أين الخلل وما العمل ( 5 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

5 - التقييم السطحي للأحداث:

هذا خلل من نوع لآخر إنه السذاجة والبساطة في تقييم الأحداث التي جرت أو التي تجري دون القراءة المبصرة والواعية لهذه الأحداث مما يجعل الرؤية لدينا ضبابية وغير واضحة ويبنى على ذلك كثير من الاستراتيجيات المختلفة والتي تكون غالبا فاشلة بسبب هذا التقييم السطحي.

 

إن العقلية الإسلامية - على الرغم من كونها تحاسب الناس عل ظاهر الأمر وتكل السرائر إلى الله - إلا أنها كانت عقلية تنظر إلى الأحداث بعمق يستوعب الحدث بكل أبعاده منطلقا ومستقرا وأهدافا و وثمارا وكانت تحول هذه النظرة العميقة للأحداث إلى نظرة تستفيد منها خلا ل مراحلها القادمة.

ولقد علمنا القرآن الكريم أن تكون نظرتنا للأحداث الجارية والسابقة والتي سوف تأتي ذات نظرة عميقة وليست سطحية فعندما وصف القرآن الكريم الكلمة الطيبة بقوله - تعالى -: \" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء(24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون \" (25)إبراهيم

تكلم لنا عن عمق هذه الكلمة فتكلم عن:

1 - الأصل: \"أصلها ثابت\".

2 - الهدف: \"وفرعها في السماء\".

3 - النتائج والثمار: \" تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها \" وهذه قاعدة ذهبية في تقييم الأحداث والأمور \" أن نبحث في أصلها وجهتها وأهدافها \". و علمتنا السنة كذلك أن ننظر بعمق إلى الأحداث ولا نكتفي بالنظرة السطحية فمثلا لما وقعت مشكلة بين الأنصار والمهاجرين في إحدى الغزوات كما يروي البخاري وغيره عن جابر - رضي الله عنه - قال: (كنا في غزاة فكسع (أي ضرب) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال \" ما بال دعوى الجاهلية \" قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال: \" دعوها فإنها منتنة \" فلم تكن نظرة النبي إلى هذا الحدث الخطير نظرة سطحية بسيطة (أن الأمر هو رجل ضرب رجلا وانتهى الأمر) لكنه نظر إلى هذا الأمر نظرة عميقة وتحليلية مما استدعى تدخله المباشر والسريع لحسم الأمر.

لقد كانت نظرة النبي عميقة جدا إلى أبعد ما يمكن أن تصور ويتضح ذلك من تحليل هذه الحادثة:

1 - نظر النبي إلى أصل هذا الفعل فوجد أنه من أفعال الجاهلية وأن هذا الفعل الذي حصل من ضرب رجل لآخر استدعى إلى عقولهم أفعال الجاهلية وبرز هذا واضحا في تتداعيهم وتجمعهم كلا في جهة كما صرح - بذلك ابن حجر في شرحه للحديث - .

 

2 - ونظر إلى آثار هذا الفعل فوجد أنه مدخل كبير من مداخل الحاقدين على الإسلام فوصف هذا الفعل بقوله دعوها فإنها منتنة وهذا ما فعله عبد الله بن أبي حيث روى البخاري أنه لما سمع عبد الله بذلك قال:\" فعلوها أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل \".

 

والمثال الثاني في الرؤية النبوية العميقة للأحداث هو أن عمر كما يروي البخاري وغيره

قال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه \".

فالنبي - عليه السلام - راعى هذا الأمر الإعلامي الذي يمكن أن تسير به الركبان ويتحدثوا بقتل النبي لهذا الرجل ولم ينظر إلى أنه له السلطة المطلقة في المدينة يفعل ما يشاء.

 

إن الخلل الذي وقع به المسلمون في التقييم السطحي للأحداث جعل المسلمين يقعوا فريسة لكثير من الذين اتخذوا الإسلام وسيلة للوصول إلى مآربهم فساروا خلفهم وأذعنوا لهم دون أن يعلموا أن وراء الأكمة ما وراءها.

 

وقد سببت هذه العقلية مشاكل فكرية واجتماعية كثيرة منها:

1 - انتشار فكر التعميم: وهي أخطر ما أصاب العقل المسلم فنتيجة لعدم الرؤية العميقة والسابرة للأحداث انتشر فكر التعميم للخير والشر فمن يشتهر بشره وسوء أفعاله قد يبدو منه فعل واحد أو أكثر من أفعال الخير فيتناول الناس هذا الخير وينسون كل الأفعال الشريرة والسيئة ويعممون هذه الأفعال على كثير من أفعاله السابقة فمثلا تبرعت إحدى عارضات الأزياء بجولة في إفريقيا لمعالجة مرض الإيدز فمشى الإعلام بذلك وأكبر من هذا الخير ونسي أنه بجسد هذه العارضة وأمثالها ينتشر ذلك المرض الفتاك وكما قال الشاعر:

شر الخير نعممه   وخير الشر نعممه

والأمر في التعميم وانتشار فكره يقاس على الأفراد والشعوب والدول.

 

2 - الصورة المسبقة في الأذهان لأي فعل: حيث أنه ما من خير جديد ينبت في المجتمع إلا ونبدأ نقيسه على عمل قديم أو جديد مشابه قد فشل فنحكم عليه بالفشل نتيجة الصورة الذهنية المسبقة لأمثال هذا لفعل دون النظر إلى عمق الحدث فربما تغيرت الظروف وتغيرت الرجال وغير ذلك.

إن هذه الصورة المسبقة في الأذهان دون الولوج والتقييم العميق للأحداث قتلت كثيرا من الحالات الإيجابية في المجتمع المسلم وحالت دون حسن نمو الحالات الأخرى.

إن عدم التقييم العميق للأحداث والرؤية المجتزأة والسطحية كانت إحدى العوامل الكبيرة في وقوع المسلمين في أزمات كثيرة وكثيرة أوصلت المسلمين إلى هذا الحال الذي ندعو الله أن يرزقنا العمل لتحسينه وإزالة الشوائب منه.. آمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply