حوار تربوي مع الأستاذ الدكتور ناصر العمر 2 / 2


 

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ: تتميز حياة الشباب بالحماس والحيوية والإيجابية، كيف يمكن للشاب استثمارها بصورة إيجابية نحو البناء التربوي لأمته؟ وما دور العلماء في توجيهها نحو ذلك؟

 

نعم أوافقك يا أخي الكريم على أن حياة الشباب تتميز بالحيوية والحماس والإيجابية، ولذلك يمكن استثمارها في وضع برنامج تحصيلي مكثف عملي وتربوي ودراسي، أن نستثمر الشباب هذه المدة الحساسة في حياته، بأن يستثمر كل دقيقة فيها الاستثمار الأمثل، ولن يستطيع أن يفعل ذلك بمعزل عن أبيه وعن المربين والموجهين وعن العلماءº لأن خبرة الشاب قليلة جداً فقد يسلك طريقاً يضع من عمره فيه سنوات يكتشف في النهاية أنه قد سلك الطريق الخطأ، وقد لا يدرك الشاب قيمة هذه الدقائق والساعات في العمر، فيضعها في غير مجالها، خذ مثلاً نفس الطاقة الإيجابية والحماس موجودة لدى كل شاب، هناك من يضيعها في الكرة وقد قرأت مقابلة لأحد اللاعبين وقد أمضى سنوات طويلة من عمره، وأجريت معه مقابلة بعد أن تجاوز الخمسين فكان في كلامه الندم والحسرة على ما ضيع من عمره ما استفاد قرابة ثلاثين سنة وهو يلعب الكرة ويلاحق الكرة، ماذا استفاد من أمر دينه ودنياه - عفا الله عنا وعنه - فكان يتكلم في تلك المقابلة ولا زلت أذكرها بحماس وتأثر وانفعال وآمل أن يكون ذلك نوعاً من التوبة وأن يغفر له، وبخاصة أن هذا الرجل يبدو لي كما بلغني أنه توفي - رحمه الله - فتأثره وحزنه على ما ضيع من عمره في ملاحقة الكرة، بينما أذكر أنه عندما كان يلعب في الأندية الكبار كان يعد نموذجاً للشباب وقدوة لكثير من الشباب، وماذا حصل في حياته يلاحق كرة، فكل طاقته وحيويته وشبابه ضيعه في ملاحقة كرة مع ما يصاحب ذلك من بلاء ولو اقتصر الأمر على ملاحقة الكرة ربما لهان الأمرº لأنه يصاحب تضييع الوقت في الأندية وغيرها منكرات وبلاء وخاصة في السفر إلى الخارج واللعب مع المنتخبات العالمية وما يحدث من منكرات في تلك الفنادق والدول والله المستعان، إذن الطاقة موجودة لدى كل شاب إن لم يستثمرها بالخير فإنه سيستثمرها في الشر ولا شك، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح عندما قال: \"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه\" لاحظوا أنه خص الشباب بسؤال على أنه داخل في السؤال الأول \"عن عمره فيما أفناه\" أي: سيسأل الإنسان عن عمره منذ تكليفه حتى وفاته، ومع ذلك قال: \"وعن شبابه فيما أبلاه\"º لأن مرحلة الشباب مرحلة استثنائية مهمة للغاية إن لم توجه وتستثمر الاستثمار الأمثل كانت وبالاً على صاحبها، فإنني أدعو الشباب أن يستثمروا هذا الحماس وهذه الانفعالية في حياتهم التي لا تعود الاستثمار الأمثل ولن يتمكن من ذلك إلا بالرجوع إلى من هو أعلم منهم وسبقهم بالخبرة والتجربة وأن يقرؤوا سير السابقين، سير السلف كيف كانوا في طلب العلم كيف كانوا يستثمرون هذه اللحظات في حياتهم هذا جانب قراءة سير المصلحين والدعاة وكبار العلماء لحفز الشاب إلى أن يزداد حماساً وقوة وتوجهاً نحو الأكمل والأمثل ومسؤولية المربين مسؤولية العلماء مسؤولية الآباء مسؤولية كبرى في توجيه الشباب التوجيه الصحيحºلأن الشباب كما بينت أنه قد يقع في الخطأ والخلل لقلة علمه في هذا المجال، فمسؤولية هؤلاء ممن سبقه علماً وتجربة وخبرة أن يدلوه على مكامن الخطأ والصواب أن يسددوا مسيرته أن يجعلوا الشاب أيضاً فيم يناسبه، وهنا ملاحظة أن بعض الشباب قد يتوجه التوجه السليم الطيب الخير ولكنه يخطئ فيما يناسب إمكانياته، فالبعض ما إن تمضي عليه سنوات إلا ويرجع مثلاً نجد شاب من الشباب يتخرج من الثانوية ويندفع ويدخل كلية الهندسة أو الطب أو الزراعة وبعد مرور أربع، خمس سنوات أو ثلاث سنوات يرجع مرة أخرى في دراسة العلم الشرعي، كم ضيع من عمره بل قد رأيت من تخرج من الكليات تخرج ثم انسحب ولم يستفد ولم يفد الأمة حتى من علمه المادي الذي تعلم من الزراعة والطب والهندسة، وبدأ يدرس العلم الشرعي كم أضاع على نفسه وعلى أمته خمس سنوات أو ست سنوات مشكلة، كذلك في بعض البرامج الدعوية يخطئ الشباب ويختار طريقاً غير مناسب ولا يرجع إلى من هو أعلم منه من أجل أن يسدده ويكتشف مواهبه وقد يكتشف مواهبه بعد سنتين أو ثلاث أو أربع وهنا يقع في مشكلة إن رجع إلى تصحيح المسيرة فيكون أضاع من عمره سنوات، وإن استمر في هذا الطريق أيضاً أضاع من عمره سنوات، فالأمة بحاجة إلى كل لحظة وإلى كل دقيقة، والشاب إلى كل لحظة وإلى كل ثانية وإلى كل دقيقة وإلى كل ساعة من عمره، فعلينا أن نسدد ونقارب، وأن نرجع إلى علمائنا ومشايخنا ومربينا ومن سبقنا علماً وتجربة من أجل أن نستفيد، ومن أجل أن نسدد الخطأ، وأن نستثمر هذا الحماس في إيجابية فاعلة ضمن منهج قوي، وأخيراً أكرر أن قراءة سير الصالحين، القادة، سير المربين من أقوى ما يساعد الشاب على التوجه الصحيح واستثمار وقته الاستثمار الأمثلº لأن الكلام النظري لا يؤثر كما تؤثر البرامج العلمية العملية، والله أعلم.

 

فضيلة الشيخ: هل المحاضن التربوية كافية في استيعاب طاقات الشباب؟ وكيف يمكن تطويرها لتحقيق ذلك؟ وما دور الشباب في المساهمة في تطويرها؟

 

بالنسبة للمحاضن التربوية ليست كافية في استيعاب طاقات الشباب، بل حسب ما أرى أن هذه تمثل ولا نسبة(5%) من الحاجة الماسة لاستيعاب طاقات الشباب، المحاضن التربوية الموجودة الآن قليلة بالنسبة للعدد الهائل من الشباب الذين يحتاجون إلى استيعاب، أما كيف يكون تطويرها؟

فهذه المسألة آمل أن أوفق في إيضاحها بإيجاز، مشكلتنا أننا نتصور أنه لا يمكن أن نربي الشباب إلا من خلال مراكز تكون سمتها شرعية يعني عند الشباب يقولون: دينية - وأنا لا أحب هذا الاسم - ولكن أقول شرعية هذا الوصف مع إيجابيته لكن مع كل أسف يجعلنا نفقد كثيراً من الشباب بسبب نشأة تربوية نشؤوا عليها بسبب آبائهم، فمن الحكمة أن نوجد محاضن تربوية لا يبدو على ظاهرها صبغة أنها شرعية، مع أنها تمارس الجانب الشرعي بتميز، أعطي مثالاً تقريبياً: كليات الهندسة في الثلاثين سنة الماضية تميزت بإقبال كبير من الشباب الأخيار من الصالحين، بل أصبحت محاضن من أهم المحاضن التربوية لكثير من الشباب مع أنها هندسة، بل إن الجوانب التربوية في بعض كليات الهندسة، أو كليات العلوم أو كليات الطب تفوقت على بعض الكليات الشرعية، لا أقول على كل الكليات كلا وحاشا، لكن على بعض الكليات الشرعية في هذه الجوانب، هناك كليات شرعية ومع ذلك لا نجد فيها في النشاط التربوي الإيجابي عدا التعليم الشرعي، ولا شك هذا مهم، لكن لا نجد فيها محاضن تربوية كما هو موجود في بعض الكليات، هذا يدعونا إلى أن بعض المحاضن التربوية لا يلزم أن تكون الصبغة الظاهرة شرعية، مثال: ممكن أن توجد منتديات رياضية، لا أقصد كالأندية الرياضية التي تمارس كثيراً من الأخطاء والمحرمات، وإنما أقصد تكون محاضن لبعض الشباب الذين يهوون هذا الجانب.

 

كثرة الكلام وقلة العمل من المشكلات الموجودة من الشباب، يجتمعون في الاستراحات والمقاهي والرحلات وتجد الإنتاج قليلاً، العلم قليل، والكلام كثير، والخوض في موضوعات لا غنى عنها.

 

مثلاً المقاهي التي الآن ينصرف إليها كثير من الشباب وهي مرتع خصب لإفساد الشباب يمكن أن توجد مقاهي بديلة، يوجد مقاهي للإنترنت للصالحين والأخيار، وعلى الأقل إبعاد الناس عن الفساد، فأعتقد أن هناك محاضن تربوية كثيرة لا يلزم منها أن تكون بالضرورة مراكز صيفية، أو مكتبة مسجد،، أو حلقة لتحفيظ القرآن، هذه لا شك محاضن تربوية رائدة ورائعة ومهمة ولا غنية عنها، بل هي الأساس في تخريج الشباب الصالحين، كذلك الكليات الشرعية هي الأساس في تخريج الأخيار والصالحين وتعليم العلم الشرعي، ولكن ممكن أن توجد محاضن بديلة تزيل الوحشة التي قد تقع في نفوس بعض الشباب ليس لديهم استعداد للانضمام إلى مكتبة المسجد أو إلى الجمعية الخيرية أو إلى المركز الصيفي، ممكن أن ينضموا إلى مراكز يتولاها الأخيار ويشرف عليها الأخيار ويربى فيها شبابنا ولو كانت تمارس كثيراً من الأمور المباحة كالسباحة أو بعض أنواع الرياضة أو غير ذلك، والمخيمات والمعسكرات وغيرها وإبعادهم عن المحرمات.

 

الشباب لا شك أن لهم أثراً كبيراً في تطوير هذه المحاضنº لأنهم هم الذين يمارسونها ولأن الشاب يتدفق حيوية وتفكيراً، المهم أن نفتح أمام الشاب مجال التطوير ومجال الإبداع.

من الأخطاء التربوية التي نحن واقعون فيها أننا نربي أبناءنا وشبابنا على التقليد وهذا خطأ كبير، ولذلك نجد أن الإبداع والعمق في التفكير محدود في برامجنا مع شبابنا، بل يجب أن نوجه الشاب توجيهاً سليماً. أذكر مثالاً: يحدثنا أحد الإخوة في بلاد البلقان يقول ونحن نتدرب أيام الحكم الشرعي في سيطرته على بلاد البلقان، يقول: كانوا يأتون أثناء التدريب الإجباري ويضعون الشاب وهو في مرحلة التجنيد قريباً من العدو ولا يعطونه أي سلاح، ويقولون: تصرف التصرف المناسب فيفكر الشاب تفكيراً جاداً حتى يبحث عن مخرج من الورطة التي هو فيها، فهم إذن يستطيعون أن يضعونه في جو يشغله ويشعل فيه كل الطاقات، التفكير والإبداع حتى يجد الحل المناسب لهذا الأمر، ما أحوجنا فعلاً إلى أن نقول لشبابنا لأبنائنا: هيا فكروا.. طوروا.. أبدعوا، لماذا المراكز الصيفية لا تزال على الوتيرة التي نعرفها قبل ثلاثين سنة؟ لماذا بعض مكتبات المساجد لا تزال على الوتيرة المعروفة قبل عشرين سنة؟ لماذا المحاضن التربوية بالجملة هي لا تزال المحاضن المعروفة قبل عشرين أو ثلاثين سنة؟ أين الإبداع؟ أين التجديد؟ أين التطوير؟ أين التفكير؟

 

الشباب طاقة هائلة ممكن أن يقودوا الأمة إلى ميادين الرقي عندما يكونون قدوة ويكونون أسوة ويكونون أهلاً لذلك عندما يتصف بالحكمة والصبر والحلم، عندما يتعاملون مع آبائهم والأجيال التي سبقتهم تعاملاً حضارياً وتربوياً وإيمانيا،ً عندما يضعوا أيديهم في أيدي العلماء والمشايخ وطلاب العلم.

 

نعم الشباب تحت توجيه مشايخهم ومربيهم يمكن أن يصلوا إلى قضايا - بإذن الله - تكون في العمق والبعد والتفكير إذا وفقنا نحن في توجيههم الوجهة السليمة، وكما أننا نشغل عضلاتهم وأيديهم وأرجلهم وألسنتهم يجب أن نشغل فيهم طاقة التفكير والإبداع والاهتمام من أجل أن يبدعوا ويفكروا ويطوروا، وهم أهل لذلك - بإذن الله -.

الجوانب التي أتمنى من الشباب العناية بها في ظل التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة كثيرة جداً، من أجلها: العزة الاعتزاز بدينهم وانتمائهم، منها: أيضاً أن يؤهلوا أنفسهم بالوقوف أمام عدوهم الشرس أمام اليهود والنصارى، أن يعدوا أنفسهم الإعداد التربوي الإيماني العلمي، الجهادي ويسمح لي الشباب أن أبين ملخصاً هنا.

 

أجد من الشباب اندفاعاً شديداً نحو الجهاد وهو قتل الأعداء، ولا شك أن هذا هو أعظم أنواع الجهاد، ولكن أقول لهم: بسبب هذا الحماس والاندفاع يقع الخطأ أحياناً بأن يوجه في غير مجاله الصحيح، وقد يستعجل الشاب قبل أن يتهيأ لهذه المرحلة المهمة الحاسمة في حياته، لماذا؟ الإعداد التربوي الإيماني العلمي يحتاج سنوات _كما بينت_ خلال هذه المقابلة. أمام الإعداد الجهادي في مقاتلة الأعداء لا يحتاج إلى شهور من أجل أن يتدرب الإنسان على كيف يواجه أعداءه، المشكلة أن الشباب يتوجهون أو يهملون الجوانب العلمية والإيمانية والتربوية الإعداد الأساس، يهملون هذا الجانب ويبادرون إلى ذاك الجانب مع أهميته ومع فضله ومع مكانته ومنزلته.

 

لكن استعجالهم في التدرب على السلاح وغيره قد يدفعهم إلى أن يستخدموا السلاح في غير موضعه كما حدث في كثير من البلاد الإسلامية لما تدرب الشباب وتعلموا السلاح تعجلوا فوضعوا الأمر في غير منصبه ومكانه.

إذن العناية في الإعداد العلمي الإيماني التربوي مهم للغاية مع عدم إغفال الإعداد الجهادي، ولكن ضمن الضوابط التي أشرت إليها، وألا ينفرد الشاب عن مشايخه وعلمائه من أجل أن يوجهوه الوجهة الصحيحة، كذلك أن يعدوا أنفسهم لمواجهة التحديات في جميع أمور الدنيا، بحاجة نحن إلى مهندسين، إلى أطباء، إلى متخصصين في الفيزياء، متخصصين في القضايا العلمية التي تحتاجها الأمة، لا يمكن أن تتخصص الناس جميعاً في العلوم الشرعية _كما بينت_ \"فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ, مِنهُم طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذَا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ\" (التوبة: من الآية122) هناك جوانب كثيرة \"لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضاً سُخرِيّاً\" (الزخرف: من الآية32) أي: في أمور الحياة الدنيا، فالأمة تحتاج إلى الأطباء إلى المهندسين إلى العلماء في كل مجالات الحياة، أيضاً أن يتوجه الشباب ليسدوا هذه الثغرات التي دخل علينا الأعداء منها بحجة حاجتنا إليهم، لماذا يأتي الأمريكان إلى بلادنا؟ نقول: لحاجتنا إليهم من أجل تدريب الأمة، لماذا كذا؟... إلخ.

 

ولذلك فأنا أتعجب من أن الشباب يشكون من العطالة ومن البطالة، ويقولون: نحن لا نجد عملاً، بينما في بلادنا من الكفار بالملايين - مع كل أسف - يعملون في بلادنا من الأمريكان من الغربيين من الفلبينيين من غيرهم من الكفار، أما المسلمون فأهلاً وسهلاً وحياهم الله فالبلاد بلادهم ولا نمن على مسلم بل نفرح بوجود أي مسلم بيننا، ولكن الكفار في جزيرة العرب التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراج اليهود والنصارى منها، ومع ذلك نجد من النصارى بحجة حاجتنا إليهم حتى في الأعمال المنزلية البسيطة، لماذا لا يتوجه شبابنا إلى سد هذه الثغرات من أجل أن يغلقوا هذا الباب، والقضية ليست فقط مجرد أن نكسب مصدر الرزق بل هو يكسب مصدر الرزق، وألا يكون عالة على غيره وعالة على أبيه، وألا يشكو من البطالةº لأن البطالة وعدم العمل يورث الفراغ ويحدث خللاً كبيراً في حياة الشاب، ويحدث أمراضاً نفسية وانعكاسات نفسية خطيرة في حياة الشاب قد لا ينتبه لها البعض، والعكس نفسه إذا عملوا، كما أنها تسد لديهم ثغرات نفسية وتثبت لهم أنهم أهل للمسؤولية، في الوقت نفسه هم أيضاً يحمون الأمة من دخول هؤلاء الكفار لبلاد المسلمين، فأقول: نجد حماساً من الشباب لمقابلة الكفار ولإخراجهم من جزيرة العرب، أقول: لماذا لا تسعون من أجل أن تسدوا الحاجة التي جاؤوا من أجلها حتى تخرجهم بطريقة عملية.

 

أما الطريق الذي يسلكه البعض من أجل إخراج النصارى من جزيرة العرب بالقتال قد لا يتحقق لهم ذلك، وتحدث الفتن والمشكلات التي نحن في غنىً عنها، آمل أن نتحول دائماً إلى الجانب الإيجابي العملي، فالشباب أمامهم أمور كثيرة بحاجة إلى أن يعتنى بها من أجل إعداد أنفسهم وإعداد أمتهم، وأن يتحملوا المسؤولية من بعد آبائهم والأجيال اللاحقة.

آمل أن يكون الشباب من التآلف ووحدة الكلمة وصفاء القلوب والبعد عن الافتراق والاختلاف وبخاصة مع العلماء.

آمل أن يضعوا أيديهم بأيدي علمائهم ومشايخهم ومربيهم.

آمل أن تتحد قلوب الشباب، وأن يبتعدوا عن التفرق \"وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا\" (آل عمران: من الآية103).

 

*هذه مأساة من المشكلات الموجودة عند الشباب.

كثرة الكلام وقلة العمل من المشكلات الموجودة من الشباب، يجتمعون في الاستراحات والمقاهي والرحلات وتجد الإنتاج قليلاً، العلم قليل، والكلام كثير، والخوض في موضوعات لا غنى عنها.

 

استخدام طاقة الشباب الهائلة جداً في أمور لا تفيد الأمة، ومضيعة للوقت في كثير من المجالات، حتى عند بعض الشباب الطيبين يضيعون ساعات من عمرهم أمام الإنترنت أو أمام مجالات لا تعود على أمتهم بالخير والنفع، كل هذه اهتمامات آمل أن يكون الاهتمام بقضية الأمة الكبرى بالرفع من منزلة الأمة ومكانتها الرائدة \"كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ\" (آل عمران: من الآية110) آمل أن يدخل الشباب ويسلكون في جميع المجالات الإيجابية في أمور الحياة العامة والخاصة، يتعاونون مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، هناك من يذهبون إلى طلب العلم ويتخصصون فيه، هناك من يساهم مع الجمعيات الخيرية ويتعاون معها، هناك من يسد مجالات الحياة العامة كلها.

 

بهذا نستطيع فعلاً أن نقضي على كثير من الأمراض، نقضي على الفراغ نقضي على البطالة، نقضي على وجود الكفار بيننا، نعيد الأمة إلى حيويتها، نشعر الشباب بمكانته ومنزلته الرائدة.

أيضاً عدم الاستجابة للأعداء، هذا مطلب آمل أن يعنى بالشباب، إن الشباب عندما يذهبون إلى المقاهي الفاسدة، عندما يستمعون إلى آلات اللهو والفضائيات، عندما يتجاوبون مع المطاعم التي تحقق نمواً اقتصادياً لأعدائنا، عندما يضيعون أعمارهم وأوقاتهم يستجيبون لعدوهم، هم يمكنون للاستعمار في بلادنا شاؤوا أم أبوا!

وعندما يرفضون هذا الجانب بقوتهم وشجاعتهم، وأن يعيدوا للأمة مكانتها ومنزلتها بإبائهم ووقوفهم سداً منيعاً ضد مخططات أعدائهم، بهذا – بإذن الله – يحققون الشيء الكثير، والله أعلم.

 

 

*بالنسبة للسؤال الأخير

ما دور الشباب في تسديد وتوجيه مسيرة الأمة تربوياً ودعوياً واجتماعياً؟

 

الشباب هم أمل الأمة، الشباب هم رجال الغد، وذكرت في أحد الأسئلة أن في بعض السلوكيات والعادات الاجتماعية في بعض القبائل لدينا أمكن والحمد لله تغييرها عن طريق بعض الفتيات وذكرت هذا في موضوع الحجاب، فعندما كانت هناك مناطق في المملكة لم يكن الحجاب، أي: غطاء الوجه موجوداً، عن طريق الفتيات – بإذن الله – استطاعت أن تعدل المسألة حتى أصبحت الأمهات والكبيرات احتجبن بعد ذلك، فكذلك الشباب يستطيعون – بإذن الله – أن يغيروا في كثير من واقع الأمة وهذا ما رأيناه ولسمناه، شبابنا _والحمد لله_ وجهوا الأمة وجهة كبيرة جداً، وهم شباب فكيف إذا كانوا في المستقبل هم القادة ولهم الريادة، وذهبت الأجيال التي سبقتهم، الشباب الآن في مكانتهم ووقوفهم أمام أعداء الله يوجهون الأمة.

 

خذوا مثالاً شباب فلسطين، قاموا بدور ضخم لم يستطع أن يقوم به من سبقهم في مواجهة اليهود، ولذلك لم يستطع اليهود ولا النصارى ولا أمريكا ولا أذناب العرب أن يحققوا أهدافهم في فلسطين.

من الذي وقف سداً منيعاً ضد ذلك؟ هم الشباب، بل هم الأطفال أحياناً من يسمون بأطفال الحجارة.

الشباب طاقة هائلة ممكن أن يقودوا الأمة إلى ميادين الرقي عندما يكونون قدوة ويكونون أسوة ويكونون أهلاً لذلك عندما يتصف بالحكمة والصبر والحلم، عندما يتعاملون مع آبائهم والأجيال التي سبقتهم تعاملاً حضارياً وتربوياً وإيمانيا،ً عندما يضعوا أيديهم في أيدي العلماء والمشايخ وطلاب العلم، وأن يبعدوا أي فجوة ويقضوا على أي فجوة ممكن أن تحدث بهذا، فعلاً يقودون الأمة إلى الميادين ويقودونها إلى السبيل الذي هي بحاجة إلى قيادة راشدة في هذه الأزمنة، لا نقلل من قيمة الشباب بل أقول: إن الشباب هم أمل المستقبل – بإذن الله – وهم الآن يمارسون دوراً حضارياً يستطيعون من خلاله أن يوجهوا الأمة، دخولهم للمجالات العلمية النافعة هذه قيادة للأمة، دخولهم أيضاً في الميادين التي يعود نفعها إلى المجتمع يكون ذلك سبباً في تغيير القرارات الاستراتيجية التي يمكن أن تتخذ، فحقيقة إنني أرى أن الشباب يملكون دوراً قيادياً ضخماً لو استثمروه حق الاستثمار، ولكن أرى هناك بعض الخلل، وأجد التنافس أحياناً في بعض الميادين تنافساً غير شريف، عليهم أن يعدوا أنفسهم لهذه المرحلة الحيوية والتاريخية من حياة الأمة، وأن يهيئووا أنفسهم للمرحلة القادمة – بإذن الله - ، وأن يكون الشباب عند حسن الظن بهم، وهم يملكون من مفاتيح القرارات الاستراتيجية في تاريخ الأمة ما لا يملكه كثير من الأجيال الأخرى والفئات الأخرى، هم مطالبون أن يكونوا أهلاً لذلك وعلى قدر المسؤولية، وعلى قدر التحمل، وفي الوقت نفسه أوجه وأذكر إخواني من طلاب العلم والمشايخ والدعاة والمربين إلى أن يعطوا الشباب العناية اللائقة بهم والمكانة والمنزلة التي هم أهل لها، وأن يكون التمازج وتوثيق الصلات والعرى بين الشباب وبين قياداتهم من العلماء ومن المسؤولين ومن طلاب العلم ومن الدعاة ومن المربين، أن يوثق الشباب علاقاتهم بآبائهم وبأمهاتهم وبمجتمعهم، أن يوثق الشباب علاقاتهم بأقاربهم وأرحامهم، وهذا بالمناسبة من الخلل الموجود، ألحظ ضعفاً من بعض الشباب في قوة علاقته بأهله، بأرحامه، بأقاربه، بأسرته، بعائلته، بل البعض هناك ضعف في علاقته بأبيه وأمه، بإخوانه وأشقائه، هذا خلل كبير جداً، على الشباب أن يتداركوا هذا الأمر، وبهذا – بإذن الله – يحققون مجداً لأمتهم ولأنفسهم في العاجل والآجل، بهذا يسيروا على الطريق الصحيح والمنهج الصحيح الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - \"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي\" التمسك بالكتاب والسنة وتحويل نصوص الكتاب والسنة إلى واقع عملي فعال حي، نرى ممارسته في واقعنا في بيوتنا في مساجدنا في مدارسنا في أسواقنا في شوارعنا في محلاتنا.

 

الشباب عليهم بعد الله أمل عريض جداً فليكونوا أهلاً لذلك، وهم كذلك من قبل المربين، وبالمناسبة أنا أدعو المربين والعلماء وطلاب العلم أن يعطوا الشباب الثقة اللائقة بهم، وأن يدعوهم إلى الإبداع والتفكير وتحمل المسؤوليات، فسيروا منهم – بإذن الله – ما يسرهم، وسيرون منهم عجباً في طريق مسيرتهم وحياتهم، هكذا والأمة التي لا تعنى بشبابها أمة فاشلة، الأمة التي لا تعنى بشبابها أمة خاسرة، وأعطي مثالاً عملياً يسيراً، قرأت في إحدى الصحف أنه في إحدى الدول التي سعت إلى التعقيم – أي: الاكتفاء بمولود واحد – كما في بعض دول شرق آسيا ساروا على هذا بحجة أن لديهم كثافة بشرية، فبدؤوا يعقمون الآباء والأمهات من أجل الاكتفاء بمولودين، ثم بعد ذلك قالوا: الاكتفاء بمولود واحد، بعد سنوات فإذا هم الآن يواجهون كارثة الآباء كبروا والجيل الجديد جيل قليل جدا،ً يوجد للأبوين بنت واحدة أو ابن واحد، أو أحياناً يموت قبل أن يبلغ وقد عقّم لا يستطيع الإنجاب، فبسبب قصور النظر في هذا الجانب كادت أن تحدث الآن كارثة تواجه تلك البلاد، كذلك عدم العناية بالشباب إماتتهم معنوياً، أولئك أماتوهم حسياً – أي: قضوا عليهم حسياً – فأخشى بالنسبة لنا أن نقضي عليهم معنوياً، ألا نعطيهم المكانة اللائقة فينحرفوا أو ينصرفوا عن مجالات الجد والعمل والإيجاب فتقع مصيبة تواجه الأمة، وبخاصة أنها مقبلة على جهاد ضخم مع أعدائها، جهاد قادم مع اليهود والنصارى والوثنيين، لا بد من إعداد الأمة إعداداً كاملاً وتهيئة الأمة وأخص شبابها التهيئة الكاملة، والإعداد الكامل من أجل مواجهة أعداء الله في كل الميادين، في ميادين الجهاد الحقيقية، في ميادين اللقاء، في الميادين العلمية، في الميادين التربوية، نحن بحاجة إلى أن تربى الأمة بكاملها إلى تربية جهادية، وأذكر وأنصح بقراءة كتاب - أخي الشيخ عبد العزيز الجليل – كتاب (التربية الجهادية) وهو كتاب جميل جداً وفتح آفاقاً عظيمة، أمتنا تحتاج إليها في هذا الوقت، وشبابنا بأمس الحاجة إليها من أجل أن تتوجه الأمة جميعاً إلى جهاد أعدائها كلٌ في مجاله القائد والمعلم والأمير والصغير والعالم والعامي والمرأة والرجل كلٌ في ميدانه يشعر أنه يجاهد أعداء الله.

 

الأم في مطبخها تشعر أنها عندما تسد هذه الثغرة في جهاد.

الرجل في مصنعه يشعر أنه في جهاد، القائد وهو يواجه أعداء الله، الشاب يواجه أعداء الله في جهاد، الأمة كلها في جهاد، بهذا نستطيع أن نواجه أعداءنا المواجهة الحقيقية في كل الميادين – بإذن الله – وبهذا ننتصر عليهم إذا التزمنا بالمنهج الصحيح بالمنهج الحق بالمنهج الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply