يصاب كثير من المحبين للفكرة الإسلامية، ومنهم بعض الدعاة، بمرض نفسي خطير وهم لا يشعرون، هذا المرض هو نفثة من نفثات إبليس، وسهم من سهامه يصوبه نحو قلوب المؤمنين، فيصيب مقاتلهم، ويدمر فاعليتهم، ويهدم طموحاتهم، ويحط من هممهم، فيرضى أحدهم أن يكون ذيلاً في قافلة الدعاة، أو هملاً في ركب المسافرين إلى الله، فلا يحرك ساكناً ولا يكون لبنة في صناعة الحياة، فهو على هامش التأثير.
هذا المرض النفسي الخطير، أو قل هذه العقدة المعقدة هي عقدة النقص، حيث يشعر بعض أحبابنا الصادقين أو يخيل لهم- أنهم ناقصون، وذلك عند مطالبتهم بالقيام بدور مؤثر لنصرة هذا الدين.
فإن قيل لأحدهم: عِظ الناس في المساجد قال: إنني أدنى من أصل إلى مستوى الواعظ، وإن قيل له: اكتب مقالاً تصدع به بالحق، قال: وأنى لقلمي المتعتع أن يسطر مقالاً نافعاً؟ وإن قيل له: اذهب إلى مجالس الناس وادعهم إلى الله، قال: أنا لست مفوهاً ولا مؤثراً كي أعتاد هذه المجالس.
وإن قيل له: كن مربياً وموجهاً لغيرك من التائبين وحديثي الالتزام، قال: وأنى لمذنب مثلي أن يكون قدوة وموجهاً، دعني أصلح نفسي أولاً فإذا انتهيت من إصلاحها سأقوم بهذا الدور!!
وإن قيل له: تحدث عن مأساة إخوانك المسلمين المضطهدين في مشارق الأرض ومغاربها، واجمع لهم التبرعات في محيط عملك أو عند أصدقائك وأقربائك، قال: إني أخجل من ذلك، وأخشى أن يستهزئوا بي.
وهكذا يتهرب هذا الأخ الحبيب عن كثير من مجالات الخير والعطاء والتأثير، لا لأنه يكره فعل الخير أو العمل لله، ولكن لأنه قد احتقر نفسه، واستصغر قدراته وإمكاناته، وقذف في نفسه أنه ناقص وغير قادر على القيام بدور مهم ومؤثر يصنع به الحياة ويغير به مجرى الأحداث.
لقد وقعت عيني على كلمة نطق بها الإمام الحسن البصري ووجه بها تلامذته. هذه الكلمة ينبغي أن تكتب بماء الذهب وتنقش في قلوب المصابين بعقدة النقص.
يقول الحسن البصري - رحمه الله -: \" أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لها، ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه لعدم الواعظون، وقل المذكرون، ولما وجد من يدعو إلى الله جل ثناؤه، ويرغب في طاعته، وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضاً حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة وأمن من النسيان، فالزموا عافاكم الله مجالس الذكر، فرب كلمة مسموعة ومحتقر نافع \".
الدعاة إلى الله، وعامة المحبين للمنهج الإسلامي، عندهم خير كثير، وقد وهبهم الله من القدرات الشيء الكثير لو أنهم وثقوا بأنفسهم، واطمأنوا إلى قدراتهم، واستعانوا بالله - عز وجل - على شيطانهم المُوَسوِس لهم بالنقص، فهم والله أخيار ولا فخر.
كم يؤلمني أن أرى قومياً أو علمانياً أو شيوعياً يتحرك ليلاً ونهاراً، وبشتى الوسائل، لنصرة مبدئه وفكرته المبتورة من كل خير، ثم أرى من اتصل بحبل الله المتين قابعاً في بيته منزوياً عن مواطن التأثير خادعاً نفسه بالنقص وعدم القدرة.
والأعجب من ذلك، والأكثر إيلاماً يوم أن ترى ذاك الذي يتهم نفسه بالنقص، ثم لا تجده يسعى جاهداً لمعالجة هذا النقص والتخلص من هذا الضعف، بل تجد بعضهم قد اعتاد ذكر هذا النقص كي يبرر لنفسه التخلف عن ركب أصحاب الهمم والمراتب العالية.
لقد أعجبني ما قاله الإمام حسن البنا في رسالة دعوتنا في طور جديد، حيث قال: \" نحن نريد نفوساً حية قوية فتية، وقلوباً جديدة خفاقة غيورة ملتهبة، وأرواحاً طموحة متطلعة متوثبة، تتخيل مثلاً عليا، وأهدافاً سامية لتسمو نحوها، وتتطلع إليها ثم تصل \".
إن الكمال لله - عز وجل -، والنقص من طبيعة البشر، ولو أراد الإنسان أن يكمل إصلاح نفسه ثم يمارس الإصلاح لما وُجِدَ مصلح واحد \" إلا من رحم الله \"، ولكن علينا التسديد والمقاربة، بل المراغمة والمجاهدة للنفس والشيطان في إصلاح النفس والغير إلى آخر رمق علنا ننجو من حساب الله يوم القيامة.
فهذا أعرابي مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يخاطبه قائلاً:
إن الثناءَ ليحيي ذكرَ صاحبـــه
كالغيثِ يُحيي نَداهُ السهلَ والجبل
لا تزهَدِ الدهرَ في عُرفٍ, بدأتَ به
فكلٌّ عبدٍ, سيُجزَى بالذي فعــلا
لذا أرجو من المحبين لهذا الدين أن يقفوا مع أنفسهم ويراجعوا حساباتهم، ونقول لهم: لا يسبقنكم إلى الميدان والتأثير من لا يرجو لله وقاراً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد