كيف تختارين صديقتك؟


بسم الله الرحمن الرحيم

للصداقات أثر عظيم في نفوسنا، و يترتب عليها نتائج هامة في مستقبل كل مناº إما إلى الحق ونوره، أو إلى الباطل وظلماته، والإسلام حدثنا باستفاضة عن الأصدقاء الذين نرتبط بهم ويقتربون منا لأسباب عديدة وأغراض متنوعةº إما حباً في الله القدير، وإما صداقة زائفة لأمر دنيوي سرعان ما تنتهي أو تزول إذا ما تحقق المراد. أما الحب في اللهº فهو كالجوهرة الأصيلة تستمر إلى يوم الدين، و هو كما قال الله - عز وجل - في كتابه الكريم: (الأخلاء يومئذٍ, بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف: 67]، وكما قال رسولنا الكريم : \"مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه\" [أبو داود].

 

و ينادي الله - تعالي - يوم القيامة: \"أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي\" [مسلم].

 

الرفيق قبل الطريق:

كلما سمعت أو قرأت \"الرفيق قبل الطريق\"º تذكرت صديقة عمري، والتي بدأت حكايتي معها في مطار جدة منذ أكثر من عشرين عاماً، كنت في طريقي إلى مصر لقضاء أجازة نصف العام، و كانت هي مثلي عائدة إلى مصر بعد قضاء أجازتها بمكة المكرمة، وتعارفنا أثناء السفر بالطائرة، وتعارف أهلنا، و اتفقا على أن نكون سوياً في الرحلة حتى مطار القاهرة، و جلسنا سوياً علي مقعدين متجاورين في الطائرة و تناقشنا و تحاورنا في أمور متعددة، ومن أول لحظة تعلق قلبي بها رغم هذا الوقت القصير وصدق الرسول الكريم: \"الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف\"

 

مضت الأعوام ونحن سوياً نتسامر ونتعاون على الخير والطاعات وزيارة الأحبة والمرضى، ونتعاون على الخير، وأصبحنا رفيقتين في درب الطاعة، و كلما دعوت الله في صلاتي شكرته على تلك الرفيقة التي كانت ولازالت صديقة عمر مقربة لي أكثر من العديد غيرهاº إن مرضت تترك الجميع لتأتيني، تسر قلبي بحديثها الهادئ الوديع، وإن هي مرضت أهرع إليها كي أدخل البسمة على قلبها، وكانت إن حضرت تبتسم والدتي وتقول: ها هو نصفك الآخر، ستنسين آلامك الآن!.

 

وبعد سنوات قضيناها سوياً أجد أننا صرنا أحياناً نتحدث الحديث نفسهº بل ونعلم ردود أفعالنا لموقف ما بصورة عجيبة، و أجدني الآن أجلس هادئة أستمع إليها تتحدث معي بتلقائية وسرعة عن أحداث و أمور تحدث هنا وهناك، فنجلس نتضاحك ونتساءل: هل أصبحنا شخصية واحدة بروحين؟.و كما قال الشاعر:

 

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه    

فكــل قــرين بالمقــارن يقتــــــدي 

 

الجليس السوء

تلك كانت صورة حلوة لصداقة خالصة لوجه -الله تعالي- بدون غرض جعلتنا نعي - ولله الحمد - معني الحب في الله. وكما يوجد في أي مجتمع النموذج الصالحº فمع الأسف يوجد نظيره الطالح (ويوم يعض الظالم علي يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً) [الفرقان: 27 – 29] يالها من آيات تلخص صورة صديق السوء، وكما تعطر الريح الطيبة ما حولها تقوم الريح الخبيثة بهلاك العديد، و لقد قال رسولنا الكريم: \"مثل جليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه\" أبو داود

 

ليت فتياتنا الصغيرات يفهمن تلك المعاني النبويةº فللأسف صديقات السوء ما أكثرهن! يصددن عن سبيل اللهº فتجد الفتاة تحث صديقتها الملتزمة بالإسلام وتعاليمه على أن تدع عنها الأفكار البالية التي يزرعها أهلها، وتحثها على الكذب لتأخذها إلى طريق الهلاك والشيطان بمشاهدة الأفلام وسماع الأغاني الماجنة، وكل ما يدعو إلى الفجور. أو تلك الصديقة التي لا هم لها إلا الجلوس لساعات تحدث عن أعراض الناس زميلاتها بصورة مهلكة، ونجد من يجلسن إليها يستمعن و يتناقشن بصورة مخجلة، ونجد مجالسهم لا تمت بصلة إلى مجالس الرحمن، بل هي مجالس للشيطان و الغيبة والنميمة، وهتك أعراض خلق الله.

 

من تختاري؟

فأي الصديقتين تختارين يا فتاة الإسلام؟ هل ستنبذين صديقات السوء حالاً، و تعودي إلى صديقة قديمة أحبتك في الله فغضبتي منها، ونبذتيها حينما حدثتك عن طاعة الله؟ وحينها ينطبق عليك كلام الله - عز وجل - على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -: \" حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي،....\" [أحمد والطبراني].

 

أم ستقولين: لاº لن أتغير، فأنا إن تغيرت وابتعدت عن صديقاتي سأكون موضعاً للسخرية.

 

الواجب أن لا يحب الإنسان إلا التقي، و لا يبغض إلا العاصي، فأهل الدين هم الذين يصاحبون في الحياةº لأن صاحب الدِّين كما يقول الحسن البصري: \"يحفظك في حضرتك وفي غيابك\"، ويقول محمد بن جعفر الصادق لابنه: \"لا ترافق الفاجرº فإنه يعدك بفجورهº لأن بعض الناس يقول: أنا مستقيم، وعندي من الحصانة والقوة ما لا يمكن أن يؤثر فيّ أحد، و ما علم أن مصاحبته لهم كالداء الذي يسري في جسده، و هو لا يشعر إلا وقد سلب إيمانه و العياذ بالله تدريجياً\".

 

رزقنا الله وإياكم صحبة خيرة تحب الله ورسوله

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply