إن نظرة فاحصة مدققة لكثير من بيوت المسلمين اليوم، ستطلعنا علي استقالة تربوية تُدمي القلوب، سنري أن كثير من الآباء قد ظن أن الوظيفة المُثلي له في البيت أنه مُمثل لوزارة المالية، بمعني أنه يسأل الزوجة، كم تحتاجين من المال؟ فتقول كذا وكذا، فيعطيها عن طيب خاطر، ولكنه قد تخلى عن أبوة التوجيه والتعليم، لانشغاله بالتجارة والسفر، بل وإن وجد بعض الوقت فإنه يقتله قتلاً بالجلوس أمام وسائل الإعلام الخائنة المُضللة التي لا ترقب في المؤمنين إلاً ولا ذمة، التي تشيع الفاحشة في المؤمنين والمسلمين وإنا لله وإنا إليه راجعون، ويزداد الألم والكمد عندما تُضاف إلي استقالة الأب استقالة أخرى خطيرة ألا وهي استقالة الأم، فتخرج الزوجة هي الأخرى للعمل الذي لا تحتاج إليه أصلاً، ولكن فقط لتخرج من البيت، بدعوى أن البيت سجن مُؤبد والزوج سجانٌ قاهر، فتخرج هي الأخرى ويترك كلاً منهم الأولاد ليقتاتوا قوتهم التربوي من وسائل التعليم، ثم ينطلق الأولاد إلي الشوارع والطرقات وإلي أصحاب السوء، فيشعر الأبناء باليتم التربوي:
إذ ليس اليتيم من أنتهى أبواه *** وخلفاه في هم الحياة ذليلاً
إن اليتيم من ترى له أماً *** تخلت أو أبــاً مشغـــولاً
فهل حدّثت ولدك عن الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي هل تكلمت مع ولدك عن الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن السلف الصالح - رضوان الله عليهم جميعاً - هل وضحت لولدك هذا المنهج الذي تحتاج إليه الأمة الآن.
فقم الآن - الآن– وأملأ قلبك وقلب زوجتك وقلوب أولادك بعقيدة التوحيد وبالخوف والحب للعزيز المجيد وبالإتباع والطاعة النبي الحبيب الحميد، فجميلٌ أن تجلس مع زوجتك وأولادك وأنتم تتناولون الطعام فتحدثهم عن قدرة الله - عز وجل -، وتربط السبب (الطعام) بالمُسبب (الله - عز وجل -).
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ربي أصحابه علي هذا المنهج الأصيل، فانظروا عندما أردف الغلام الصغير خلفه، أي أركبه خلفه علي ناقة واحدة، وبدأه بالنصح والتوجيه، ولم يستصغر سنهº بل هو - بأبي هو وأمي – - صلى الله عليه وسلم - مربي وأسوة وقدوة وإمام، بل ولخص للغلام المبارك ابن عباس العقيدة في تلك الكلمات المختصرة في حديث:\"أحفظ الله يحفظك\"الذي رواه الترمذي وأحمد وصححه شيخنا الألباني.
بل هي سمة المؤمنين والصالحين أجمعين، انظروا إلي وصية يعقوب وهو على فراش الموت كما قال تعالي:\"أَم كُنتُم شُهَدَاء إِذ حَضَرَ يَعقُوبَ المَوتُ إِذ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي\" انظروا وهو علي فراش الموت يَطمئن علي عقيدة أولاده من بعده التي لطالما علَمهُم إياها، فقَالُوا: \"نَعبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ\" ثم انظروا إلي الخليل - عليه السلام - أيضاً:\"وَوَصَّى بِهَا إِبرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ\".
وانظروا إلي قوله - عز وجل -: \"وَإِذ قَالَ لُقمَانُ لِابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ\"أي والله إن الشرك لظلمٌ عظيم.
وكتب عمر إلى ابنه عبد الله:\"أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله - عز وجل - فإنه من اتقاه وقاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك\".
فأرجع الآن فحدث ولدك عن الله وعن رسول الله حتى نمشي خطوة نحو نصر الأمة، فإن الأمة لن تُنصر بعد إذن اللهº إلا بالرجال الصادقون الأبطال، الذين همهم بالنهار ذكر الله والصلاة وقراءة القرآن، وهمهم بالليل الوقوف بين يديه والتضرع إليه، حتى إذا أفترش الناس فراشهم، قاموا هم وافترشوا بين يدي الله جباههم، وتقربوا إلي ربهم ببكائهم، ثم بعد دعائهم وصلاتهم وبكائهم، يقولون: ربنا أصرف عنا عذاب جهنم، إن عذابها كان غراماً، إنها ساءت مستقراً ومُقاماً، فهم في خوفهم من ربهم، كحال أهل الغفلة في أمنهم، يتألمون لما حلّ بأمتهم، ويتحسرون عما نزل بأهلهم وأقاربهم، ولسان حال كل منهم: أنا السبب، لو مِت لاستراح الناس، فيسعون لنصر أمتهم، ولطلب عزتهم أو شهادتهم، يقولون: إما أن نملك رقابكم (أي الأعداء) أو نموت أعزاء، فالمؤمن الحق لا يرضي بالذل إلا لله وحده - عز وجل -، فحريٌ بهؤلاء أن يأتوا بالنصر لأمتهم وبالعزة لأنفسهم، وبالمعذرة إلي ربهم، فكانوا بالنهار فرسان، وبالليل رهبان وكما قال الشيخ صفوت نور الدين - رحمه الله تعالى - في وصفهم:\"فانتصروا علي شهواتهم وشيطانهم، فقطعوا نهارهم في الجهاد فرساناً، والليل في المحراب رهباناً، فكان أُنسهم بربهم في ليلهم إذا هجعت الأصوات، والتف الناس في البيوت نياماً، صاروا هم لله قائمين يأنسون بصحبته ومناجاته. القرآن الكريم وِردُهم، والصلاة بالليل شغلهم، والبكاء بالليل شغلهم، والبكاء متذكرين القيامة والحساب والدعاء خائفين من يوم اللقاء، كل ذلك هو حالهم، فإذا أصبح عليهم النهار خرجوا من ديارهم يأخذون من الدنيا بقدر المتزود في سفره، إن كانوا في شغلها كانوا مع الشرع دائرين، ولما أحل الله ملازمين، وعن الحرام بل كل الشبهات متباعدين، يخافون من أن يلوثوا صفحة بيضوها في ليلهم بالطاعات، فيخافون من نظرة أو طرفة، ويخافون من كلمة أو خطرة، فإذا وقع منهم شيء من ذلك أسرعوا قائلين: رب قد أذنبت فاغفر لي. فإذا دعا داعي الجهاد بالسيف والقتال فهم في الجهاد وحلقاته، خرجوا مسرعين يريدون ملاقاة رب أنسوا به الليل كله، وحرصوا علي العمل في مرضاته وشرعه النهار كله\".
فهيا آبائي وأمهاتيº بالسعي لتنالون شرف أبوة وأمومة هؤلاء الأبطال، ولتحققون النصر لهذه الأمة، ليُضاعف الله لكم الأجر، ويجزيكم كثير الخير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد