جاء فى المعجم الوسيط :-
حبط البطن والجلد: ورم
وحبط الجرح: بقيت له آثار بعد البرء.
وحبط ماء البئــر: ذهب ذهــاباً لا يعــود.
وحبط العمــل: بطل. وفى التنزيل العزيز: \" لئن أشركت ليحبطن عملك\"
أحبط ماء البئر: حبط وأحبط عمله ودمه: أبطله، وفى التنزيل \"فأحبط الله أعمالهم\".
والمصدر: (إحباط ) ،لا يخرج عن هذه المعاني اللغوية التي تنحصر أخيراً في معنيين اثنين:-
1- التلاشي والاضمحلال المصحوب بالخيبة والضيق والنفور.
2-الفساد الذي تبقى آثاره حتى بعد ذهاب عينه وأصله ،مما يصيب صاحبه بالحسرة والألم.
ولم يبتعد المعنى المتداول بين الناس عن هذا المعنى اللغوي، إذ إن كلمة (الإحباط) تعنى فيما يتداوله الناس بينهم: الشعور النفسي الذي يصيب أصحاب الآمال الكبيرة حين تنتكس آمالهم، فيشعرون بألم وحسرة وغصة في حلوقهم لا يذهبها المــاء، ولا يتغلب عليها في القريب أمل أو رجاء، أو هو (مجموعة من المشاعر المؤلمة، تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروري لإشباع حاجة ملحة) (انظر الصحة النفسية من الإغريق إلى العصر الحديث ص 251 ).
وهذا الإحباط آفة من آفات النفس، يعوق فيها الإرادة الدافقة، ويوقف الهمة العالية، ويبعث الوهن والضعف في القلوب فتقل مقاومتها وتفتر، ويجعلها أقرب إلى اليأس منها إلى الرجاء، وإلى الحنق والغضب منها إلى الرضا.
وماذا تنتظر - بعد ذلك - من نفس واهنة وهمّة فاترة، أفسد سعيها الإحباط وفض قوتها التثبيط؟ وكيف لهذه النفس أن تبدع فكراً، أو ترفع إنتاجاً، أو تدفع عدواً، أو تزيل شراً، أو تصنع خيراً؟ ومن ثمَّ تنعكس هذه الحالة النفسية الخائرة الفاترة على المجتمع، فتلمح فيه آثار السلبية بادية، وآثار التواكل ظاهرة، وثمار الخور والفتور غير خافية على أحد، ثم لا تجد من تبث له الشكوى، حتى يخفَّ المصاب، ويهون الخَطب، ويقل الفساد.
إن الهزيمة النفسية لأي فرد أو لأي مجتمع وأمة لا تقل أثراً عن الهزيمة المادية بل قد تزيد، وإن هزيمة الأمة نفسياً في سنة 1967 م كانت أقسى وَقعاً وأشد ألماً من هزيمتها المادية رغم ضياع الأرض واستيلاء العدو على المقدسات، لأن الآثار المادية للهزيمة يمكن إرجاعها بالجهد والعمل. وأما الآثار النفسية فإنها تترك داخل الإنسان ندوباً وجروحاً لا تزول، وإن زالت مظاهرها.
ولقد ظلت الهزيمة النفسية جرحاً نازفاً في قلب الأمة لم يخفف من ألمه إلا ما حدث سنة 1973. ولسوف يبقى هذا الجرح يؤلم حتى تتحرر القدس وتعود بلاد المسلمين.
إنه الإحباط الذي أصاب الأمة في نفسها فشلَّ تفكيرها، وقيد أعضاءها، ومنع الأمل عن أبنائها.
وهو نفسه الإحباط الذي أصاب الكويت سنة 1990 م فأحدث فيها هزة نفسية عميقة بقيت آثارها بادية حتى بعد أن تحررت الكويت من براثن الغاشمين، فزال بزوال الاحتلال الأثر المادي وبقى الأثر النفسي عميقاً، وسوف يبقى ما بقيت قضية الأسرى وغيرها من القضايا التي لم تحلَّ حتى الآن، مما يجعل الإحباط لا يزول، ويجعل الآلام النفسية متأصلة لا تتوارى ولا تختفي.
والأمة الإسلامية في جميع الأقطار وعلى مدار الأزمان، أصابتها نكبات وهزائم عديدة، عمقت الإحباط في جوانحها وقلوبها، ولولا الأمل الذي يبثه الإيمان في النفوس بحيث تقاوم اليأس، لذهبت هذه الأمة ذهاب الأيام والليالي.
ولكن الله سلم من أن تذهب الأمة وتنعدم، على الرغم من أن العوامل السيئة - التي تثير في النفوس الإحباط - تظهر من حين لآخر بحيث تطفو على سطح الحياة الإسلامية هنا أو هناك فتفعل فعلها، وتصيب الأمة باللظى في حشاها، ولا تستريح الأمة إلا حين ترتفع درجة الإيمان فتطفئ هذا اللظى، وقد تقضى على آثاره حيناً، وقد يبقى غير منظور حيناً آخر، حتى تجد عوامل جديدة تثيره من جديد، فليس الإحباط - إذن - نابعاً من ذات الشخص أو من نفس أبناء المجتمع في كل الأحايين، بل قد يكون مفروضاً من الآخرين، بحيث لا يملك الإنسان أمامه حولاً ولا طولاً. (ففي الظروف البيئية السيئة التي يشعر فيها الإنسان بالحرمان، والظلم والتحقير والقسوة ينمو لديه الاستعداد للشعور بالإحباط فيشعر به بسرعة من غير أن يستطيع له احتمالاً. أما في الظروف البيئية الحسنة التي يحيا فيها الإنسان، شاعراً بالأمان والطمأنينة والتقبل، فيحصل على إشباع معظم دوافعه فلا ينمو عنده الاستعداد للشعور بالإحباط فلا يشعر به إلا في المواقف الصعبة، فيقدر على تخطيه بأساليب إيجابية) ( المصدر السابق صـ253 بتصرف )
والذين يتعرضون لإحباطات شديدة كثيرة يتوالى عليهم الإحساس بالفقدان والعدم، ثم الحرمان، ثم الصراع الداخلي، مما قد يجعل حركتهم في الحياة مضطربة غير سوية، يستوي في ذلك أن يكون سبب هذا الإحباط مادياً خارجياً أو نفسياً معنوياً، فكلا الأمرين صعب مردوده على النفس السوية، وعلى المجتمع المتماسك، لأن هذا الإحباط غالباً ما يدفع إلى ( النكوص في السلوك والتدهور في التفكير، والارتداد إلى أساليب سلوكية غير ناجحة ) ( نفس المصدر صـ257 ) مما يضعف من إنتاجية الفرد، ويحد من قدرته على الرقى العملي والعلمي والنفسي، ويجعل منزلته - كفرد عزيز في وطنه له شأن بين إخوانه - في مهب الريح، وهل بمثل هؤلاء الأفراد ترقى أمة أو تصان دولة؟ إن الإحباط قاتل للمعنويات، لأنه سم بطيء ينتشر في جسد الأمة فيضعف - على الأيام - مقاومتها، ويقيد عزتها وكبرياءها بين الناس وبين الأمم، فكيف تظهر فتَّيةً أبيةً، ترفض الضيم وتأبى الذل؟
إن المجتمعات التي تتلافى أسباب الإحباط – فلا تقع فيه إلا تحت وطأة ظروف قاهرة – تظل محتفظة بكيانها على نحو متناسق قوى، بحيث ترفض كل اضطراب أو اعوجاج يمكن أن يتطرق إليها، فلا يجد هذا الاعوجاج أو الاضطراب لنفسه مسلكاً فيرتد من حيث جاء، ويسلم المجتمع بأبنائه من شر فتنته التي لم تجد لها مكاناً بين أبنائه، لسلامة طويتهم، وقوة نفسيتهم، وحرصهم جميعهم على مقاومة أسباب الإحباط والابتعاد عنها. وهذه المجتمعات حين يصيبها بعض الإحباط رغماً عنها، فإنها تقاومه مقاومة شديدة، وتتغلب عليها بما عندها من مناعة عظيمة تصونها وتقويها.
والأفراد والجماعات في ذلك كالمجتمعات تماماً بتمام ، قد ينال منها ما يصيبها في صميم بنيتها الاجتماعية إن هي فرطت في تحصين نفسها ضد الإحباط ، ولم تعمل على تناول المصل الواقي من جراثيمه.
كيف نتخطى الإحبـاط؟
ومن هنا تأتى أهمية القيادة ودورها على أي مستوى من المستويات في الابتعاد بالأفراد عن الوقوع بهم في مهاوي الإحباط، انطلاقاً من قول رسول - صلى الله عليه وسلم -: \"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته\" لتسلم لهم الحياة وتهنأ بهم المجتمعات.
ولا يكاد يخلو أحد من هذه المسئولية. فالأب في أسرته مطالب أن يبعد عنها أسباب الإحباط، حتى لا يتسرب الوهن إلى بعض أركان الأسرة، فيكون عرضة لاهتزاز الأسرة بأكملها.
ورؤساء الأقسام والمؤسسات وأصحاب الأعمال والإدارات كل هؤلاء عليهم أن يقوموا بين مرؤوسيهم بنفس مهمة الأب في أسرته، حتى ترتفع درجة الإنتاج المادي أو المعنوي ويشعر المرء بأنه مكرّم في عمله، عزيز في مؤسسته، غير ممتهن بين إخوانه، له رأيه الذي يسمع - حتى وإن خالف آراء الآخرين - فيصبح بذلك عضواً نشيطاً فعَّالاً، يعطى أكثر مما يأخذ، ويعمل أكثر مما يقول، ويعين غيره بأكثر مما يعان به.. ويتخلى عن الاتكالية فلا يلقى الأعباء على غيره، وهو قادر أن يتحمل منها نصيبه الذي يخفف من أعباء الآخرين، أو ربما أزال عنهم أعباءهم، وخلصهم من أكدارهم. لأنه مهتم بشئونهم حريص على مشاركتهم في المحافظة على سلامة المؤسسة التي هو أحد أعضائها، أيّاً كان اسمها. ومن هنا فإن الإسلام أوجب على كل مكلف أن يهتم بشأن المسلمين، لما لهذا الاهتمام من ترابط في مجتمع ينبغي أن يكون أبناؤه كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ولذا فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) ويزداد هذا الاهتمام كلما ازدادت المسئولية وتعلقت بالأقربين والمحيطين ( أب في أسرته. ناظر في مدرسته. مدير في شركته... إلخ ) لأن الجميع يشكلون نسقاً اجتماعياً ينبض بالحياة، ويشكل الجميع فيه شبكة من العلاقات الاجتماعية نسيجها الآخرون ( رؤساء -زملاء - مرؤوسون ) وكل فرد في هذه الشبكة الاجتماعية يمارس دوره، ويتأثر بالآخرين ويؤثر فيهم. وإن اختلفت درجة التأثير والتأثر بحسب موقع الشخص في هذا الكيان الاجتماعي، فليس تأثير الرئيس كتأثير المرؤوس، ومن ثمَّ فإن القياديين عليهم دور أكبر وأعظم في إشاعة التأثير الإيجابي، وإزالة الإحباط من طريق الجماعة لتبقى لها قوتها وفاعليتها ( انظر علم النفس ومشكلات الصناعة صـ 229 وما بعدها .)
ولن يتم شيء من هذا إلا بالتواصل والتفاهم بين الجميع والتعاون على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
لن يتم ذلك إلا إذا حرص جميع الأفراد على بناء الشخصية المتزنة لأن الشخصية المتزنة هي المزهوة بغير كبر، المتواضعة من غير ذلّ، الكريمة من غير إسراف، الجريئة دون تهور، الوقورة من غير تزمت، المتسامحة من غير ضعف، العزيزة أمام الناس، الذليلة أمام الخالق، تريد للآخرين ما تريد لنفسها، وتربأ أن تتحدث بالسوء مع أحد، وتبتعد عن اللغو، وتصبر على البلاء، وتأمر بأمر الله وتنهى عن نواهيه.
هذه الشخصية هي التي تزن الحياة على أساس التقوى، فتكون أكثر قدرة على مواجهة المواقف الصعبة وتخطى الإحباطات المؤثرة التي تواجهها في هذه الحياة الفانية. ( الصحة النفسية من الإغريق إلى العصر الحديث صـــ 261 )
وإننا إذ نبسط القول في مجمل هذه العبارة ونفصلها نجد أننا كمسلمين، إنما نتخطى الإحباطات المتوالية إذا التزمنا بمجموعة من الأسس التي لا يستغني عنها مسلم، إنها:
1- إحسان الظن بالله، فلا يأس ولا قنوط، مادام المؤمن قد اتجه إلى الله وطلب رضاه في العسر واليسر والصحة والمرض والشدة والرخاء.
وهذا يعقوب - عليه السلام - يوصى بنيه :\" ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون \" ، وهذا إبراهيم - عليه السلام - حين جاءته البشرى على لسان الملائكة وقالوا له: بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين \" رد عليهم قائلاً: \" ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون \" فإحسان الظن، واليقين بأن الأمور لله يصرفها كيف شاء يقضى على الإحباط ويزيله.
2- معرفة حقيقة علاقة الإنسان بالحياة، وأنها تقوم على:
أ- سراء يشكر الله عليها.
ب- وضراء يصبر عليها.
فهو بين نعمة وبلاء وشكر وصبر، وبهذا المزيج تتكون الحياة ويعرف المسلم سرها فلا يبطر ولا يضجر فمن أين يأتيه الإحباط؟
3- ليست هناك مشكلة تستعصي الإحباط على الحل، لأن الزمن جزء من العلاج وكل شدة إلى فرج، وكل عسر إلى يسر: \" فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً \" فاليسر أكثر وأغلب، لأن العسر لا يغلب يسرين.
4- الإيمان بأن الحياة خير وشر، فليس فيها خير محض وليس فيها شر محص، فما من شره إلا ومعه أو بعده خير، وحديث حذيفة في الفتنة دليل حي على واقع الحياة يكشف سرها للمسلمين، ليعرفوه، وإذا عرف المسلم حقيقة الحياة. فمن أين يأتيه الإحباط.
5- الحياة قائمة على نظام التدافع الكوني والشرعي، الذي يجعل الحياة تنتقل من هزيمة إلى نصر ومن شر إلى خير ، ومن خير إلى نفع \" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض \", \"ألم, غلبت الروم في أدنى الأرض وهن من بعد غلبهم سيغلبون\". وقد غلبت فارساً الروم، ثم غلبت الروم فارساً، ثم غلب المسلمون فارساً والروم معاً في خمس عشرة سنة فقط.
وإن التدافع يكون بين الأفراد والدول والأمم والحضارات، وهو سنة ثابتة من سنن الله في كونه وخلقه.
وهذا الذي قدمنا كفيل بالقضاء على كل لون من ألوان الإحباط السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو غير ذلك من أنواع الإحباطات التي فتكت بشعوب وأمم غير مسلمة على مدار التاريخ.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد