بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير النبيين وإمام المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وأما بعد:
فإن الحج مدرسة إيمانية عظيمة، يتلقى فيه المسلمون الدروس العظيمة والفوائد الجليلة والعبر النافعة في شتى المجالات، وفي جميع أبواب الدين\"العقائد والعبادات والسلوك..\"ويتفاوتون في قوة تحصيلها وحسن اكتسابها تفاوتاً عظيماً بين مقل ومستكثر، والتوفيق بيد الله وحده.
ولذا رأيت أن من المفيد استخلاص جملة من الدروس العظيمة المستفادة في الحج والمتعلقة بجانب الاعتقاد خاصة، إذ هو الأساس والأصل الذي تبنى عليه الأعمال، ويقوم عليه الدين كله، وهي مجرد إشارة إلى بعض الدروس المستفادة فيه، وإلا فإن ما يستفاد فيه من دروس وفوائد أمر يفوق الحصر، ولا يبلغه العد.
وقد بلغ عدد هذه الدروس المستخلصة هنا ثلاثة عشر درساً راعيت أن تكون متجانسة في حجمها وطريقة طرحها، والله أسال أن ينفع بهذا الجهد وأن يتقبله بقبول حسن أنه نعم المجيب.
الأول: بيان أن الحج مدرسة عظيمة..
لا ريب أن الحج من أفضل الطاعات وأجلّ القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه - تعالى -...
بل هو عبادة من العبادات التي افترضها الله وجعلها إحدى الدعائم الخمس التي يرتكز عليها الدين الإسلامي الحنيف، والتي بيّنها رسول الله بقوله في الحديث الصحيح: « بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا اله الا الله وأن محمداً الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت »
وثبت عنه في أحاديث كثيرة ترغيب أمته في الحج وحثهم على هذه الطاعة العظيمة، وبيّن لهم ما يغنمونه في الحج من أجور عظيمة وثواب جزيل وغفران للذنوب.
روى مسلم في صحيحه أن النبي قال لعمرو بن العاص - رضي الله عنه - عند إسلامه « أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ »
وروى الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -« من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه » وروى مسلم من حديث هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة »
وقد حج صلوات الله وسلامه عليه بالناس -في السنة العاشرة من الهجرة النبوية- حجته التي رسم فيها لأمته عملياً كيفية أداء هذه الفريضة العظيمة...
وحث على تلقي كل ما يصدر منه.. من أعمال وأقوال... فقال: « خذوا عني مناسككم فلعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا »
فسميت حجة الوداع وفيها نزل على رسول الله قول الله - تعالى - {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}
إنّ الواجب على كل مسلم قدم لأداء هذه الطاعة العظيمة أن يجتهد تمام الاجتهاد في معرفة هدي النبي في الحج وكيفية أدائه لمناسكه ليسلك منهجه وليسير على طريقة وليقتفي أثرة وليأخذ عنه مناسكه، وليتأتى له بذلك.. الإتيان بالحج على التمام والكمال، إذ لا كمال في هذه الطاعة وفي غيرها من الطاعات إلا بالاقتفاء لآثار الرسول الكريم والسير على منهاجه...
لا ريب أن كل مسلم على وجه الأرض تتحرك نفسه في هذه الأيام المباركة شوقاً لأداء هذه الطاعة العظيمة، وطمعا في تحقيق هذا النسك الجليل ومحبة لرؤية بيت الله العتيق إذ أن المسلمين جميعهم صلتهم ببيت الله الحرام وثيقة...
وهي تنشأ منذ بدء انتماء المسلم لدين الإسلام وتستمر معه ما بقيت روحه في جسده...
فالصبي الذي يولد في الإسلام.. أول شيء يطرق سمعه من فرائض الإسلام أركانه الخمسة التي أحدها حج بيت الله الحرام...
والكافر إذا أسلم وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله... أول ما يوجه إليه من فرائض الإسلام بقية أركانه بعد الشهادتين وهي: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام وأول أركان الإسلام بعد الشهادتين: الصلوات الخمس التي افترضها الله على عبادة في كل يوم وليلة وجعل استقبال بيته الحرام شرطاً من شروطها...
قال الله - تعالى - {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}
فصلة المسلم ببيت الله الحرام مستمرة في كل يوم وليلة يستقبله مع القدرة في كل صلاة يصليها فريضة كانت أو نافلة كما يستقبله في الدعاء..
ولهذا فإن هذه الصلة الوثيقة التي حصل بها هذا الارتباط بين قلب المسلم وبيت ربه... بصفة مستمرة تدفع بالمسلم -ولا بد- إلى الرغبة الملحّة في التوجه إلى ذلك البيت العتيق ليمتع بصره بالنظر إليه وليؤدي الحج الذي افترضه الله عليه إذا استطاع إليه سبيلا...
فالمسلم متى استطاع الحج بادر إليه أداء لهذه الفريضة ورغبة في مشاهدة البيت الذي يستقبله في جميع صلواته.. {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} [آل عمران: 97]
ولهذا فإنّ الواجب عليك أخي الحاج أن تحمد الله كثيرا على نعمته العظيمة عليك، بالتوفيق لأداء هذه الطاعة، والقدوم لتحقيق هذه العبادة، والتشرف برؤية بيت الله العتيق.. قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن تجتهد في تكميل أعمال الحج على أحسن وجه وأكمل حال دون إخلال أو تقصير ودون إفراط أو تفريط...
بل تكون على هدي قاصد وطريق مستقيم متبعا في ذلك رسولك الكريم تبتغي بعملك هذا مرضاة ربك،ونيل ثوابه،ومغفرة الذنوب، ولتعود إلى بلادك بعد هذه الرحلة المباركة وذنبك مغفور، وسعيك مشكور، وعملك صالح متقبل مبرور، بحياة جديدة صالحه مليئة بالإيمان والاجتهاد في طاعة الله.
إنّ الحج فرصة عظيمة للتزود فيه من زاد الآخرة بالتوبة إلى الله والإنابة إليه والإقبال على طاعته والسعي في مرضاته...
ومن خلال الحج ومناسكه يتهيأ للحاج فرص كثيرة لتلقّي الدروس النافعة والعبر المؤثرة والفوائد الجليلة والثمار الكريمة اليانعة في العقيدة والعبادة والأخلاق.. بدءا بأول عمل من أعمال الحج يقوم به العبد في الميقات وانتهاء بآخر عمل من أعمال الحج بطواف سبعة أشواط يودع فيها الحاج بيت الله الحرام،وهو بصدق مدرسة تربوية إيمانية عظيمة.. يتخرّج فيها المؤمنون المتّقون...
فيشهدون في حجّهم المنافع العظيمة والدروس المتنوعة والعظات المؤثرة، فتحيى بذلك القلوب ويتقى الإيمان،يقول الله - تعالى -: {وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق.. ليشهدوا منافع لهم...}
ومنافع الحج لا تحصى.. وفوائده لا تستقصى، وعبره ودروسه المستفادة منه لا يحاط بها، وسوف نقف بإذن الله - تعالى - من خلال هذه الرسالة على جملة طيبة ومجموعة نافعة من الدروس العظيمة والمنافع الجليلة المسفادة من حج بيت الله الحرام، وبالله وحده التوفيق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد