لماذا لا نكون عظماء ؟!

في كل يوم نقابل كثيراً من الناس فلا نلتفت إلى أغلبهم، ولا نتذكر منهم إلا القليل، ولا تُنقش في ذاكرتنا إلا مواقف بعينها يصنعها بعضهم.

وذاكرتنا عادة ما ترتبط بالمواقف الخارجة عن المعهود والروتين الذي صار سمة بارزة لحياتنا اليومية.

ولكن السؤال الذي يطفو على صفحة ذاكرتي الآن هو: ما الذي يميِّز حياة أحدنا عن الآخر، ولماذا يمرٌّ علينا في حياتنا ملايين الأشخاص ونحس بأن الغالبية العظمى منهم لا تعدو أن تكون نسخة مكررة وممجوجة من بعضها..نفس الدورة الحياتية: طفولة..شباب.. زواج.. إنجاب.. ووفاة دون أن يخلِّف معظمهم ما يسترعي الانتباه.

فهل كان للعظماء وذوي العزم في هذه الدنيا مقدرات تفوق مقدراتنا أم كانت لهم أعضاء تزيد عن أعضائنا؟ بالطبع الخيار الثاني لا يستقيم.. والخيار الأول قد يكون صحيحاً، ولكن هل كلٌّ من له مقدرات فائقة يصبح عظيما بالضرورة؟ هذا أيضاً لا يستقيمº لأن كثيراً ممن كانت له مقدرات فائقة لم يستحق أن يدرج في مصاف العظماء.. مع العلم بأن الإنسان لا يستغل من مقدراته في أغلب الأحيان ما يزيد عن 20%.

في رأيي أن مردَّ ذلك يعود أولاً إلى توفيق الله - عز وجل -، ثم إلى العزيمة التي تميِّز العظماء عن غيرهم. وكما قال بعض الحكماء: (لو تعلق قلب ابن آدم بالثريا لنالها). وقال المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم * * * وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتكبر في عين الصغير صغارها * * * وتصغر في عين العظيم العظائمُ

وقال المتنبي أيضاً:

وإذا كانت النفوس كباراً * * * تعبت في مرادها الأجسامُ

وقال أيضاً:

إذا غامرتَ في شرف مروم * * * فلا تقنع بما دون النجومِ

فطعم الموت في أمر حقيرٍ, * * * كطعم الموت في أمر عظيم

لكنَّ البعض كان عظيماً في الحق، وبعضهم كان عظيماً في الباطلº وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة).

فهل سألت أخي نفسك يوماً: لماذا لا تكون عظيماً في الحق تذود عن الدين وتحمي حياضه بما تملك من مقدرات، في أي مجال كانº لتفوز بخيري الدنيا والآخرة؟! لماذا ترضى أن تكون حياتك نسخة مكررة من حياة الآخرين لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، ولا هدف لها ولا منهج ولا تخطيط؟! ولماذا تحصر نفسك في الأهداف الصغيرة وتشغلها بتوافه الأمور التي تحجبك عن عظائمها ومعاليها؟! لماذا تركن إلى الدنيا وترضى بالفتات بدلاً من أن تعلق قلبك بالله ونصرة دينه بكل ما أوتيت من قوة ومقدرة؟!

إنها خاطرة عجلى لنراجع حياتنا: إلى أين تسير؟ وبم تنشغل؟.. دعوة لننفض غبار التواكل والكسل والروتين والجمود ونستبدل كل ذلك بالتوكل والعمل والعزيمة والمثابرة، وما التوفيق إلا من عند الله.