3 - بعض المواصفات: يصعب حصر تلك الصفات وتناولها بشيء من التفصيل في مثل هذا الحيز المتاح، وما سيرد ذكره هو على سبيل المثال ومما استدعى المقام الإشارة إليه لأهميته وتذكير أنفسنا به. ومما يجب التنبيه عليه هو أن جيل الصحابة رضوان الله عليهم قد مثل تلك الصفات أحسن تمثيل وجعلها واقعاً يراه الناس فحقق الله على أيديهم أمر العز والتمكين لهذا الدين. فمن أراد إذن المزيد والتفصيل حول بعض ما نذكره أو غيره فما عليه إلا أن يراجع سيرة أولئك الرجال أو سير الذين أتوا من بعدهم وساروا على نـهجهم واقتفوا آثارهم،
أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أ - أولى هذه المواصفات: أنه جيل يحب الله ويحبه الله.
قال - تعالى -: [فسوف يأتي الله بقوم يحبهم الله ويحبونـهم]، وهذه أول صفة ذكرها الله في معرض تـهديد من ارتد عن الإسلام في الآية التي وردت في سورة المائدة، وبالعودة إلى الآيات التي ذكرناها سابقاً [1] نجد أن هذه الصفة من أهم الخصال التي يجب أن يتحلى بـها من يريد أن يحقق الله على يديه أمر إعزاز الإسلام والمسلمين.
فتقديم محاب الله ورسوله على الأمور التي جبل الإنسان على محبتها مثل المال والولد والزوج والعشيرة أو النفس أو غيرهما دلالة كذلك على صدق هذه المحبة ومحك لاختبار دعوى من يتشدق بـها. ]ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً[لماذا؟ ]إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً[.
ولهذا نقل عن السلف قولهم أن قوماً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ادعوا محبة الله فاختبرهم الله - جل وعلا - بقوله في سورة آل عمران: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله][آل عمران: 31]، وتسمى هذه الآية آية المحنة لامتحانـها القلوب في ادعائها هذا.
ومحبة الله عبده رضاه عنه وتيسير الخير له، ومحبة العبد ربه انفعال النفس نحو تعظيمه والأنس بذكره وامتثال أمره والدفاع عن دينه [ابن عاشور: 236].
وإننا في هذه الأيام وفي هذه الديار لفي أشد الحاجة إلى تذكر هذه المعاني والعمل بمقتضاها وترك ما ينافيها وذلك بعرض أعمالنا وأقوالنا على المحجة البيضاء التي تركنا عليها خير الورى.
وسنعيش لحظات مع بعض المعاني والآثار التي أوردها ابن القيم - رحمه الله - في سفره النفيس \"مدارج السالكين\" وذلك بتناول الأمور التالية:
1 - أهمية المحبة: وهي المنـزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بـها فعيشه كله هموم وآلام.
وهي سمة هذه الطائفة المسافرين إلى ربـهم، الذين ركبوا جناح السفر إليه، ثم لم يفارقوه إلى حين اللقاء، وهم الذين قعدوا على الحقائق، وقعد من سواهم على الرسوم.
وهي عنوان طريقتهم ودليلها، فإن العنوان يدل على الكتاب، والمحبة تدل على صدق الطالب، وأنه من أهل الطريق.
كما إنـها \"معقد النسبة\" أي النسبة التي بين الرب وبين العبد، فإنه لا نسبة بين الله وبين العبد إلا محض العبودية من العبد والربوبية من الرب، وليس في العبد شيء من الربوبية، ولا في الرب شيء من العبودية، فالعبد عبد من كل وجه، والرب - تعالى - هو الإله الحق من كل وجه.
ومعقد نسبة العبودية هو المحبة، فالعبودية معقودة بـها، بحيث متى انحلت المحبة انحلت العبودية، والله أعلم.
وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونـها أبداً واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبـهم أوفر نصيب، وقد قضى الله - يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة -: أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة. ومضى يقول - رحمه الله -: \"فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطلت منازل السير إلى الله، فإنـها روح كل مقام ومنـزلة وعمل، فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه، ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها، بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام، فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله، فمن لا محبة له لا إسلام له ألبتة، بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، فإن \"الإله\" هو الذي يألهه العباد حباً وذلاً، وخوفاً ورجاء، وتعظيماً وطاعة له. بمعنى \"مألوه\" وهو الذي تألهه القلوب، أي تحبه وتذل له\".
2 - حقيقتها: لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لادّعى الخلي حرقة الشجي، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة[قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله][آل عمران: 31].
فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البينة بتزكية: [يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم][المائدة: 54].
فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم. فهلموا إلى بيعة[إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة][التوبة: 111].
فلما عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع، عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأناً، فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس، فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي، من غير ثبوت خيار، وقالوا: \"والله لا نقيلك ولا نستقيلك\".
فلما تم العقد، وسلموا المبيع، قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معاً: [ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربـهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله][آل عمران: 169، 170].
إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب، أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربـها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى.
ومن أجمع ما قيل فيها: ما ذكره أبو بكر الكتاني، قال: جرت مسألة في المحبة بمكة أعزها الله - تعالى - أيام الموسم - فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سناً، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي، فأطرق رأسه، ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله.
فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جزاك الله ياتاج العارفين.
3 - الأسباب الجالبة لها: في الأسباب الجالبة للمحبة، والموجبة لها وهي عشرة:
أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنـها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتـها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنه والظاهرة، فإنـها داعية إلى محبته.
السابع: وهو من أعجبها - انكسار القلب بكليته بين يدي الله - تعالى -، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
الثامن: الخلوة به وقت النـزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما تنتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيداً لحالك، ومنفعة لغيرك.
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله - عز وجل -.
فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب، وملاك ذلك كله أمران: استعداد الروح لهذا الشأن، وانفتاح عين البصيرة، وبالله التوفيق.
4 - بعض الآثار في تبيين حقيقتها وأهميتها: ففي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر - بعد إذ أنقذه الله منه - كما يكره أن يلقى في النار\" [2].
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"يقول الله - تعالى -: من عادى لي ولياً فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بـها، ورجله التي يمشي بـها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه\" [3]، وفي الصحيحين عنه أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا أحب الله العبد دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض\" [4]. وذكر في البغض عكس ذلك.
وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنهما - في حديث أمير السرية الذي كان يقرأ[قل هو الله أحد]لأصحابه في كل صلاة، وقال: لأنـها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بـها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"أخبروه أن الله يحبه\" [5].
والقرآن والسنة مملوءان بذكر من يحبه الله - سبحانه - من عباده المؤمنين، وذكر ما يحبه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم، كقوله - تعالى -: [والله يحب الصابرين][آل عمران: 146]، [والله يحب المحسنين][آل عمران: 134]، [إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين][البقرة: 222]، [إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنـهم بنيان مرصوص][الصف: 4]، [فإن الله يحب المتقين][آل عمران: 76].
وقوله في ضد ذلك: [والله لا يحب الفساد][البقرة: 205]، [إن الله لا يحب كل مختال فخور][لقمان: 18]، [والله لا يحب الظالمين][آل عمران: 57، 140]، [إن الله لا يحب من كان مختالاً كفوراً][النساء: 36].
وكم في السنة: \"أحب الأعمال إلى الله كذا وكذا\"، و \"إن الله يحب كذا وكذا\"، وكقوله: \"أحب الأعمال إلى الله: الصلاة على أول وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله\" [6]، و \"أحب الأعمال إلى الله: الإيمان بالله، ثم الجهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور\" [7]، و \"أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه\" [8]، وقوله: \"إن الله يحب أن يؤخذ برخصه\" [9].
وبعدº لقد حاولنا الطواف والوقوف على بعض المعاني والآثار التي تبين حقيقة وأهمية محبة العبد لله ومحبة الله للعبد، فعلينا أن نلزم تلك الحدود وأن لا نتعداها أو نبخسها حقها، وعلينا فوق ذلك أن نعرض أعمالنا وأقوالنا على هذه الموازين الثابتة لننظر هل نحن فعلاً صادقون في دعوانا أننا نحب الله؟ فإذا كانت إجابتنا إيجاباً حمدنا الله على ذلك وشمرنا عن ساعد الجد والاجتهاد لطلب المزيد. وإذا كانت غير ذلك فما علينا إلا أن نسارع إلى تدارك ما فاتنا من نقص حتى لا نكون سبباً في هلاك أنفسنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونكون سبباً في زيادة بلايانا ورزايانا بما كسبت أيدينا من معاص وآثام.
ب - ثاني هذه المواصفات: أنه جيل مجاهد لا تأخذه في الله لومة لائم.
قال - تعالى -: [يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم]، وقال جل شأنه: [إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن - إلى قوله - ذلك هو الفوز العظيم][التوبة: 111].
والحديث عن الجهاد وأثره في إعزاز أمة الإسلام يطول، ويكفي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر في الأحاديث الصحيحة أن الأمة سيصيبها الذل والصغار إن هي تركت هذه الشعيرة العظيمة وأنه لا يُرفع عنها لباس الهوان هذا إلا العودة الصادقة إلى ممارسة هذه الشعيرة وتربية الأجيال على معانيها وطلب معاليها.
يقول سيد - رحمه الله - معلقاً على آيتي 38 و 39 من سورة التوبة: \"والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب الآخرة وحدهº فهو كذلك عذاب الدنيا، عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح، والغلبة عليهم للأعداء والحرمان من الخيرات واستغلالها للمعادين، وهم كذلك يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون من الكفاح والجهاد، ويقدمون على مذابح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء، وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب عليها الذل فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها كفاح الأعداء\" اهـ.
وقد مثل جيل الصحابة رضوان الله عليهم النموذج الفذ في تطبيق متطلبات الجهاد والشوق إلى ما عند الله، وهذا الأمر له صلة بما قبله، وذلك لأن هذا الجيل أحب الله وأحب لقاءه، فكان يبحث عن أيسر السبل التي توصله إلى محبوبه، فوجد في حب الشهادة والاستشهاد وامتطاء صهوة جوادها الوسيلة المثلى لتحقيق هذا المبتغى.
فكانت تضحيتهم هذه نقيض ما قاله من كانوا مع موسى - عليه السلام -: [اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون]، بل قال أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -: \"اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون\".
ولا يتسع المقام إلى العيش مع صور من تلك البطولات فعلى المرء أن يطلبها من مظانـها وأن يستلذ بالاطلاع عليها ويجعل ذلك جزءاً من برنامجه التربوي حتى تعلو همته، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون أبناءهم مغازي الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يعلمونـهم السورة من القرآن.
وقبل أن نترك هذه الخصلة لابد أن نشير إلى أن للجهاد أحكاماً وضوابط ليس هذا مجال التفصيل فيها، كما أن له أخلاقاً تبين المجاهد الصادق من غيره. فمن أخلاق المجاهدين الرحمة والشفقة بالناس والأخذ بأيديهم إلى طريق الحق وليس من أخلاقهم التعالي والتكبر واحتقار جهد الآخرين والنظر إليهم بعين الازدراء والسخرية.
فقد كان الصحابة أكبر المجاهدين وأفضل المضحين ولكنهم مع ذلك كانوا[رحماء بينهم]و[أشداء على الكفار]، [أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين]، أما الذين يزايدون ببعض بطولاتـهم ويتشدقون بذلك في عصرنا الحاضر، فعليهم أن يراجعوا مسيرتـهم ويعرضوها على نقاء السيرة التي تركها رجال خير القرون. فهؤلاء الأفذاذ على ما بذلوه من تضحية وجهاد وعلم وعمل كانوا دائماً يخافون من أن تحبط أعمالهم وكانوا دائماً يحتقرون تلك الأعمال مقابل ما أعده الله لهم من جنات النعيم.
فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يسأل أمين سر النبي - صلى الله عليه وسلم - حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - هل ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في عداد المنافقين الذين أسر له بـهم؟ وهذا التابعي ابن أبي مليكة يقول: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد، كلهم يخشى النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول أن إيمانه على مستوى إيمان ميكائيل وجبرائيل، وغير ذلك من الآثار كثير، التي تبين تواضع القوم وانكسار قلوبـهم وإخباتـها لربـها، على عكس كثير ممن رفعوا شعار هذه الفريضة في هذا الزمان أو تصدوا لأعمال دعوية أخرى تتطلب الشجاعة والإقدام فتباهوا على الناس بـها وازدروا أعمال غيرهم الصائبة.
وذكر هذه المسألة والتركيز عليها من شأنه أن يجعلنا دائماً - مهما قدمنا من أعمال وتضحيات - في مراجعة دائمة لسيرنا ومسيرتنا وذلك حتى نتدارك عوامل الخلل والنقص والمواطن التي أتى أعداؤنا إلينا منها، ومن ذلك نذكر القضايا التالية:
1 - التشرذم، فلا يعقل في عصر تكالبت علينا فيه الأمم قاطبة والأعداء بجميع أصنافهم أن ينفرد بأمر المواجهة فئة من الناس غير واضعة في حسابـها هذه المعادلة، مع ما أوجبه الله - سبحانه وتعالى- من ضرورة تراص الصفوف والتصاقها ببعضها في ساحات الوغى]إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنـهم بنيان مرصوص[.
2 معرفة أحكام الجهاد ومعالمه حتى نسير في كل خطوة نخطوها على بينة من أمرنا، فالله تعبدنا بما شرع لنا هو لا بما شرعت لنا أنفسنا وأهواؤها، أو جماعاتنا وأمراؤونا.
3 - معرفة الراية التي نقاتل تحتها، وهي الراية التي تكون كلمة الله تحت لوائها هي العليا وليس القتال من أجل القومية أو الحزب أو الجماعة أو الحمية والشجاعة، وإنما من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.
----------------------------------------
[1] العدد 74، فقرة \"بين الوعد والتهديد\".
[2] - رواه البخاري (21)، ومسلم (43).
[3] رواه البخاري
[4] - رواه البخاري (7485)، ومسلم (3637)، ومالك 2/953، والترمذي 3160 عن أبي هريرة.
[5] - أخرجه البخاري (7375)، ومسلم (813).
[6] رواه البخاري ومسلم
[7] رواه البخاري.
[8] رواه البخاري.
[9] صحيح رواه أحمد وابن حبان عن ابن عمر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد