لا شكَّ أن للتربية التي يتلقاها الأطفالُ في نشأتِهم أعظمَ الأثر في صياغة شخصيّاتِهم التي يشُبٌّون عليها ويشيبون!
فأسلوبُ التعامل الذي يتبعُه الوالدان، وطرق التدريس التي يستخدمها المعلِّمون والأساتذة في المدرسة والمعاهد لها أثرٌ كبيرٌ في نَحتِ شخصيّةٍ, مُعيَّنةٍ, ذاتٍ, انطباعاتٍ, خاصّةٍ, وأفكارٍ, خاصّةٍ, واستجابةٍ, للأحداث على وِفقِ الأُسُس التي تشربَّها في البيت والمدرسة ثم الحياة العامة.
ومن المؤكَّدِ أنّ الدروس العمليّة التي تمثِّلُها أنماطُ التربية وطرقُ التعامل تؤثِّر في الطفل حتى بعد أن يُصبح (طفلاً كبيراً) له مسؤولياتٌ عظمى في الحياةº أكثرَ مما تؤثِّر فيه الدروس النظريّة التي يتلقاها في المدرسة.
ذلك أن المُكَوِّن الثقافي الذي يترعرع في قلب الطفل صغيراًº يتحوَّلُ بعد ذلك إلى نمطٍ, للسٌّلوكِ الاجتماعيº ولعلَّ هذا يُفسِّر لنا ما يُعانيهِ كثيرٌ من السياسيِّين الكِبارِ في العالم العربي والإسلامي من المكرِ والخداعِ والكذبِ والأنانيّة وحُبِّ الظٌّهور الذي يقصم الظٌّهور... إلى غير ذلك من المفردات التي يعرفها الناسُ في لحنِ القولِ والخُشُب المسنَّدة.
الحقيقة أنَّ كثيراً ممن نُكِبت الأمةُ بانتسابِهم إليها وعرفت في زعامتِهم مرارةَ الانهزام، وعانت أشدَّ النكساتِ والويلاتِ العظام من لدن ميلادِهم إلى حين وفاتِهم هم من ذلك النمط الذي عاش في أوساطِ الجهلِ الثقافي والديني والظلم والتفكك الاجتماعي وفي ظل ظروفٍ, سياسيّةٍ, يخنقها القهر السياسي والحيفِ الاقتصادي.
إنَّ كثيراً من طُغاتِنا الكبار رَعَيناهم بأيدينا وصَنَعناهم على أعيُنِناº وملَّكناهم السياطَ التي ألهبوا بها ظهورَناَ! تلك هي الحقيقة وإن لم نعترف بها.
ذلك أنَّ ثقافةَ البطشِ والاستعلاءِ التي تنتشر في بيوتِ المسلمين وبعضِ مدارسِهم وتُعشِّشُ في أساليبهم الإداريّة المتخلِّفة منذ قرونٍ,º هي التي قتلت فينا روحَ الإبداعِ والنهضة التي لا تنمو إلا في ظلالٍ, من الحريّة الوارفة! وهي التي مهدت لميلادِ بعضِ الطغاة الصغار الذين يعيشون على أوهامِ الملوك الكبارِ حينما تتحول الممالك المُستَلَبة والبلدان التابعة إلى ثقافةٍ, يقتات منها المنهزمون روحيا وفكريّاً، كما قيل في ملوك الطوائف الذين نبتوا من جديد في زماننا:
ألقابُ مملكةٍ, في غير موضعِها **** كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ!
ولا عجباً أن تسريَ روحُ الخِذلان والانهزام بعد ذلك في جسدِ الأمة كما سرت في كثيرٍ, من الشعوب المتخلِّفة التي اغتالَتها النٌّظُمُ المقهورةُ على أمرِها نفسيّاً وفكريّاً وعسكريّاً وحضاريّاً! وهو ما حكاهُ التاريخُ من شكلِ الثقافةِ الاستبداديَّة التي كان فرعونُ يحكم بها الناسَ، وعبَّر القرآنُ عن ذلك أحسنَ التعبيرِ وأصدقَه: (فاستخفَّ قومَهُ فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين).[1]
ورحم الله ابنَ خلدون حيث قال: \"مَن كان مَرباهُ بالعَسفِ والقهرِ من المتعلِّمين أو المماليك أو الخدمº سطَا به القهرُ وضَيَّقَ على النفسِ في انبساطِها، وذهب بنشاطِها، ودعاه إلى الكسلِ، وحَمَلَ على الكذبِ والخُبثِ وهو التظاهرُ بغير ما في ضميرِهِº خوفاً من انبساطِ الأيدي بالقهرِ عليه، وعلَّمه المكرَ والخديعة لذلكº وصارت له هذه عادةً وخُلُقاً، وفسدت معاني الإنسانيّةِ التي له.\"[2]
فيا أيها المقهورون الكِبار.. الذين ذاقوا مرارةَ الاستكبارِº لقد جنت عليكم الأنظمة التربوية والثقافيّة والسياسية حينما كنتم صِغاراًº فارحموا الأطفالَ الصغار.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد