استثمار حادثة سب الرسول


بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين أما بعد:

 

فإن العالم الإسلام من أقصاه إلى أقصاه اهتز غيظا وغضبا لتلك الإساءات البالغة والاستهزاءات الساخرة بالنبي الكريم والرسول الأمين - صلى الله عليه وسلم - التي نشرت على هيئة صور كاريكاتورية في عدد من صحف بعض الدول الأوربية كالنرويج وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، وكان البادئ في ذلك والذي تولى كبر هذه الجريمة والسفالة الحقيرة صحيفة (جلاندز بوست) الدانمركية...وقد هب المسلمون في كل مكان في العالم على كافة المستويات الرسمية والشعبية والفردية للتصدي لتلك الحملة الإعلامية الظالمة ومطالبة تلك الدول بمعاقبة الفاعلين والاعتذار العلني الصادق والالتزام بمنع مثل هذه الأعمال مستقبلا...

 

وحينما رأينا والحمد لله تلك الجهود المبذولة نصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ودفاعا عن عرضه وسنته وما حصل من تحرك المسلمين واتحادهم في هذه القضية تذكرنا قوله - تعالى - في حادثة الإفك ((إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِّنكُم لَا تَحسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَل هُوَ خَيرٌ لَّكُم لِكُلِّ امرِئٍ, مِّنهُم مَّا اكتَسَبَ مِنَ الإِثمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبرَهُ مِنهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [النور: 11]"

 

بل حينما استغرب العالم الغربي هذه الثورة العارمة ورأى مقدار الحب الذي يكنه المسلمون لنبيهم ورسولهم - صلى الله عليه وسلم - انعطفوا على التعرف على شخصيته - صلى الله عليه وسلم - وراجت كتب السيرة والشمائل المترجمة هناك وبحمد الله، كما انفتحت بهذا الحدث آفاق جديدة للدعوة إلى الله والتعريف بالإسلام ورسول الإسلام في داخل البلاد الإسلامية وخارجها من بلاد الغرب والشرق وهذا معنى من معاني الفتح على المسلمين والانتصار على أعدائهم حينما يقعون في عرضه - صلى الله عليه وسلم - كما قال ابن تيمية - رحمه الله - في الصارم المسلول ص 123 "... حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا بما قالوه فيه "

 

ونحن إزاء هذا الحدث وأمام إصرار وعناد واستكبار القوم المجرمين من الدانمركيين حكومة وإعلاما عن الاعتذار الرسمي ومعاقبة الفاعلين نعتقد يقينا أن الله جاعل في ذلك للمسلمين خيرا وفرجا ومخرجا. واستثمارا لهذا الحدث واستدعاء لأصالة الخير في النفوس نذكر أنفسنا وإخواننا المسلمين عامة وأولي الأمر والعلم والدعوة خاصة ببعض القضايا المهمة مع التأكيد على ضرورة بقاء المقاطعة الاقتصادية واستمرارها ليس في المواد الغذائية فقط بل حتى الأدوية والمستلزمات الطبية وغيرها.

 

1- أن الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وتصديقه ومحبته مقتضي شهادة أن محمدا رسول الله وهي أول أركان الإسلام الخمسة وأحد أركان الإيمان الستة وهنا يتأكد على الأمة أن تسعى إلى تعميق هذا الإيمان وحفظه وحراسته من أي قاطع أو ناقض.

 

2- أن هذا الحدث مناسبة للتفقه في أصول الدين ودراسة العقيدة الإسلامية ومنها:

 

معرفة علاقة المسلمين بالكفار بلا غلوا ولا تمييع، وموضوعات الولاء للمؤمنين والبراء والعداوة للكافرين واستبانه عداوة اليهود والنصارى للمسلمين قديما وحديثا، والتي طالما حاول أولياؤهم من المنافقين وبعض جهلة المسلمين نفي وجودها أو التقليل منها وعدم جرح مشاعرهم بتسميتهم بما سماهم به القرآن (الكافرون والمشركون) واستبدالها بالآخر... فكانت جائزة التحريف والتلبيس عاجلة وثمرته قريبة حين كرهنا الآخر وسب ديننا ونبينا - صلى الله عليه وسلم - فهل يفيق هؤلاء بعد هذه الصفعة ويجددوا ولاءهم للإسلام وأهل الإسلام.

 

3- وهو أيضا مناسبة كبرى لتجديد العهد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بمعرفة بسيرته وشمائله وهديه وأخلاقه وتجديد العهد بسنته فعلا وتركاº فعلا للواجبات والمستحبات وتركا للمحرمات والمكروهات، وقد برزت حالات من الجهل في العالم الإسلامي في حملة النصرة كبعض مظاهر الشرك بدعائه - صلى الله عليه وسلم - والتوسل بذاته وكذلك الدعوة إلى توحيد الصيام في يوم معين وتوحيد الدعاء في يوم واحد وكذلك الإحراق والتدمير لبعض المواقع والسفارات... كلها تؤكد على ضرورة العلم الشرعي عامة ومعرفة سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه خاصة.

 

4- أن تسعى مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات إلى طباعة الكتب المتعلقة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمعرفة بالإسلام وترجمتها بعدة لغات وتوزيعها على الجاليات الإسلامية في الداخل والتواصل مع السفارات الإسلامية في الخارج لتوزيعها هناك.

 

5- وعلى شباب الأمة والتقنيين أن يسخروا التقنيات الحديثة للتعريف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ودين الإسلام عن طريق اكتتاب القادرين في عدد من المواقع على الشبكة العنكبوتية باللغة العربية وبعض اللغات الحية وكذا افتتاح مواقع جديدة لهذا الغرض وكذلك المراسلة عبر البريد الإلكتروني لشتى المواقع والأفراد.

 

6- وعلى تجار المسلمين وأهل الثراء والغنى في كل بلد أن يساهموا بأموالهم ويدعموا كل نشاط مبارك في حملة النصرة المباركة.

 

7- والحدث فرصة أن يسعى المربون والمعلمون والأولياء لربط الطلاب والأبناء بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفعيل مدارسة السيرة وشرحها وربط الأحداث والمواقف بها ومدارستها في البيوت والمناسبات وإجراء المسابقات وكتابة البحوث والمقالات.

 

8- على حكام المسلمين وقادتهم ورؤساء المنظمات الإسلامية أن يستمروا في مطالبة دولة الدنمرك وألا يفتروا أو يملوا .

 

9- وعليهم أيضا السعي الجاد باستصدار قوانين وأنظمة دولية تدين الإساءة للرسل والرسالات.

 

10- وهذا الحدث والأحداث المتلاحقة تؤكد ضرورة قيام منظمة للتجارة الإسلامية العالمية وهذا ليس بمستحيل ولا بدعا من القول فقد راهن على نجاحها مهاتير محمد رئيس وزراء ما ليزيا سابقا قبل أكثر من خمس سنوات وهو رجل الإدارة والاقتصاد الفذ.

 

11- أهمية بل ضرورة إنشاء مركز إسلامي دعوي عالمي يفتح له مكاتب في كل دول العالم يدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، يرتبط بإحدى الهيئات الإسلامية كرابطة العالم الإسلامي أو غيرها ويوكل إليه أيضا آلية إعلامية مضادة لمثل هذه الأعمال والتصرفات.

 

وفي الختام كم يؤسفنا أن تتوارى بعض الأقلام والزوايا الصحفية عن أن تتشرف بالدفاع عن عرض المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والانتصار لهديه وسنته وهي التي ما تركت شأنا خارجيا ولا داخليا إلا ورتعت فيه من شئون سياسية واجتماعية ووطنية وقضايا المناهج والتعليم والمرأة وغيرها إلا هذا الحدث جفت فيه الأقلام وتكسرت دونه النصال لأن الحديث فيه يؤجج ثقافة الكراهية والتعصب والإقصاء ويا ليت كثيرا من هؤلاء لما لم يقوموا بواجب النصرة ولم يقولوا الحق سكتوا ولم يقولوا الباطل بل رأيناهم بكل حدب وإشفاق يهونون من شأن المقاطعة وبعضهم يطرح مصطلحات مثل مقاطعة المقاطعة ونحوها.

 

ونقول لهؤلاء ومن وراءهم من الغربيين: إن هذه الهبة العارمة التي عمت بلاد المسلمين احتجاجا على ما نشرته صحف غربية من رسومات مشوهة ومسيئة إلى نبي الإسلام - عليه أفضل الصلاة والسلام - يجب أن تفهم في إطارها الصحيح، والذي يمكن تلخيصه فيما يلي:

 

أولا: إنها احتجاج على البذاءة والجهل والتشويه والتعدي غير المشروع على أشرف رسول وأعظم رمز مكرم من رموز البشرية - عليه أفضل الصلاة والسلام -.

 

وثانيا: إنها احتجاج على امتناع عدد كبير من الحكومات الغربية أو ترددها في إدانة تلك الجريمة الشنعاء التي يجب أن تصنف على أنها من أعظم الجرائم ضد الإسلام بل والإنسانية.

 

وثالثا: إنها احتجاج على موقف معظم القيادات والمؤسسات الدينية في الغرب التي لم تقم بواجبها في التنديد بالجريمة على المستوى الذي يليق بشناعتها ولا بمستوى تلك القيادات والمؤسسات ومدى تأثيرها في المجتمعات الغربية.

 

ورابعا: إنها احتجاج على موقف الشعوب الغربية غير المبالي تجاه تلك الجريمة بل والمؤيد لها وللأسف الشديد في بعض الأحيان.

 

وخامسا: إنها احتجاج على الازدواجية في المواقف والاضطراب في المعايير لدى الغرب، ذلك الغرب الذي يجرّم العلماء والمؤرخين المرموقين إذا شككوا على أسس علمية وأكاديمية في بعض روايات المبالغة عن المحرقة اليهودية، بل ويقودهم إلى المحاكم والسجون، في الوقت الذي يصفق فيه للسفهاء والموتورين والمتطرفين إذا شوهوا حقائق الإسلام واعتدوا بجهل وإسفاف على رموز الأمة الإسلامية ومقدساتها.

 

وأخيرا إنها احتجاج على الموقف المتخاذل والمخجل لمعظم حكومات العالم الإسلامي التي تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا انتقد بحق وبمشروعية أحد الفاسدين من متسلطيها، ولكنها لا تحرك ساكناً وهي ترى التشويه والتطاول المتكرر والمتعمد على نبي الأمة وخير الناس أجمعين.

 

إن ما تطالب به الأمة الإسلامية الغاضبة أمر مشروع ومعقول ومقبول وهو الحد الأدنى مما تجب المطالبة به:

 

فمن حقنا أن تتراجع الصحف التي اعتدت على نبينا وعلينا وأن تعتذر بشكل واضح لا لبس فيه عن الجرم الذي ارتكبته.

 

ومن حقنا أن تعتذر حكومات تلك الدول عما نشر في صحفها وتبدأ في محاكمة معلنة لأولئك الصحفيين.

 

ومن حقنا أن تدين الحكومات والقيادات السياسية والدينية في الغرب بلا تردد وبوضوح كامل تلك الجرائم والاعتداءات (كما تفعل كلما تعرض يهودي أو غربي لأي أذي في أي مكان)، وأن تؤكد لنا أنها بريئة من تلك الجرائم وأنها لا تقرها على الإطلاق. وأن تتبرأ منها ومن مرتكبيها وأن تبين موقف الأديان منها.

 

ومن حقنا أن تؤكد الشعوب الغربية لنا على أنها لا تقر تلك الجرائم والاعتداءات وأنها دخيلة عليها ولا تعبر عن مواقفها بأي شكل من الأشكال.

 

ومن حقنا أن تكون الحكومات الإسلامية معبرة عن إرادات شعوبها، وأن تنهض للدفاع عن حرمات الأمة وكرامتها ودينها ورسولها بلا حياء أو تردد وان تشكل لذلك لجانا مستمرة وتقيم لذلك مؤتمرات لإدانة وتجريم هذا الإرهاب المنظم .

عندها، وعندئذ فقط، ستهدأ النفوس وستطيب الخواطر وتعود المياه إلى مجاريها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply