محبّة النبي - صلى الله عليه وسلم - عقيدة ودين، ومن كان في حبّه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقص، ففي عقيدته خلل ونقص، بل شهادة التوحيد تظلّ ناقصة إن لم تقترن بالشهادة لنبينا محمد بأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وسراجًا منيرًا فقال - تعالى -في حقّه: (وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلَّا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، وقال - جل وعلا -: (يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) [الأحزاب: 45-46].
وقد دأب الإعلام الغربي منذ زمن على الانتقاص من سيّد المرسلين، والهجوم على شخصه وسنته - صلى الله عليه وسلم -، مما يعبّر عن عداوتهم الدائمة لدين الإسلام، وحقدهم على المسلمين، وظلمهم، وتعصّبهم لفكرهم الضالّ، وما جرى في الصحافة الدانمركية قبل أسابيع ليس إلا حلقة من حلقات هذا الحقد الدفين.
أما مكانة الرسول ومحبته - صلى الله عليه وسلم - في نفوس المسلمين فهي راسخة أصيلة، ولم تكن مجرّد ردود فعل هنا أو هناك، ولم يكن شعراؤنا بمعزل عن محبة شعرية كاملة في التعبير عن سيرته أو حدث في حياته أو أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -، وليس ديوان (مجد الإسلام) للشاعر أحمد محرّم - رحمه الله - ببعيد عنّا، ولم تحقق الأمة سموًّا، ولا مجدًا إلاّ بهدي محمد - عليه الصلاة والسلام -، ونقف مع الشاعر السعودي د. زاهر بن عواض الألمعي في ديوانه (نزيف الشهداء) إذ يعبّر في قصيدته (نداء الشباب) عن هذه الرؤى الشاهقة:
(أمجد الشباب ألا تهتدي *** فتسعى بجدّ إلى السؤددِ؟!
هنا اليومَ خطبٌ لنجتازه *** بعزمٍ, علا ذروةَ الأمجدِ
هنا الثأرُ يدعو بني أمةٍ, *** سما مجدُها من هدى (أحمدِ)
ومهما بدت البغضاء من أفواه الأعداء، فندرك أنّ ما يخفون أعظم، كما أخبرنا الله - سبحانه وتعالى - من فوق سماوات بقرآن يُتلى إلى يوم القيامة، ولا نعجب من عمل هؤلاء وكيدهم للإسلام والمسلمين، ولكن العجب من بني جلدتنا ممّن انتكست عندهم الفطرة فخاضوا فيما خاض به هؤلاء، ليمرقوا من الدين.
أما الشاعر د. مأمون فريز جرّار، فقد زاره حبّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -رضوان الله عليهم-، جاء إلى المدينة المنورة يشدّه الشوق ضيفًا إلى موائد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ليشدو أبياتًا عدم شفيفة تقطر رقة وحنينًا في قصيدته: (منية العمر) من ديوانه الأخير: (رسالة إلى الشهداء).
مازجًا بين الصور الحسيّة والمعنوية إذ يقول:
(جئتُ ضيفًا إلى موائدــِ نورٍ, *** مدّها المصطفى فصارت مدينة
لست فيها مزاحمًا أهــلَ دارٍ, *** وهم الوارثون نعــمى ثمينه
جئت زادي حبٌّ الرسول وقد *** نصروا دينَه وكانـــوا يمينَه
طيبة الطيبِ هل تضـمّن جسمًا *** شدّه الشوقُ منذ فارقَ طينَه؟!)
هذا الحبّ الكبير للرسول - صلى الله عليه وسلم -، هو حبّ لشريعته الإسلامية السمحة، حبّ لسيرته ونهجه، حبّ لكل مكان أقام فيه، وحبّ لأصحابه رضي الله عنهم جميعًا-، وهو بعد ذلك حبّ لكلّ من سار على نهجه، ونصر دينه، فهل فوق هذا الحبّ مِن حبّ إلا حبّ الله - جل وعلا - الذي منّ علينا برسول منّا عزيز علينا رحيم بنا؟!
ترى أيريد الأعداء منا أمام ذلك أن نتجاوز عن أفعالهم النكراء بحقّ نبينا - صلى الله عليه وسلم - وسيرته العطرة ونهجه القويم؟!
فأنى يكون هذا؟!
ونمضي في محبة خير الأنام - عليه الصلاة والسلام - مع شاعرنا الإسلامي السعودي صالح بن سعيد الزهراني الذي يخاطبنا بوجدانية وشاعرية مرهفة في ديوانه (مرفأ الوجدان) فيقول في قصيدته (مأوى القلوب) المهداة إلى مكة المكرمة منجبة أعظم الخلق - صلى الله عليه وسلم -:
(تزودك يا مأوى القلوب محبة- *** قلوبٌ قد ازدانت بثوب التقى الكاسي
تشرفتِ بالذكرِ الحكــيمِ منزّلاً *** وأنجبتِ يا دارَ التقى أفضـلَ الناسِ
إمامَ الهدى والخيرِ ذاك محــمدٌ *** هدى الناسَ للإيمان دومًا كـنبراسِ
تربى على الإخلاص، والعدلِ دأبَه *** فيحكمُ بين الناس من عدلٍ, قسطاسِ
عليه صلاةُ اللهِ ما سارت الخطا *** به كلٌّ قلب لان من غيّه القاسِي)
إنّ الرّد على كيد الأعداء ومكرهم ليس في الدفاع عن الإسلام ونبيّه - صلى الله عليه وسلم - فقط، ولكنّه في التمسك بدينه في السّراء والضرّاء، والسير على مبادئه من هدى وتقى وعدل، وعزّة وإخلاص وشموخ وإيمان، ولذا نجد شاعرنا الزهراني يأوى إلى هذه المعاني في أبياته، ويتبع خطا النبي - عليه الصلاة والسلام - في سيرته، وينهل من قبس القرآن الكريم في تراكيبه ولغته ومضمونه، فتشعّ فينا جذوة الإيمان حين نقرأ: (تشرفت بالذكر الحكيم)، و(ازدانت بثوب التقى..)، و (إمام الهدى)، و (فيحكم بين الناس من عدل قسطاس).
وفي الختام، سيظلّ مدح الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووفاؤه حقّه معنى فريدًا بعيدًا لن نصل إليه، ولعلّ أبيات الشاعر عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - من قصيدته (السلام عليك) تفيه بعض منزلته - صلى الله عليه وسلم -:
(أثنى العظيــمُ عليك في آياته *** بعظيمِ خُلقك ما أجلّ وأروعا
الناسُ إن مدحوا استطاروا فرحةً *** والمادحُ المصنوعُ ليس الصانعا
ومدحُ ربّك وهو أنفسُ مدحـةٍ, *** قد زاد فيـك تعبّدًا وتواضعًا
الشكرُ فيك منــارةٌ قدسيـةٌ *** تهدي من اتبع السراجَ الساطعا)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد