حين تتاح للإنسان فرصة متميزة فإنه يعاب على تفريطه في استثمارها واغتنامها، ويزداد العتب حين تكون الفرص محدودة والمكاسب المضاعة عالية.
لكن أشد من ذلك وأولى بالعتب أن يتمكن من فرصة فيفرط فيها، وينقض غزله بيده ويخرب بيته بنفسه.
وثمة حالات من ذلك تحصل للدعاة إلى الله تعالى وهي ليست بالقليلة، ومن ذلك:
· أن يكون الشخص في موقع له أهميته وتأثيره فيضحي به نتيجة إصراره على أعمال أو مواقف لاترقى أهميتها وتأثيرها إلى ماهو فيه.
· أن يرتكب شخص أو مؤسسة دعوية مخالفات قانونية أو إدارية تؤدي إلى التعويق عن أعمال أكثر أثرا وأهمية.
· أن يتسبب في القضاء على مشروعات قائمة بسبب الإصرار على ماهو دونها في المصلحة، بل قد يفوت الأمران كلاهما.
إن من يقرأ التاريخ سيجد أن الأمر قد يصل إلى أن حكومات إسلامية سقطت وقضي عليها، بسبب استثارتها للأعداء نتيجة ماترى أنه مصلحة، وفات في ذلك من المصالح أضعاف أضعاف ما كانت ترنو إليه من عملها، بل قد ضاعت المصلحتان كلاهما.
إننا قد نعتذر عن أخطائنا بأعذار نعتقد صحتها وليست كذلك.
· فتارة نعتذر بأننا مستهدفون من أعدائنا ونشن حملة ضارية عليهم وعلى مافعلوه، والأعداء لاينتظر منهم إلا ما هو أسوأ مما فعلوا، ولم لانعيب أنفسنا أننا لم نستطع اكتشاف مؤامرة العدو، أو تفويت الفرصة عليه؟
· وفي مواقف ليست بالقليلة نفسر كل مايصدر من الآخرين بأنه مؤامرة وباعثه النكاية بنا لديننا ودعوتنا وسلامة منهجنا.... وهذا قد يحصل كثيرا، لكن ليس بالضرورة كل مايفعله الآخرون يمكن أن يفسر بهذا التفسير.
· وتارة نعتذر بسلامة منهجنا ونبرر إخفاقنا ونجاح الآخرين بأننا أسلم منهجا وأثبت طريقا.
· وتارة نعتذر بأن كل مايصيبنا إنما هو ابتلاء من الله ليرفع به درجاتنا ويمحصنا...إلخ.
· وتارة نحول انهزامنا إلى نصر، وفشلنا إلى نجاح مبالغين في وصف منجزاتنا ومهونين من شأن خسائرنا.
· وتارة نشن هجوما على من ينتقدنا متهمين رأيه وتارة نواياه.
لقد قال الله عز وجل عن صفوة خلقه وخيرهم بعد الأنبياء حين هزموا في أحد وأصابهم ما أصابهم {أولما أصبتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} ومع ذلك لم يكن هذا الأمر منقصا من شأن ذاك الرعيل، بل كان دافعا له لاستيعاب الدرس وتجاوز الأزمة.
إن إدراكنا لمسؤوليتنا عن أعمالنا، والتفكير الجاد في العواقب والمآلات، وموازنة المصالح والمفاسد يعيننا بإذن الله على تجنب إخفاقات ومواقف فشل، ويزيد من فرصة المحافظة على مشروعاتنا وأعمالنا.
ونحتاج أن نضيف إلى ذلك الجرأة على انتقاد أنفسنا ومراجعة أعمالنا، والفصل بين سلامة المنهج والممارسة، والفصل بين صحة الحقائق والمنطلقات وبين مدى انطباقها على الواقع أو مايعبر عنه الأصوليون بتحقيق المناط.
ونحتاج أن نضيف إلى ذلك تقليل المساحة التي تحتلها العاطفة من تفكيرنا ومواقفنا، والنظر البعيد الذي يتجاوز ماتحت أقدامنا.
وذلك كله لن ينقلنا للعصمة فسنبقى بشرا نخطيء ونصيب، ونكبو وننهض، لكنه سيقلل من حالات الإخفاق، وسيحافظ أكثر على مشروعاتنا ومنجزاتنا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد