بسم الله الرحمن الرحيم
يا رفيق الدرب..
تطير حمائم سلامي المشتاق إليك.. أجنحة نقاء وهديل محبة، ترفرف في دعة حول قلبك الحميم، تغتسل بضيائه الحبيب ووداده الفياض، الذي طالما غفا قلبي في أحضانه، قويًّا بالثقة منغمرًا بالحب معتضدًا بالأمان..
ما زال في كفي بقايا من دفء كفك القوية، تنعشني بأريج الذكرى الطيبة لأيام الصفاء لما تعاهدنا أن نكون روحًا واحدةً في جسدين، فاشتد وثاق العهد ثقةً وإجلالاً، وتهادى طيبه محبةً واحترامًا، وتلألأ نوره بهجةً وفرحًاº فكنت بحق الأمنية العذبة التي طالما داعبت أحلامي العذراء، لأكون رفيقةً لدربك، وحبيبةً لقلبك، وحافظةً لودك وعهدك، وأُمًّا لأولادك، وشمسًا لبيتك..
ثم مدت بركة الطاعة والإيمان والخير شعاعًا على حياتنا السعيدة، فغمرتها بالخير الجم والود المبارك، وكانت عيوني تكاد تحتويك حبًّا وأنت ما تفتأ ترقى في معالي المجد وذرا العزة، محبة للدعوة إلى الله وحرصًا عليها وتفانيًا من أجلها رغبةً فيما عند الله، وتبذل في ذلك جهودًا وأوقاتًا وأعمالاً، أسأل الله أن يسرك بها يوم نشر صحائفك، ويرفع بها درجاتك.
كانت يداك تعضد يدي كلما تضعضعت قوتهما وخبت جذوتهما، فتمد ظلاً أتفيأ به من هاجرة المصاعب، وتبذل ذراعًا أعتضد بها من زلات الطريق، وكنت تعلمني أن من سلك درب الدعوة وعلا في مراقيهاº لا بد أن يجد صخورًا تعترض طريقه، تمحيصًا لإيمانه ويقينه، وإظهارًا لافتقاره وحاجته، ورفعةً لدرجاته ومقامه، و(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب). قال في ذلك السلف: \"كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر\"،\"ولقد كان الرجل ليمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه\".
والآن أيها العزيز، وأنت في غياهب الأسر الموحش، أجد مشاعري تتراكض نحوك بلهفةº لتكن كأشعة المرآة تسطع بكلماتك السالفة لتنير لك ما حلك في نفسك، وتبعث في ضيقك آفاقًا من الرضا والأمان والسعادة.
لتكن أيها الغالي كما عهدتك، قامة صامدة بالعزة، وصبرًا صلبًا باليقين، وإيمانًا واثقًا من النصر، وثباتًا يهزأ بالعواصف العابرة، ويتخذ الصخور مهما بلغت معارج يصعد عليها إلى أعلى الدرجات وأعظم المراتب، ولولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس.
ليكن الصبر حبلك المتين، فبه تكون كل ليلة في الأَسر درجات علا نحو الجنة، (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)، (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا)، (والله يحب الصابرين)، (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، وفي بعض المسانيد: قال الله - عز وجل -: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانًا أو أنشر له ديوانًا\".
لا تحزن ولا تهتم ولا تبد لجلاديك من نفسك جزعًاº بل أغظهم بصبرك ويقينك وإيمانك وثقتك ببراءتك، ولتعمُر قلبك بالرضا بقضاء الله وقدره، فهو إنما أراد بك خيرًا،\"و ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه\"، واعلم أن النصر مع الصبر، وقد جعل الله الصبر والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره، فما استجن العبد من ذلك جنة أعظم منهما، قال - تعالى -: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا).
وكلما اشتد البلاء وعظم الكربº كان ذلك لقرب الفرج ودنو اليسر، وهو دليل على صلابة دينك وصدق يقينك بإذن الله،\"فأشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة\".
أوصيك -أيها الغالي- بأن تجعل هذه الليالي العسيرة قربة إلى الله - تعالى - وزلفى إليه، وأن يشتد اعتصامك بالله والتجاؤك إليه وتوكلك عليه، ورضاك بقضائه وقدره، وعليك بالدعاء، عليك بالدعاء، عليك بالدعاء.
نحن معك يا عزيزي بثقتنا العظيمة بقوتك الكبيرة وإبائك المجيد، ونحن معك بدعواتنا الحارة المتضرعة إلى مقام المولى القدير، فلا تحزن من أجلنا أبدًا، فإننا في رعاية الله وحفظه، وسنبقى صامدين بثقتنا في الله ونصره وتأييده..
وثق - أيها الغالي - أنك ما دمت قويًا -كما نرجو- راضيًا بقضاء الله، فرِحًا برفعة الدرجات وعلو المقاماتº فسنبقى سعيدين صبورين، بانتظار القادم الأجمل..
حفظك الله ورعاك، وفك أسرك، ووقاك من الفتن وعصمك من الجزع، وفرج كربك ويسَّر أمرك، وأسعدنا جميعًا بلقاء قريب، في هناء وصفاء وسعادة، اللهم آمين..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد