قد قاربت شهور الصيف على نهايتها، وشدت جماعات من الناس الرحال للعودة إلى بلادها وأهلها، ويحسن الحديث في هذا المقام عن قضية مهمة شغلت بال كثير من الناس وصارت حديثاً متداولاً بينهم، ألا وهي قضية الترفيه في الصيف والتنزه.
وبادئ ذي بدء أذكر أن المقرر في النفوس والذي ساعد عليه الشرع المطهر هو أهمية أن يروّح الإنسان عن نفسه، ويغير شيئاً ما من الجد الصارم الذي يقتضيه نظام الحياة المعاصر، وما أعظم الإسلام الذي لخص كل القضية بكلمتين (ساعة وساعة).
وهناك بعض الملاحظات على قضية الترفيه هذه، منها:
- عدم مراعاة الضوابط الشرعية:
هناك عدد ضخم من الناس لا يراعي الضوابط الشرعية حال ترفهه وتنزهه، فقد شاهدت وشاهد كثيرون نساء كثيرات لا يلتزمن بالحجاب، أو أن حجابهن مخالف للحجاب الشرعي المطلوب، والعجيب أنك تجد ولي أمرهن المصاحب لهن لا يكاد يحرك ساكناً إزاء هذا الأمر، بينما تجده في بلاده صارماً لا يقبل تهاوناً في حجاب مَن قبل تهاونها خارج البلاد.
وهذه قضية ينبغي أن تناقش على نطاق واسع، لأنه قد كثر المنتقدون لها من مسلمين وغير مسلمين، وصارت علامة تميز كثيراً من المسافرين للخارج وحديثاً للتفكه والسخرية من قِبَل كثير من الناس.
ومن علامات عدم مراعاة الضوابط الشرعية أيضاً أن بعض أولياء الأمور يطلق العنان لأبنائه وبناته، فيصيرون كأنما كانوا في سجن ثم أُطلقوا، فكيف يكون حالهم آنذاك؟! والعجيب أن بعض الآباء والأمهات يغض الطرف عن هذا من أجل أن ينطلق ليعبّ من الملذات والشهوات.
فعلى كل ولي أمر أن يتقي الله تعالى في أهله وأولاده، ويعلم أن الضوابط الشرعية لا تختلف خارج البلاد عما هو في داخلها.
- المغالاة في قضية الترفيه:
بعض الناس – هداهم الله تعالى ووفقهم لكل خير – إذا انطلق ليرفه عن نفسه فكأنما هو قطار سريع لا يلتفت إلى شيء ولا يتوقف عند أمر آخر غير الترفيه بالمعنى الذي يريد، بينما قد يكون هذا الوقت المستقطع من حياته من أهم أوقاته على الإطلاق، إذ فيه تسكن النفس وتطمئن وتهدأ، وتكون هناك فرصة للتفكير في خطة رشد يسير عليها المرء طيلة سنته المقبلة بل قد يكون طيلة حياته، فكم من الناس من تفتق ذهنه وقت السكون والراحة والهدوء عن معان لم يكن يعرفها أو تدور بخلده وقت انشغاله بقضايا الحياة المعقدة المانعة من التفكير السويّ العميق، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اغتنم خمساً قبل خمس - منها - فراغك قبل شغلك))، يصلح أن يكون دليلاً هادياً في هذه المسألة.
هذا عدا امتناع كثير من المترفهين عن قراءة أي شيء حال ترفههم، أو الإطلاع على المفيد الممتع عن أي نشاط عقلي مفيد، فالانشغال كل الانشغال إنما هو بقضايا الترفيه البدني، وأما ما عدا ذلك فلا يكاد يلتفت إليه أحد ولا يدري عنه شيئاً.
وهناك كثير من البلاد التي يزورها ملايين المسلمين فيها من النشاطات العقلية ما هو في غاية من الفائدة والمتعة لكن لا تكاد تجد أحداً يلتفت إلى هذا الأمر ولا يعيره الاهتمام المناسب.
- ضعف التوازن بين قضية الترفيه وقضية أخذ النفس بالجد المطلوب:
قال الله - تعالى -: ((خذوا ما آتيناكم بقوة)) فالمطلوب هو الموازنة، إذ عم الناس اليوم الرغبةُ العارمة في الترفيه المتواصل، وعدم تنغيص ذلك بشيء من الجد!! وتجد مجالس الناس صورة ناطقة لهذا إذ يعم أكثرها اللعب والمزاح وقضاء الأوقات بكل شيء إلا النافع المفيد، والعجيب أنك تجد الناس يسألون عن الحكم الشرعي في لعب ((البلوت)) أو غير ذلك من الألعاب، والقضية في ظني تتجاوز الحكم عليها بالحل أو الحرمة إلى التفكير بشأن ما تعود على المرء من نفع أو ضياع للأوقات، وهذا في مجالس الناس.
أما في أعمالهم التي يفترض أن تكون جداً خالصاً فالأمر على غير هذا، فقد أجريت دراسة على موظفي دولة عربية كبيرة وعلى موظفي اليابان اتضح منها أن معدل مدة عمل الياباني ثماني ساعات، وما يورث النفس الحسرة العظيمة أن معدل عمل العامل في تلك الدولة العربية يبلغ سبعاً وثلاثين دقيقة فقط؟!! وهذا معدل إنتاجي، فبالله عليكم كيف سنبلغ المعالي إن ظل حالنا هكذا؟!
إن الترفيه اليوم أصبح مطلوباً عند أكثر الناس حتى أثناء أداء أعمالهم ووظائفهم فتجدهم يقطعون الأوقات بالحديث عن الكرة والألعاب وما جرى في مجالسهم الخاصة إلخ... وهذا كله غفلة عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع - ذكر منها صلى الله عليه وسلم -: عن شبابه فيه أبلاه وعن عمره فيم أفناه))، وغفلة أيضاً عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كانت مثالاً للجد والعطاء المتواصل، وليس أدل على ذلك من أنه - صلى الله عليه وسلم - غزا بنفسه الشريفة وأرسل سرايا وبعوثاً سبعاً وثلاثين مرة في أقل من تسع سنين، فلنعتبر معاشر العقلاء بهذا فإننا بلغنا أو أكثرنا مبلغاً في الافتنان في الترفيه جاوز كل المعايير المقبولة والمعقولة
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد