دام يتجه به الإنسان إلى الله.

وساعة التفكّر ـ أيّاً كان لونه وهدفه ـ لا تنقطع عن الصلة بالله واستشعار عظمته، وبالتالي لا تنقطع عن صلتها بالروح.

وساعة الجسد الخالصة لا يفصلها الإسلام عن الروح، فإن كانت طعاماً أو شراباً فهي باسم الله والصلة بالله هي صلة الروح، وإن كانت مُتعةَ جنس ـ بالحلال ـ فهي كذلك، تبدأ باسم الله. ويقول فيها الرسول الكريم: \"إن في بُضع أحدكم ـ معاشرته لزوجته ـ لأجراً! فقيل: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ثم يكون عليها أجر؟ قال: أرأيتَ لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال فله عليها أجر! \" رواه مسلم.