شرَّف الله الإنسان، وكرمه على سائر المخلوقات بنعمة العقل، وجعل ذلك مناطاً للأمر والتكليف، ولذا فليس غريباً أن يوجد في كتاب الله - عز وجل - عشرات الآيات التي تدعو إلى التفكير والتعقل، والنظر في ملكوت الله - سبحانه وتعالى- من مثل قوله - عز وجل -: \" إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب \". (آل عمران: الآية 190).
ولكن هل يجوز أن يكون عقل الإنسان انعكاساً لأفكار المجتمع من حوله، فيتأثر بنمط التفكير السائد، ولا يفكر إلا فيما يفكر فيه الناس، ولا يعمل إلا ما يعمله الناس؟.
إن البيئة الاجتماعية والفكرية التي يعيش فيها الإنسان تؤثر تأثيراً بالغاً على تصوراته وأفكاره، وهي التي تصنع في الغالب أطروحاته وهمومه. والأمة الإسلامية تعاني من فراغ مدهش، جاء نتيجة تخلف عقود متتابعة، وزاد في ترسيخه وتعميق جذوره الغزو الثقافي الغربي، قبل الاستعمار وبعده. وإننا نعاني من أدواء عديدة في البيئة التي نعيش فيها، ومن ملامح ذلك على سبيل المثال:
- قصور بيّن في طريقة التفكير.
- قصور في نوعية المسائل التي يفكر فيها الإنسان، ويشغل نفسه بها.
- قصور في طريقة بحث الأفكار، ومناقشتها مع الآخرين.
- قصور في توظيف الأفكار في ميادين العمل والبناء.
وأبناء الصحوة الإسلامية جزء من هذا المجتمع، يتأثرون به كغيرهم سلباً وإيجاباً، ومن مهمات الحركة الإسلامية انتشار هذه الإيجابيات وتنميتها، ومقاومة السلبيات، وتقليلها قدر الإمكان. ولقد قامت الحركة الإسلامية بجهد مبرور مشكور في هذا الميدان، ولكنه أقل بكثير ممّا يجب، وأقل بكثير من الإمكانات التي تملكها، وكما قال الشاعر:
ولم أرَ في عُيوبِ الناسِ عيباً *** كنقَصِ القادرينَ على التماَمِ
إن بناء الإنسان المفكر القادر على التمييز والنظر من أصعب الصناعات التربوية، ولكنها في الوقت نفسه من أهم الصناعات. ومهما كثرت الضغوط على الصحوة الإسلامية، وتزايدت عليها المحن، وتكالب عليها الأعداء، وتشعبت بها دروب العمل، فيجب أن يكون ذلك من أولويات البناء والتكوين، حتى تضمن بفضل الله - تعالى - بقاءها وصلابتها من جهة، ونقاءها وسلامة توجهها من جهة أخرى. وإن غياب المنهج العلمي، وفقدان الضوابط الشرعية في الفهم، والتلقي، والعمل، يؤدي جزماً إلى هذا القصور والخلل الذي نعيشه. والنهوض بالأمة من هذه الكبوة لن يكون إلا وفق الأسس والقواعد الشرعية المبنية على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح. والعاملون للإسلام لا ينقصهم- في الغالب- الصدق والإخلاص، وإنما يحتاجون إلى العلم الدقيق بمحكمات الشرع وأصوله، ليتسنى لهم تنزيلها على مقتضيات العصر.. ولذا كان التحدي الكبير الذي تواجهه الصحوة الإسلامية هو بناء الإنسان المفكر..!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد