لماذا ميوعة الشباب؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 لا تزال تؤذي مشاعرنا ومشاعر الرجولة مناظر بعض شبابنا المستغربين الذين يكادون يذوبون رقة وأنوثة في لباسهم وطريقة كلامهم، وسلاسلهم المعلقة على صدورهم، وخواتمهم الموزعة على أصابع أيديهم، وأصواتهم المائلة إلى التأنث والرخاوة، والموسيقى الصاخبة التي تنبعث من سياراتهم، ومكالماتهم «الجوالية"المتكسرة التي تدل على أن وراء سماعة الجوال ما وراءها. لماذا هذه الميوعة؟؟، ومن أين خرج هذا النوع من الشباب؟ وأين أقسام التربية وعلم النفس في جامعاتنا عن هذه الفئة التي تنحدر في أودية اللهو والتثني والميل إلى تقليد النساء؟؟ وهل هنالك دراسات تربوية درست هذه الظاهرة، وإذا كانت موجودة فأين هي، وأين إعلامنا وصحافتنا عن المناقشة الجادة لهذه التوجه المشين؟! كيف سلك الشاب هذه الطريق المنحرف عن الرجولة والشهامة؟! سؤال يوجه أول ما يوجه إلى الأسرة التي يعيش فيها هذا الشاب، فمما لا شك فيه أن في الأسرة خللاً أوجد هذا الاتجاه «المعاكس» لقيم الرجولة، وملامح الشخصية المسلمة المستقيمة، فالأبوان إن كانا موجودين يحتاجان إلى وقفة حاسمة للمناقشة، فلربما كانا يعانيان من خلل جعلهما يرضيان بهذا التوجه للأبناء، وهذا الخلل قد يكون سلوكياً، وقد يكون حاجة وفقراً، وقد يكون انحرافاً فكرياً، وقد يكون انشغالاً بمشاغل الحياة، أو بالثروة والمال، أو بالترحال والأسفار، وما زلت أذكر رجلاً جاراً لأحد المساجد في الرياض، زرته بعد إحدى الصلوات بإلحاح منه ومن إمام المسجد، وحينما جلسنا في مجلسه دخل علينا ابن له في الثانية عشرة من عمره، ولم يسلم بل جاء وجلس بجوار والده وقد آذى أعضاء جسده بملابس ضيقة جداً، لها ألوان براقة لا تصلح إلا للبنات، وحينما حدثته قائلاً: لماذا لم تسلِّم؟ ضحك ضحكة ذابلة مائعة ولم يتكلَّم، وكان أبوه يتحدث معنا دون أن يلتفت إلى جهة ابنه، وحينما استقر بنا المجلس قليلاً دخلت علينا ابنة للرجل في مثل عمر أخيها، وهالني ما رأيته من ملابس قصيرة جداً ضيقة جداً، وحالة مؤسفة من الاسترخاء واللامبالاة وجلست بجوار والدها من الجهة الأخرى، وكانت «قَصَّةُ» شعرها قد قرَّبت شكلها من شكل أخيها، كما كانت حالة ملابس أخيها قد قربت شكله من شكلها، والأب لا يلتفت إلى شيء من ذلك، فالأمر عنده - كما بدا لي - أهون من أن يلفت النظر. ولم أترك هذه الحالة «المائعة"تمرُّ، بل تحدثت مع الرجل بما يستدعيه المقام من الأدب والهدوء في حالة ابنه وبنته، ورأيت وجهه يتغير، وشعرت بأن حركته في مكانه قد كثرت، مما دلني على قدر لا بأس به من التضايق في نفسه، ولكنه تمالك وتماسك وقال: هؤلاء أطفال «خليهم يستمتعون في الحياة بدون عقد"والتفت إلى إمام المسجد لعله يشارك في الحوار، ولكنه كان مشغولاً بصحن «السكّري» المتميز الذي كان أمامه، وطال الحديث بيني وبين الرجل، وقد انفرجت أسارير وجهه للحوار، بعد تلك الموجة من التضايق، وسمعت منه كلاماً كثيراً خطيراً عن التربية والتوجيه، يدل على مفهوم خاطئ بل «مدمِّر"لمعنى الحرية الشخصية، ولمعنى التقدم والتطور، ومعنى النصيحة والتوجيه، لقد كان الرجل الخمسيني مقتنعاً بتلك الحالة «التربوية المائعة"لأولاده، بل إنه ظل يدافع عن سلامة رأيه، ويؤيد كلامه بسرد شواهد وأمثلة من رحلاته الكثيرة إلى أنحاء العالم، وذكر لي أنه حينما سافر إلى لندن في صيف ذلك العام، أدخل ابنه وابنته إلى مدرسة نصرانية راقية لتعليم اللغة، والسباحة، والعزف على بعض الآلات الموسيقية وتحدث عن ضرورة إزالة آثار العقد الاجتماعية والتوجيهية عن أبنائنا وتربيتنا حتى لا «نكسر خواطرهم» كما قال. وخرجنا بعد جلسة عاصفة من الحوار لم يشترك فيها ذلك الرجل الذي كان مشغولاً بصحن التمر "السكري" اللذيذ، وحينما سألته بعد خروجنا عن موقفه السلبي، قال: وما الفائدة من الكلام، رجل رضي بما هو عليه فماذا نصنع به؟! هذا نموذج رأيته بعيني، فهل يوجد في المجتمع من أمثاله من يمكن أن يشكلوا ظاهرة تربوية؟! وإذا كانوا موجودين فما العلاج؟! هذه النماذج "المائعة"سوف تُرسخ التخلف الذي تعيشه الأمة المسلمة، وسوف تُمكن الأعداء من تنفيذ خططهم بأقل الجهد والعناء، فهل عندنا شعور بذلك وما الحل يا أولي الألباب.

إشارة:

قال الشاعر العربي:

وما عَجَبٌ أن النساء ترجَّلَت *** ولكنَّ تأنيثَ الرجال عُجَابُ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply