بسم الله الرحمن الرحيم
إن الاعتناء بالقراءة وإدراك أهميتها أمر لم يعد قاصراً على طلبة العلم وحدهم، فالعقلاء من الناس أجمع يتفقون اليوم على ذلك، وهاهي حركة النشر الواسعة تعطي دليلاً على الطلب المتزايد على الكتاب. والنفس مفطورة على حب الجديد والميل له، حتى ما يقتنيه الناس من سيارات وملابس وأدوات يبحثون فيه عن آخر ما أنتج، ولو كان ذلك على حساب الجودة، وسرت العدوى في ذلك إلى الكتاب فأصبح الكتاب الجديد يلقى رواجاً وانتشاراً أكثر من غيره، ولهذا يحرص باعة الكتاب والناشرون على إبراز الجديد من الإصدارات والدعاية لها. والكتاب الجديد المعاصر كتب بلغة العصر، ونَفَس العصر، ويعالج قضايا العصر، مما يدفع القارئ إلى الميل له وقراءته. وهو يتناول في الأغلب القضايا الساخنة والمطروحة على الساحة الفكرية أو العلمية أو الأدبية، ومن ثم فهو يتسق مع اهتمامات القارئ ويجيب على تساؤلاته. هذه جوانب لها صلة بمضمون الكتاب ولغته، وثمة جوانب لا تقل عنها أهمية لها صلة بالكاتب والمؤلف، فلئن كان القراء ينظرون إلى عنوان الكتاب وموضوعه، فهم في المقابل ينظرون نظرة لا تقل عن ذلك إلى مؤلفه، والناشرون يحرصون على الظفر بالمؤلف صاحب الصيت والانتشار الواسع، ويمنحونه من الإغراءات مالا يمنحون غيره. إن المؤلف المعاصر يعيش بين الناس، ويتفاعل القراء معه، ويعرفه طائفة من القراء باسمه أو بشخصه، ومن ثم فهم يقبلون على اقتناء كتبه وقراءتها، وربما كان اسم المؤلف أعظم دافع لدى كثير من القراء إلى قراءة الكتاب من موضوعه ومضمونه. هذه العوامل وغيرها تدفع بالناس إلى الاعتناء بقراءة الجديد من الكتب والإقبال عليها، ولا أعترض على ذلك، بل هو ضرورة لابد منها، فلا يمكن لطالب العلم الذي يتحمل مسؤولية الإصلاح والتغيير أن يعيش خارج عصره، وثمة قضايا كثيرة هي من النوازل العلمية أو الفكرية لابد له أن يحيط بها ويعيها. لكن الاعتراض على إهمال كتب السلف ونسيان كتب السابقين، فنحن أمة لها امتداد وتاريخ ولسنا نبتة مجتثة في العراء. إن كتب السلف أغزر علماً وأصدق لهجةً، ولئن أدى تطور صناعة النشر اليوم إلى أن يصبح التأليف والنشر ميداناً رحباً يتسع لطائفة كثيرة من الناس، وأن يتصدر له طائفة ممن لا يحسن، أو من الباحثين عن الصيت والشهرة، فالأمر كان يختلف لدى سلف الأمة فالأغلب على ما يكتبه أولئك الإخلاص والصدق، وسعة العلم والإطلاع. والسلف الصالح - رضوان الله عليهم- أسد منهجا وأقوم طريقة، بل إن طالب العلم اليوم يفتخر بأنه ينتسب إلى منهجهم، ويحتج بأقوالهم وهديهم، في حين كثرت الأهواء مابين ترخص وتساهل، أو جرأة على الشرع وأحكامه، أو مجاراة للواقع ولهاث وراء مسايرته. لكننا نلحظ اليوم إفراطاً في الإقبال على الكتاب المعاصر، وإهمالاً لكتب السلف وقلة اعتناء بها، بل قد نجد تسابقاً في قراءة الكتب والروايات المنحرفة وإضاعة الأوقات فيها، على حساب ما يزيد الإيمان ويحيي القلوب الميتة. وحتى في ميدان العلم الشرعي يحظى المعاصرون باعتناء واهتمام أكثر من غيرهم، ومن أوضح الأمثلة على ذلك الاعتناء بجمع فتاوى المعاصرين ونشرها وقراءتها، وهذا أمر حسن، لكن ينبغي ألا ينسينا الاعتناء بفتاوى فقهاء السلف، وغيرهم ممن يدعِّم المعاصرون فتاويهم بآرائهم واختياراتهم، فنحن بحاجة لجمع طائفة من فتاوى علماء السلف واختياراتهم ونشرها للناس، وإبراز أولئك العلماء الأفذاذ أمام الناس الذي كادوا أن ينسوهم. إنه من إضاعة الوقت أن نستطرد في المقارنة بين كتب السلف وكتب المعاصرين، فالأمر أجلى وأوضح من أن يحتاج إلى براهين. لكنها ذكرى ووصية أوصي بها نفسي وإخواني لإعادة الاعتبار لكتب السلف، والاعتناء بها، والإقبال عليها، وإعطائها النصيب الأوفر، دون إهمال للقراءة المعاصرة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد