هذا كلام مختصر عن كتاب بعنوان: أخطاؤنا في التربية للدكتور عبد الرحمن العايد:
التربية عمل شاق، وجهد يحتاج إلى وقت، وتعنى بتنشئة المسلم وإعداده إعداداً كاملاً من جميع جوانبه لحياتي الدنيا والآخرة في ضوء الإسلام، وللتربية جوانبها المختلفة، منها: التربية الإيمانية، والتربية العلمية والعقلية، والتربية الخلقية، والتربية الجسمية، والتربية النفسية، والتربية الاجتماعية، وللتربية فوائدها ووسائلها ومعوقاتها وأخطاؤها.
كانت هذه الكلمات من مقدمة رسالة (أخطاؤنا في التربية) للشيخ الدكتور عبد الرحمن العايد – وفقه الله – وهو الكتاب الذي سنعرضه إليكم أيها الإخوة، وهو يتحدث عن أخطاء المربين الذين يتولون تربية الشباب في المحاضن التربوية، وقد تطرق الشيخ – حفظه الله – إلى ذكر هذه الأخطاء، ومن ثم أسباب الوقوع فيها، وختم رسالته ببيان الصفات المطلوبة في المربي.
ذكر المؤلف في هذا الكتاب ثلاثاً وخمسين خطأً في التربية نذكرها ونفصل في بعضها، وهي كالتالي:
1 – عدم مراعاة جوانب التربية المختلفة، فهناك الجانب الروحي الإيماني، وهناك الجانب الخلقي، وهناك الجانب العلمي.
ومن الأخطاء التركيز على جانب وترك الجوانب الأخرى، أو عدم التوازن بينها.
2 – عدم التدرج في التربية.
3 – أحياناً يحدث الخطأ بحجة التدرجº وذلك أن هناك مَن يعرف أن التدرج سُنّة كونية فيستمر على حاله التي هو عليها، ولا ينتقل إلى مرحلة تليها.
فعدم التدرج خطأ، وترك التطور بحجة التدرج خطأ أيضاً.
4 – ومن الأخطاء أيضاً: عدم اكتشاف المواهبº فالناس لكل منهم موهبة في مجال معين، وربما كان بعضها يفيد الدعوة.
واكتشاف الموهبة لدى الإنسان يشجعه على الاستمرار معكº لأنك أشبعت رغبته في مزاولة هذه الموهبة.
5 – من الأخطاء أحياناً: ربما تكون الموهبة ظاهرة لا تحتاج إلى اكتشاف، ولكننا نخفق في المحافظة عليها.
6 – ومن الأخطاء: عدم اعتراف المربي بالخطأ إذا أخطأ، فهناك من تجده يعمل على تبرير موقفه الخاطئ، ويجادل ويناقش لكي لا يقال: إنه أخطأ، وربما تذرع بأن من عنده لا يفهمون معنى الخطأ، فيقول: إذا قلت لهم إني أخطأت ربما لم يعودوا يثقوا بي، وهذا خطأ.
إذا أخطأت فقل: أخطأت، واستغفر الله، وتأكد أن هذا يزيدك قدراً عند مَن تربيهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - اعترف بخطئه عندما أمرهم بترك تأبير النخل.
7 - عدم إغضاء المربي عن الهفوات والزلات الصغيرة التي تحدث من بعض الشباب.
8 – القصور في معالجة الخطأ، فكما أننا نقول: إن عدم الإغضاء عن بعض الهفوات خطأ، فكذلك ترك معالجة الخطأ أو التقصير في معالجته إذا انتشر ورأيت أنه سيكون له تأثير على الآخرين وعدم إعطاء كل ذي حق حقه خطأ، والتوازن مطلوب.
9 – إرادة عدم الخطأ من المدعوين أبداً فيما يوكل إليهم من أعمال، فتجد أن المربي يغضب لو فشل الشاب في تحضير الدرس أو البرنامج الثقافي مثلاً، وربما لم يكرر هذه التجربة مع هذا الشاب أبداً، ويريد أن الجميع ينجح من أول مرة.
10 – من الأخطاء: سوء الظن واتهام الآخرين، فإذا رأى مثلاً الشاب تغيَّب عن البرنامج ظن أن هذا التغيب بسبب عدم مبالاة هذا الشخص، مع أن هذا الشاب ربما يكون قد حبسه عذر قاهر، أو يظن أنه تغيب بسبب متابعته لمباراة مثلاً، وهذا اتهام قد يكون في محله أحياناً، وقد يكون في غير محله في أحيان كثيرة.
11 – كثرة التقريع والتوبيخ لأفراد المجموعة واتهامهم بالتقصير.
12 – اعتقاد أن جميع من عنده لا بد أن يكونوا طلبة علم وإلا لا فائدة منهم، وربما أبعد الشاب عن المكتبة أو الحلقةº لأنه قليل الحفظ لا يراجع الدروس، وهذا خطأ، فمن قال إنه لا بد أن يكون جميع شباب الصحوة علماء، أنا لا أعرف أن هذا حدث في جيل من أجيال الأمة الإسلامية بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ليس صحيحاً أبداً أن الشاب لا بد أن يكون عالماً أو طالب علم متمكن وإلا نخرجه من دائرة الشباب الملتزم.
13 – وضع برنامج موحَّد للجماعة كلها دون مراعاة الفروق الفردية.
14 – التكليف قبل النضج: ربما يعجبك شاب بأخلاقه وحكمته وجِدِّه في التزامه، فتسند إليه مهمة قيادية هو بالنسبة لها غير متمكن، فهذا فيه خطأ على هذا الشاب، وخطأ أيضاً على بقية الشباب في إضاعة هذه المهمة وجَعلها في يد من لا يحسنها.
15 – اتهام مَن تربيهم بعدم النضج: ويستمر هذا الاتهام طويلاً، فلا تسند لهم أي مهمة، وتقول: أريد أن ينضجوا، لا يا أخي، التوازن مطلوب، لا تكلف شخصاً قبل أن ينضج، وعوِّد مَن ينضج على القيادة.
16 – عدم مراعاة المرحلة التي يمرٌّ بها المدعو، وهذا يؤدي بدوره إلى أننا إما أن نجلسه في المرحلة التي نعتقد أنه بها، وربما أنه قد تجاوزها، أو يجعلنا نقفز به قفزات قد تكون محطمة لاعتقادنا أنه أهل للمرحلة الجديدة، وربما يكون لم يصلها.
17 – عدم مراعاة الظروف الاجتماعية للشاب المدعو: قد يكون للشاب ظروف لم يصرح بها للمربي كأن يكون فقيراً أو من بيت فقير، أو يكون هناك شِجار ومشكلات دائمة بين أبيه وأمه، أو يكون أبوه طلّق أمه، أو أن هذا الشاب يعاني من الفراغ الكثير، أو يكون أبوه يحتاجه كثيراً بحيث يكون معه دائماً، أو غيرها من الظروف، ومع ذلك يغفل المربي عنها وهذا خطأ.
18 – قطع العلاقة مع والد المدعو وحصرها في المدعو فقط، أو قُل: عدم التعرف على والد المدعو أو أخيه الأكبر.
إذا تعرفت على والد المدعو أو أخيه الأكبر بعثت الاطمئنان في نفس هذا الأب، إذ إنه عرف مع من يمشي ولده فيطمئن لذلك، كما أن التعرف على ظروف المدعو الاجتماعية، وربما قال لك والده: ما الذي يعاني منه هذا الشاب، وما أعماله في البيت، أو ما أخطاؤه ليمكن معالجتها.
أما أن الشباب يأخذون هذا الشاب من بيته، ويتحاشون أحياناً التعرف على والده فهذا خطأ.
19 – عدم مراعاة العادات والتقاليد التي لم يحرمها الشارع، فكيف بالتي يأمر بها؟!
20 – قصر الشباب على المكتبة بحيث لا يعمل إلا من خلال المكتبة.
21 – اعتماد المربي على بعض الشباب وإهمال الآخرين تماماً.
22 – من الأخطاء: عدم فتح فرصة للأشخاص الذين معه للانفراد، بل يريدهم معه طوال الوقت.
23 – عدم الاعتماد على بعض الشباب في تجهيز بعض الأعمال أو إعداد الدروس أو البرامج الثقافية، بحجة أنهم لا يستطيعون، ويستمر عدم الثقة فيهم وقتاً طويلاً، وهذا خطأ، فلا بد أن نربيهم على تحمل المسؤولية حتى ولو وقعوا في الخطأ، وماذا في ذلك؟! يخطئ مرة أو مرتين ثم يصيب - إن شاء الله-.
24 – من الأخطاء أن تشعر الشباب أن الأعمال التي أوكلتها إليهم ليست ذات فائدة، كأن تطلب منهم مثلاً تحضير جدول للشباب ثم تحضره أنت وتفرضه عليهم.
25 – إشعار الفرد من الشباب أنه لا يتقن إلا هذا العمل ولا يتقن غيره.
26 – ربط الشباب بشخص معين، كان يربطهم المربي بنائبه بحيث لو غاب هذا الشخص لم يستطيعوا أن يتصرفوا بشيء.
27 – من الأخطاء: عدم التخطيط والتنظيم، فتلاحظ أن هناك ارتجالية في هذا الأمر، بل أحياناً قد لا يكون لهم أهداف يسعون للوصول إليها، ووضع الأهداف التي يراد تحقيقها مهمٌ لإنجاح العمل.
28 – من الأخطاء أيضاً: أن يكون هناك أهداف يسعى للوصول إليها ولكنها غير واقعية، كأن يكون مثلاً من الأهداف حفظ القرآن الكريم بكامله في ستة أشهر لجميع الشباب، أو يراد إصلاح الحي بكامله في سنة واحدة.
29 – التعسف في استخدام الحق، فتجد المربي يصدر أوامره، وويل لمن يعصيه، ويل له ليس بالضرب ولكن بالتوبيخ والسخرية وغيرها من الأساليب المغطاة بغطاء النصح والإرشاد.
30 – أنه يريد من الشباب التسليم له دون مناقشة.
31 – أن المربي لا يستشير.
32 – زرع القناعات المسبقة في أفراد المحضن التربوي، وبالتالي لا يتكون تفكيرهم وآراؤهم إلا من خلال تفكير المربي فقط، فكأنه وضع لهم إطاراً يجب ألا يتجاوزوه.
33 – المجاملة لبعض الأشخاص وعدم مصارحتهم لتقصيرهم.
34 – المركزية في العمل: أي أن المربي يريد أن يعمل كل شيء بنفسه ولا يتعلق بالآخرين مما يؤدي إلى تراكم الأعمال عليه، وهذا خطأ، وفيه إضاعة للوقت وعدم تربية الآخرين على تحمل المسؤولية.
35 – الاتكالية: فبعض المربين يوعز إلى نائبه بأن يعمل كل شيء، ويكون هو بعيداً عن الوضع، وهذا فيه خطأ.
36 – ازدواجية التوجيه، بحيث يكون للمكتبة أو المحضن التربوي أكثر من شخص يتلقى منه الأفراد التوجيه، وهذا خطأ إذ إنه يوقع المدعو في حيرة من أمره.
37 – التربية على العزلة والانفراد وعدم المشاركة في النشاطات العامة.
38 – الإفراط في الخلطة، وهذا عكس السابق، والمطلوب هو التوازن.
39 - الاهتمام بالكثرة على حساب التقصير، فيهمه أن يكون العدد كثيراً، ولا يهمه أن يكون هؤلاء الأشخاص على مستوى جيد من الالتزام.
40 – عدم التربية على النقد الهادف البنّاء وتبيينه لهم.
41 - التربية على نقد كل شيء سواء كان نقداً بنّاء أم لا.
42 – التثبيط عن العمل.
43 – إغفال مبدأ الثواب والعقاب، إذ إنه من وسائل التربية، وإغفاله خطأ في التربية.
44 – التفاعل الوقتي مع الأحداث، فنكون كسعفة النخلة تشتعل ناراً ولكن لمدة مؤقتة ثم سرعان ما تنطفئ.
45 – إطلاع المدعو على سوء التفاهم بين الدعاة.
46 - جَعل الدعوة حكراً على نوع معين، ويربي الشباب على ذلك، فبعض المربين يجيد نوعاً من أنواع الدعوة، كأن يكون مثلاً يحب توزيع الأشرطة والكتيبات على الناس، فيربي الشباب على أن الدعوة هي هكذا فقط، فمن لم يقم بهذا لم يقم بالدعوة، وهذا خطأ.
47 – قلة الدروس التربوية.
48 – الاستعجال: يريد المربي من المدعو أن يكون في أعلى القمة في يوم وليلة، وهذا خطأ، فلا بد من الصبر والتحمل، والطريق طويل.
49 – الظهور بمظهر الفكاهي بحجة جذب الشباب، وترك الجدية في الالتزام لهذه الحجة خطأ، والمطلوب التوازن، وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة.
51 – عدم التشجيع على التفوق الدراسي.
52 – الغفلة عن التربية الذاتية: فينبغي على المربي أن يحث الأفراد على أن يربوا أنفسهم إذ لا يمكنهم الاستفادة من البرامج المقدمة لهم إن لم يكن ذلك منهم.
53 – ضعف المتابعة.
ثم انتقل المؤلف – وفقه الله – إلى ذِكر جملة من أسباب الوقوع في الأخطاء، وذلك لكي يتجنبها العاملون في حقل التربية الميدانية، فمن ذلك:
1 – تولي غير المؤهلين عملية التربية:
عندما يتولى غير المؤهلين عملية التربية تنتج الأخطاء وتكثر، حتى إنه أحياناً ربما أدت هذه الأخطاء إلى عكس المراد، وهذا أمر خطير ينبغي التنبه إليه.
2 – عدم الفهم الصحيح لكيفية التربية:
التربية لها مناهج، ولها أساليب ووسائل، يحتاج إلى معرفتها المربي، فإذا كان المربي لا يعرف استخدام الأسلوب المناسب، ولا يعرف استخدام الأسلوب المناسب، ولا يعرف كيف يعالج أخطاء المتربينº فإنه من الطبيعي أن يقترف الأخطاء.
3 – عدم وجود النقد البنّاء.
4 – عدم الاستشارة.
5 – تفسير النقد البنّاء والتصحيح الموجه إليه على أنه وجهة نظر للناقد لا يلزم الأخذ بها.
6 – التبرير لأخطائه بأن هذا أفضل الممكن، وأنه إنما أخطأº لأن هذا الخطأ هو الأصلح لهؤلاء المتربين في هذا الوقت أو هذه المرحلة.
7 – تولي عملية التربية أناس تربوا على أخطاء سابقة من مربيهم، فهو يمارس الخطأ السابق الذي مُورس عليه، أو قد يكون لم يترب أصلاً، ولذا فهو لا يحسن عملية التربية.
ثم ختم المؤلف كتابه الممتع ببيان صفات مطلوبة في المربي نذكرها إجمالاً:
1– الإخلاص.
2- القدوة الحسنة.
3- الصبر وسعة الصدر.
4- رجاحة العقل وسداد الرأي.
5- العدل.
6- الوعي بطرق التربية الصحيحة وما يتعلق بها.
7- محاولة الاطلاع على تجارب الآخرين من المربين.
وختاماً: بعد عرضنا لهذا الكتاب (أخطاؤنا في التربية) فإنه حري بكل من يمارس الدعوة والتربية في المحاضن التربوية والتعامل مع الشباب أن يقتني هذا الكتاب فيقرأه ويتأمله ويفيد منه ويستفيد.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد