رفقاً بالشباب


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لقد كان من نتاج هذه الصحوة المباركة أن توافد فئام من الشباب الغض إلى ركاب الصالحين، بل إن عامة أتباع الصحوة اليوم وحاملو لوائها هم من الشباب وليس ذلك بغريب بل هي سنة الله في الأمم السابقة واللاحقة.

وحين يتأمل المصلحون اليوم في واقع الشباب يرون أن ثمة ثغرات ومواطن ضعف وخلل لديهم لابد من علاجها وتسديدها  فينبرون للإصلاح والنصح والتوجيه، ويأخذ معظم الحديث في هذه الدائرة صفة النقد، ومع الحماس وتوقد العاطفة يتحول إلى نقد لاذع، فالشباب مهملون في جانب العبادة، ومقصرون في الدعوة، ومفرطون في حقوق الأخوة، وضعاف في العلم الشرعي، والتزامهم غير جاد بل مصطنع ...

وينصت الشباب الأخيار الأفاضل لهذا الحديث الناصح، ينصتون له بآذانهم وقلوبهم وتغرورق الدموع -التي يجتهدون في حبسها- في أعينهم، وينصرفون داعين لمحدثهم بالسداد والثبات والتوفيق.

 إن النقد العلمي الموضوعي المعتدل مطلب لابد منه، لكن الإفراط في استخدام هذه اللغة  عليه محاذير عدة، منها:

1.    نسيان محاسن هؤلاء الشباب وإيجابياتهم، فهم وإن قصروا في قيام الليل إلا أنهم سرعان مايهبون من فرشهم لصلاة الفجر رغم الجهد والتعب، وربما في بيوت لايستيقظ فيها سواهم، وهم الذين تعففوا عن الحرام في ظل واقع مليء بوسائل الإثارة والإغراء، وهم الذين يتورعون عن الصغائر ويبادرون بالتوبة من اللمم في حين يفاخر غيرهم بارتكاب الكبائر ويسعون إليها بما أوتوا من سبيل، وهم مع ذلك كله متفوقون في أعمالهم ودراستهم مع مايحملونه من هموم الدعوة والإصلاح.

2.    كثير من الأهداف التي يرتجى تحقيقها من خلال النقد يمكن الوصول إليها بطرق أخرى غير طريق النقد فالحديث عن النماذج في مجال ما من المجالات يشحذ الهمم على التأسي والاقتداء، والحديث عن أهمية أمر من الأمور يأخذ بيد المقصرين فيه.

والإحياء غير المباشر يفعل فعله في النفوس، ولنا في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فحين رأى ابن عمر -رضي الله عنهما-  رؤيا وقصها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:«نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل»

وعن سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه و سلم:« إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»

3.    أن هذا الأسلوب يخرج جيلاً فاقداً للثقة في نفسه محطم الآمال يشعر أنه مجموعة متراكمة من الأخطاء، بل إنه يشكك ربما في صدق انتمائه وصلاحه إذ هو لايسمع إلا النقد والتقريع، وجيل يعيش هذه النفسية سيكون بعيداً عن المزاحمة في ميادين العمل والنشاط الخير.

4.    أن كثيراً ممن يمارس هذا الأسلوب قد يوجب مالايجب، ويمنع مالايلزم امتناعه، فالنوافل نوافل لايمكن أن تتحول إلى واجبات لايعذر بتركها، ودقائق الورع إنما هي مراتب فاضلة للخاصة لاالعامة، فعلام نؤثم من لم يؤثمه الشرع؟ ونوجب ما لم يوجبه؟

وهذا لايعني التخلي عن النقد، ولا عن بيان الأخطاء والحديث عنها، فقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، لكن يعني التوازن والاعتدال، فقد كان صلى الله عليه وسلم يثني على أفراد من أصحابه في مواقف لاتحصى، وأثنى على قبائل كأسلم وغفار، وأثنى على المهاجرين والأنصار، وعلى أهل اليمن ...وغير ذلك كثير.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply