النصــــح والإرشـــــاد


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم

يتبادر إلى ذهن كلا منّا سؤال يبحث عن إجابة بل إجابات...

ربما يغفل البعض عن ذكرها أو ينساها في زحمة الحياة...

سوف أحاول أن أجيب على السؤال قدر استطاعتي وجهدي وبالله التوفيق..

يقول الله – تعالى - في كتابه الكريم: (ومن يعمل سوءً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما) النساء 110.

إن الإنسان المسلم يجد نفسه من سيء إلى أسوأ حين يظلم نفسه، ويقصر في حقوق المولى -عز وجل- وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم في حقوق العباد عامة، وحقوق إخوانه المسلمين خاصة، وهذه من مصادر الشقاء فكيف يشعر المسلم بسعادة في نفسه وهو مقصّر.

يتغير حال المسلم مابين ليلة وضحاها يجعل الله - تبارك وتعالى - نوراً للمسلم بمصدر من مصادر السعادة للمسلم، ألا وهو الاستغفار. فمجرد أن يعمل المسلم سوءً فقد ظلم نفسه ويظل في شقاء ما لم يستغفر الله من هذا الذنب الذي عمله، استغفاراً صادقاً يجد المغفرة والرحمة. فسعادة المرء هنا إذا فعل الذنب أن يبادر إلى الاستغفار بعد حدوثه مباشرة.

ومن هنا تأتي السعادة للمسلم حيث يجدها وهو بين يدي الله – تعالى - وهو قائم يصلي تتنزل عليه الرحمة والسكينة، وتملأ قلبه وجوارحه خشوعا وطمانينة، فالصلاة عماد الدين وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الشريف (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) النساء103. وكان - عليه الصلاة والسلام - يقول: (أرحنا بها يا بلال) ويقصد الصلاة، فسعادة المسلم في الطمأنينة، فإذا اطمأنت نفس المسلم و قضيت حوائجه غمرته السعادة، والصلاة نور، وأقصد ما بعد المفروضة كالسنن والنوافل لقوله – تعالى -: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين) الأنبياء 72.

وصلاة الليل فيها من الأجر العظيم الذي يناله المسلم من قيامه الليل خاصة وقت فراغه.

يقول الله – تعالى - لنبيه - عليه الصلاة والسلام -: ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محموداً) الإسراء 97، سبحان الله العظيم كل هذا الأجر في قيام الليل وتلاوة القرآن الكريم.

 

وتأملوا أحبتي.. قصة زكريا عليه السلام حين دعا ربه ففي أي حال كان... كان في أرقى حال وهو بين يدي الله – تعالى - فهذه أرقى مصادر السعادة وأجلّها لدى المؤمن حين يكون قريبا من الله لا يمنعه شيء وهو راض بما قسمه الله – تعالى - من قضاء، فبعد أن تكفل بالسيدة مريم - عليها السلام - وكان يجد عندها الرزق الكثير وهو لم يأتها به، ( قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) آل عمران37، هنا أيقن نبي الله زكريا - عليه السلام - أن الرزق والخير بيد الله – تعالى - يرزقه من يشاء ( بغير حساب )، ولم يعترض على قضاء الله وقدره لماذا؟! ولماذا كان شأن الحاسدين أعاذنا الله وإياكم؟!! بل علم أن الله القدير هو الرزاق ذو القوة المتين فلجأ إلى مصدر سعادته في قوله – تعالى -: ( هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء) آل عمرن 38، فماذا كان جزاؤه من الله تعالى؟.

لقد وهبه الذرية الصالحة التي كملت بها سعادته في قوله – تعالى -: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبيا من الصالحين) آل عمران 39.. ولست هنا لغرض التفسير ولكني أستدل بها كيف تغّير حال نبي الله زكريا - عليه السلام - من حال الصبر إلى حال السعادة.. وليس من حال الشقاء..

 

تأملوا أحبتي.. كيف هبطت عليه السعادة من السماء بالبشرى من الله بالذرّية الصالحة،، فسعادة المسلم في الولد الصالح.. وفي الحديث: ( أو ولد صالح يدعو له ).

 

و تأملوا أحبتي.. كيف أن تقوى الله – عز وجل - في السر والعلانية من الأسباب المؤدية إلى السعادة: ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) الأنفال 29..

الله أكبر... تفرق بين الحق والباطل وتكفّر سيئاتك و يشملك الله بمغفرته و يجزيك خير الجزاءº لأنك خفت من معصية الله في سرك، وجعلت التقوى زادكº فأكرمك الله بالحفظ والعون والتوفيق وقضاء حوائج الناس في سرك وعلانيتك.... حقاً هذا هو الفضل العظيم من الله، وهل يريد الإنسان أكثر من هذا!!... أجل هنالك أجر الآخرة أكبر.. نعيم مقيم لا ينفد!!: ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) الرحمن 60... هذا هو الإحسان الذي عملته يا عبدي المؤمن في الدنيا فجزاؤك الإحسان الدائم في الآخرة... أجر الآخرة... الجنة ونعيمها... ( وفي تفسير ابن كثير ما جاء في الحديث: عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وقال: هل تدرون ما قال ربكم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة)، ولما كان في الذي ذكر نعم عظيمة لا يقاومها عمل بل مجرد تفضل و امتنان.) انتهى كلامه - رحمه الله - ج4 / ص279-.

 

تأملوا أحبتي.. السعادة المذكورة في الآية بصيغة الجمع.. قوله – تعالى -: (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ) هود 108... والمقصود بهم أتباع الرسل، يقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره - يقول – تعالى -: \"وأما الذين سعدوا\" وهم أتباع الرسل ففي الجنة أي مأواهم الجنة خالدين فيها أي ماكثين فيها مادامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك، معنى الاستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرا واجبا بذاته بل هو موكول إلى مشيئة الله - تعالى - فله المنة عليهم ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس، وقال الضحاك والحسن البصري: هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها وعقب ذلك بقوله عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع) ج2/ص461.

ولنبحث في شقاء المسلم..... ما يشقيه وما يؤلمه

في الغالب من أمور الدنيا التي هي مبعث شقاء حين يغفل عن ذكر الله – تعالى - وأتباع شريعته، فهناك من المسلمين من يحرم المال، أو الغذاء، أو الدواء، أو حتى الإحسان من أخيه المسلم، فهذه من الأمور الأساسية للحياة التي تكمل بعضها البعض وتسد حاجة المسلم وتجعله شبه سعيد لا سعادة دائمة فالدنيا دار ابتلاء وامتحان و اختبار من الله – تعالى - فمنها يسعد المسلم أو يشقى فسعادة المسلم الصبرعلى قدر الله – تعالى -.

 

تأملوا أحبتي.. قوله – تعالى -: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) البقرة 214.. فدخول الجنة ليس بالشيء السهل اليسير فلا بد من الابتلاء والاختبار كما فعل بالأمم السابقة، وقال: مستهم البأساء والضراء، وهي الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب نسأل الله العافية.. كما جاء في الحديث الصحيح عن خبّاب بن الأرت قال: قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا، فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه، ثم قال: والله ليتمّن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلاّ الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون) ج1/ص252 تفسير بن كثير ) نسأل الله العفو والعافية.

ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة فقد اختار سعادته في الآخرة حين أحب لقاء ربه وقال: (بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى) - صلوات ربي وسلامه عليه -.

 

تأملوا أحبتي.. إن كان المسلم بحق يريد استعادة راحته المفقودة.... فليقرأ القرآن فإنه نور القلوب المظلمة... وليؤدي صلاته في وقتها وليقم ليله قدر استطاعته فإن ذلك يذهب الضيق الذي في الصدور ويفرج الكروب... وليرضى بما قسمه الله – تعالى - له فإن ذلك يجمع الراحة في النفوس... وليصل رحمه ففي هذا رضا الله والبر للوالدين والسعة في الرزق... وليحفظ أهله وجيرانه وأعراض المسلمين، فإن ذلك من الألفة والمودة التي تدخل المحبة وتخرج الضغينة والحسد من النفوس.. ثم ليكف لسانه عن الغيبة والنميمة... وليصم قدر استطاعته فإن ( الصوم جنّة )... وليبذل ماله في الصدقة وفي سبيل الله - تعالى -. ثم ليقضي حوائج الفقراء والمساكين و الأرامل، ولينصر المظلومين من غير منّ ولا أذى فإن في ذلك المبلغ تواضع ورفعة في الأجر والدرجات... وليعظم شعائر الله - تعالى - فإن ذلك تقوى للقلوب وينال بها المؤمن الدرجات العلى.. وليضع نصب عينيه الرجوع إلى الله قبل فعل الذنب فإن ذلك من تقوى القلوب... وليصبر على قضاء الله مع اللجوء إليه بالدعاء فإن في ذلك مناجاة للخالق - عز وجل - وسبب للإجابة والتيسير من الله... وليسامح ويعفو عند المقدرة ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)النور 22،: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) فصلت، 35.

 

تأملوا أحبتي.. كيف ينجو المسلم من عذاب ما بعد الموت والعياذ بالله... يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:  ( إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم، وهذه كلها من الأعمال الصالحة، والعمل الصالح نور لصاحبه في القبر ومنجاة له.

 

وأختم حديثي بهذه المقولة، سئل الإمام الشافعي - رضي الله عنه -، عن علم الباطن، فقال: (هو سر من أسرار الله تعالى يقذفه الله في قلوب أحبابه.. لم يطلع عليه ملك ولا بشر...).

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply