بسم الله الرحمن الرحيم
للتربية شروط كثيرة يختلف العلماء، والدعاة عليها، نقتطف من كلماتهم، ومواقفهم أهم تلك الشروط، وهي:
1 الانتباه لخطورة النفس:
فالنفس أمارة بالسوء في أصلها، والسوء كلمة عامة، تشمل كل ما يغضب الرحمن، وما نهى عنه، فلذلك كانت أول شروط التربية هذا الانتباه، والحذر لخطورة هذه النفس، التي بين جوانحنا، وعدم التراخي في هذا الانتباه.
وفائدة هذا الانتباه، والحذر منه، أنه يقلل الوقوع بما لا يريد المولى - عز وجل - من السوء، و إنما يقع الزلل بسبب غفلة عن خطورة هذه النفس،هذا ما استوعبه أحد الحكماء، فقال لمن بعده: \" من توهم أن له ولياً أولى من الله، قلت: معرفته بالله، ومن توهم أن له عدواً أعدى من نفسه قلت معرفته، بنفسه \"، فيكون على استعداد دائم لأعدائه من البشر، و ما خلق الله من شرار الدواب، وينسى الاستعداد، والانتباه لأقرب أعدائه إليه.
2 استرداد دولة العقل:
إن الذي يميز آدم على باقي المخلوقات، ما حباه الله من العقل الذي يميز فيه بين الضار، والنافع فعندما يعطل عقله، يفقد التمييز بين ما يضره، وما ينفعه، ويكون عرضة للتحكم فيه من شرار ما خلق الله - تعالى - و لو حكم الناس عقولهم فيما يعرض عليهم من الأمور، لما أقدم أحد منهم على معصية، ولكنهم يحكمون أهواءهم، ويجمدون عقولهم، فيقعون بالمحذور، ولمثل هؤلاء يقول الإمام ابن القيم:: \" لو خرج عقلك من سلطان هواك، عادت الدولة له \"، وكأن هناك غزواً قد تم على مملكة العقل من نومته، ولم يرض بذل الأسر، فتمرد، وقام بانقلاب على الهوى، استعاد به هيمنته على دولته المسلوبة، وأنه لا يمكن أن تنجح العملية التربوية، في قوم لا يحكمون عقولهم فيما يعرض عليهم من فتن الدنيا.
3 شد الرحال إلى القلوب:
وعندما يجد القلب خطورة النفس، ويلتفت إلى عدوه القريب، لا بد أن يدرك أن هذه النفس لا يمكن أن ينجح معها علاج، دونما الالتفات إلى المضغة التي \" إذا صلحت، صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب \" كما صح في الحديث الشريف، فيشد الرحال له ليبدأ عملية الإصلاح، والتنقية.
يقول محمد بن الفضل البلخي \" العجب ممن يقطع الأودية، و المفاوز، والقفار، ليصل إلى بيته وحرمه، لأن فيه آثار أنبيائه، كيف لا يقطع نفسه، وهواه، حتى يصل إلى قلبه، لأن فيه آثار مولاه \".
4 التنقية الكاملة:
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - \" لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً، حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعراً \". \" فبين أن الجوف يمتلئ بالشعر، فكذلك يمتلئ بالشبه في الشكوك، والخيالات والتقديرات التي لا وجود لها، والعلوم التي لا تنفع، والمفاكهات، والمضحكات والحكايات ونحوها.
وإذا امتلأ القلب بذلك، جاءته حقائق القرآن، و العلم الذي به كماله، وسعادته، فلم تجد فيه فراغاً لها، و لا قبولاً، فتعدته، وجاوزته إلى محل سواه، كما إذا بذلت النصيحة لقلب ملآن من ضدها، لا منفذ لها فيه، فإنه لا يقبلها، ولا تلج فيه، لكن تمر مجتازة، لا مستوطنة، و لذلك قيل:
نزه فؤادك من سوانا تلقنا فجنابنا حل لكل منزه
وحتى يظهر فعل العملية التربوية، لا بد من تطهير لهذه المضغة، لكل ما يخالف كلمات الوحي فإن هذه الكلمات لا تقبل الخلطة، والذوبان بما يعارضها من الكلمات، وغيرها، وهي ليست كسواها من الكلمات، فإنها لا ترضى الاستقرار إلا في مكان طاهر، يليق بقدسيتها، وعملية التنقية هذه عملية شاقة، قد تأخذ أمداً طويلاً من عمر الإنسان، وهي بذاتها \" المجاهدة \"، أو \"التزكية \"، و التي يعقبها الفلاح بإذن الله - تعالى - ذلك لأن هذه العملية لا تتم بحركة ميكانيكية كإخراج شيء ما من وعاء، وإدخال شيء مكانه، بل هي معارك مع النفس، والهوى والشيطان و زينة الدنيا، وجميع جوا ذب الأرض، و جنود إبليس، وفي كل عملية تنقية و إحلال، تحدث معارك مع هؤلاء الأعداء، ومجاهدة، و على مقدار الهمم،والعزيمة، و الثبات، يتم النصر وتنجح عملية التنقية، و إلا فالهزيمة المؤكدة، التي يعقبها سيطرة الغزاة على القلب، فيمتد الران، ليغطي سائر القلب، فتعمى البصيرة، و تضطرب الموازين، فلا يعرف صاحب ذلك القلب معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه.
وعملية التنقية هذه لا تنجح، حتى لا يبقى شيء في هذا القلب لغير الله، لأن كلمات الوحي لا ترضى بمجاورة كلمات الباطل، وفي هذا يقول الإمام عبد الله بن المبارك: \" لو أن رجلاً اتقى مئة شيء، و لم يتق شيئاً واحداً، لم يكن من المتقين، ولم تورع عن مئة شيء، ولم يتورع عن شيء واحد، لم يكن ورعاً، ومن كان فيه خلة من الجهل، كان من الجاهلين، أما سمعت الله - تعالى - قال لنوح - عليه السلام - ، لما قال {إن ابني من أهلي}، فقال الله - تعالى - لا: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين}.
5 الاستقامة و الثبات على الجادة:
و عملية التنقية للقلب لا بد أن تستمر، ولا تتوقف، حتى يتم تنظيف كامل للقلب، فإن التوقف و الفتور يعطي فرصة للعدو القريب المتربص وهو النفس بالانقضاض، وتسديد سهام الهوى و الذي يعقبه الأسر، والمهانة والذل.
و لقد مدح الله - تعالى - المستقيمين بقوله: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون}.
و قد أمر الله - تعالى - نبيه بالاستقامة على الجادة، لتنجح عملية التنقية، فقال: {فاستقم كما أمرت و من تاب معك و لا تطغوا إنه بما تعملون بصير}.
و هكذا طبقها الصحابة - رضي الله عنهم - وفهموها، يقول أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -: \" الاستقامة أن تستقيم على الأمر، والنهي، و لا تروغ روغان الثعلب \".
6 الحذر من خاتمة الطريق:
و تذكر الخاتمة، والحذر من خاتمة السوء، ضروري في العملية التربوية، ليكون بمثابة الحافز المحرك نحو عملية التنقية الدائمة، ولاستقامة، والثبات على الجادة، فكلما تذكر الخاتمة، خاف فوات الوقت، وبادر بالتنقية، حتى لا تدركه الخاتمة، وهو ما يزال يعاني من بقايا من الأدران لم ينتشلها بعد.
\" لحظات الخاتمة هي التي أقضت مضاجع القوم، فحرمتهم النوم الهانئ، والعيش الهادئ و لم يغتروا بعبادتهم مع كثرتها، و لا بصلواتهم مع خشوعها، ولا كثرة ما أهلكوا من أموالهم في سبيل الله، ولا كثرة صيامهم في الهواجر، وقيامهم بالثلث الأخير من الليل، وهم يسمعون قول نبيهم - صلى الله عليه وسلم -: \" إنما الأعمال بالنيات بخواتيمها \"، فيزيدهم ذلك خوف من الله \".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد