- حكم الشورى في الإسلام.
- هل الشورى ملزمة أم معلمة؟
- هل يؤخذ برأي الأغلبية؟
- اللوائح الدعوية والشورى.
* حكم الشورى في الإسلام:
يقول الأستاذ محمد أحمد الراشد:\"كلمة الشورى أجـمل لفظ وأعذبه في فقه الدعوة، وغدت عند الداعية العصري: عنوان وعي ودليل فهم حضاري، وأصبحت يومًا بعد يوم تُستعمل كوصف للتنظيم الجاد، ورمزًا للنبل، فإذا قلت: فلان يؤمن بالشورى ويمارسهاº فكأنك تمدحه وتـقـول: هـو داعية خبير في الإدارة، منصف في التعامل، واقعي في النظر.
وعلى عكس ذلك تمامًا صورة الـسكاكة: الذي لا يشاور ويستبد برأيه، يسبق إلى الذهن أنه بَدوي النَمط يرتجل، ويسلب الآخرين حقوقهم، ولا يعيش عصره، وتضطره ثورة أهل الرأي عليه إلى عبوس دائم، واكفهرار مستمر، واستعمال لفظ غليظº فتنفر منه القلوب، وتتعامل معه بحذر وتكلّف وقانونية صارمة ليس معها من العاطفة شيء، ولا من معنى الأخوّة رباط \"أصول الاجتهاد\".
قال - تعالى -: (والذين استجابوا لربِّهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممَّا رزقناهم ينفقون).
يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - تعالى -:\"والتعبير يجعل أمرهم كله شورى، ليصبغ الحياة كلها بهذه الصبغة، وهو نص مكي، كان قبل قيام الدولة الإسلامية، فهذا الطابع إذن أعم وأشمل من الدولة في حياة المسلمينº إنه طابع الجماعة الإسلامية في كل حالاتها، ولو كانت الدولة بمعناها الخاص لم تقم فيها بعد.
والواقع أن الدولة في الإسلام ليست سوى إفراز طبيعي للجماعة وخصائصها الذاتية، والجماعة تتضمن الدولة وتنهض وإياها بتحقيق المنهج الإسلامي وهيمنته على الحياة الفردية والجماعية.
ومن ثَم كان طابع الشورى في الجماعة مبكرًا، وكان مدلوله أوسع وأعمق من محيط الدولة وشؤون الحكم فيها. إنه طابع ذاتي للحياة الإسلامية، وسمة مميزة للجماعة المختارة لقيادة البشرية. وهي من ألزم صفات القيادة\".
فالشورى أخي الكريم خلق في الفرد، وسمة في الجماعة المسلمة، قبل أن تكون نظامًا أساسيًّا للدولة.
قال - تعالى -: (فبما رحمةٍ, من الله لِنتَ لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضٌّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكَّل على الله إنَّ الله يحبٌّ المتوكِّلين).
- قال ابن عطية: والشٌّورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشر أهل العلم والدِّين فعزله واجبٌ.. هذا ما لا خلاف فيه.
- قال الفخر الرازي:\"ظاهر الأمر للوجوبº فقوله: وشاروهم يقتضي الوجوب\"تفسيره.
- قال ابن تيمية:\"لا غنى لولي الأمر عن المشاورة فإن الله - تعالى - أمر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم -\".
- يقول محمد رشيد رضا:\"ثم رسخت السلطة الشخصية في زمن العباسيين لما كان للأعاجم من السلطان في ملكهم، وجرى سائر ملوك المسلمين على ذلك، وجاراهم علماء الدين بعدما كان لعلماء السلف الصالح من الإنكار الشديد على الملوك والأمراء في زمن بني أمية، وأوائل زمن العباسيينº فظن البعيد عن المسلمين وكذا الغريب منهم أن السلطة في الإسلام استبدادية شخصية وأن الشورى محمدة اختيارية، فيا للعجب! أيصرح كتاب الله بأن الأمر شورى فيجعل ذلك ثابتاً مقرراً، ويأمر نبيه -المعصوم من اتباع الهوى في سياسته وحكمه- ويأمره بأن يستشير حتى بعد أن كان مِن خطأ مَن غلب رأيهم في الشورى يوم أحد، ثم يترك المسلمون الشورى لا يطالبون بها، وهم المخاطبون في القرآن بالأمور العامة كما تقدم بيانه مرارا كثيرة؟! هذا وقد بلغ ملوكهم من الظلم والاستبداد مبلغا صاروا فيه عارا على الإسلام إلا من يتبرأ منهم ويبذل جهده في راحة العالم من شرهم\" (المنار: 2/252).
فالشورى -أخي الكريم- خلق وسجية، وتدل على رجاحة العقل وعلى متانة التنظيم الدعوي، كما أنها واجب شرعي على كل أمير.
* هل الشورى ملزمة أم معلمة؟
هذه المسألة مثار خلاف بين المفكرين المعاصرين، غير أن الذي تميل له النفس ويرجحه العقل ويرتاح له القلب أنها ملزمة للأمير.
- فبالرغم من رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل غزوة أحد -ورؤيا الأنبياء حق- أن بقرًا له تذبح، وأن سيفه ينثلم، وأنه وضع يده في حصن منيعة، وأوّل ذلك بأن البقر التي تذبح أنه سيُقتل عدد من أصحابه، وأن سيفه الذي ينثلم سيُقتل رجل من أهل بيته، بالرغم من الرؤيا الحق هذه فإنه - عليه الصلاة والسلام - عندما استشار في الخروج للقوم أو البقاء في المدينة ورجحت كفة الذين يقولون بالخروج لهم -وغالبيتهم من الشباب- أخذ برأيهم، ورأوا في وجهه بعض التأثر، وعرضوا عليه أن يتنازلوا عن رأيهم، فأبى وأمضى رأي الشورى، وكانت النتيجة ما هو معلوم، ثم نزلت آية آل عمران تؤكد مبدأ الشورى من جديد كي تتعلم الأمة أن هذا المبدأ لا بد أن يقر في النفوس وفي ضمير الأمة حتى لو كان بالدماء الطاهرة من الصحابة الكرام، حتى لو رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - نتائج المعركة قبل أن تقع، لكنها تربية الأمة على ترسيخ الأسس.
- وفي غزوة الخندق لما حاصر المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، واشتد البلاء على المسلمين، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف قائدي غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة حتى يرجعا بمن معهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وجرى بينه وبينهم الصلح، وقبل أن يقع ذلك استشار - عليه الصلاة والسلام - سعد بن معاذ وسعد بن عبادة في ذلك فقالا:\"إن كان الله أمرك فسمعًا وطاعة، وإن كان شيئًا تحب أن تصنعه صنعناه، وإن كان شيئًا تصنعه لنا فلا، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلا السيف\".. فصوّب رأيهما، وقال: (إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة).
- قال الإمام الأكبر شلتوت - رحمه الله -:\"وهذه الحادثة تضع تقليدًا دستوريًّا هامًّا، وهو أن الحاكم - ولو كان رسولاً معصومًا - يجب عليه ألا يستبد بأمر المسلمين، ولا أن يقطع برأي في شأن هام، ولا أن يعقد معاهدة تلزم المسلمين بأي التزام دون مشورتهم وأخذ آرائهم، فإن فعل كان للأمة حق إلغاء كل ما استبد به من دونهم، وتمزيق كل معاهدة لم يكن لهم فيها رأي\"من توجيهات الإسلام لشلتوت.
وغير ذلك من الحوادث النبوية المباركة.
أما ما يعرضه الطرف الآخر القائل بأن الشورى معلمة وليست ملزمة فإنه يستدل لرأيه ببعض الوقائع، منها:
- قتال المرتدين وإصرار أبي بكر على ذلك رغم مخالفة الغالبية لهº ذلك لأنه لا شورى في موضوع النص، والنص مع ما ذهب له أبو بكر الصديق في ضرورة قتال من ارتد.
- جيش أسامة وإصرار أبي بكر الصديق رضوان الله - تعالى - عليه على بعثهº لأن أبا بكر قال:\"ما كنت لأمنع جيشًا أذن له النبي - صلى الله عليه وسلم -\"، فهناك قرار مسبق لإمضاء الجيش من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما منع الجيش عن الانطلاق إلا مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته.
* هل يؤخذ برأي الأغلبية؟
نعم، وليس هذا تقليدًا للديمقراطية الغربية، كلا.. بل هو منهج أصيل في شرعنا الحنيف، ورأينا كيف أخذ النبي - عليه الصلاة والسلام - برأي الأكثرية في مسألة أسرى بدر، مع أن الصواب في رأي عمر، ويدل عليه ما رواه ابن جرير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عند نزول قوله - تعالى -: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)، قال:\"لو أنزل الله من السماء عذابا لما نجا منه غير عمر بن الخطاب\"º فاستثناء عمر رضوان الله عليه يدل على الأخذ بالأغلبية.
فعند البخاري عن ابن عباس أنه\"لما خرج عمر رضوان الله عليه إلى الشام وبلغه خبر الطاعون فيها قال: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس\".
قال ابن حجر:\"فيه الترجيح بالأكثر عدداً، والأكثر تجربةº لرجوع عمر لقول مشيخة قريش مع من انضم إليهم ممن وافق رأيهم من المهاجرين والأنصارº فإن مجموع ذلك أكثر من عدد من خالفه من كلٍّ, من المهاجرين والأنصار، ووازن ما عند الذين خالفوا ذلك من المهاجرين والأنصار من مزيد الفضل في العلم والدين ما عند المشيخة من السن والتجارب.. فلما تعادلوا من هذه الحيثية رجّح بالكثرة\"(فتح الباري: 12/ 298).
* اللوائح الدعوية والشورى:
وبناء على فهم الشورى لكل مؤسسة دعوية جاز لها أن تصوغ لوائحها وفقًا لذلك، وأن تلزم بها الأعضاءº لكونها من مسائل الاجتهاد، ولكل مؤسسة دعوية طريقة في فهم الأمور وفي استيعاب سنن الإسلام وهديه، وفقًا لطبيعة المؤسسة ومعطيات الواقع.
ومن العجيب بعد هذا كله أن تربي الجماعات الإسلامية أعضاءها على غير الشورى، وحال الأمة اليوم لا يخفى على أحد، في صورة الاستبداد الظاهرة التي رزحت تحتها أمتنا اليومº الأمر الذي يتطلب من المناهج التربوية الدعوية تأصيلا لهذا الخلق، وغرسًا لأساس الشورى في جوانبها، حتى تمسي الجماعة المسلمة صورة من صور تطبيق الإسلام في واقعهاº فقد كانت الشورى والتأكيد عليها قبل قيام الدولة.
كما أنه ليس بمعقول أن يطالب شباب الدعوة القادة بأن يعرضوا عليهم كل شيء للشورىº فللشورى دوائر تتناسب مع طبيعة الموضوع، ومدى سعة تأثيره، وأهمية إشاعته وغير ذلك من سياسات ضابطة للسير بالشورى، علينا أن نعيها، ولا نسير بعجلة مطالبين بالشورى معنا في كل أمر.
قال - تعالى -: (فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ, منهما وتشاورٍ, فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلَّمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أنَّ الله بما تعملون بصيرٌ)، فتحديد مدة للرضاعة أقل من عامين أمر يرجع إلى كلا الأبوين لما في ذلك من تقدير أدق لمصلحة الطفل، ولا يستشار إخوانه الكبار في ذلك!.
قال القرطبي في تفسيره:\"وقال ابن خُويز مَنداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتـّاب والوزراء والعـمـال فـيـما يـتـعـلـق بمصالح البلاد وعمارتها\".
أي الرجـوع إلى أهـل الاختصاص في كل فن وحقلº فالإدارة لها خبراؤها، وللحرب من جرّبها، والسياسة أسرار وتحتاج ركامًا من الأخبار وسعة في العلاقاتº فلها أهلها، والقائد الدعوي يمكنه أن يجعل تشاوره منقسمًا على هذه الأجزاءº فيشاور أصحاب التخصص، لكن هذا لا يغني عن مشاورة عدد من أهل الشمول من بعد في نفس القضايا لاتخاذ القرار الأخيرº لما عند هؤلاء من سعة نظر تحيط بحركة الحياة من جميع أقطارها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد