{لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتٌّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ التَّوبِةِ: 128]..
إن المتأمل في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليجد أنها حوت جميع مكارم الأخلاق التي تواطئ عليها فضلاء ونجباء البشر ونبلاؤهم، حتى إنها لتجيب على كل ما يختلج في الفؤاد من أسئلة قد تبدو محيرة لمن لم يذق طعم الإيمان بالله - تعالى - من الذين كفروا، والغريب في الأمر أن بعض بني قومنا من المسلمين هداهم الله لا يحفلون بهذه الميزة العظيمة التي ميزنا الله بها وهي كون النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة وأسوة حسنة رغم أنها تمثل الرادع الفعلي عن ارتكاب ما يخل بخلق المسلم، وهي المحرك الأساس إلى الارتقاء بالذات إلي معالي الأمور وقممها السامقات.
إذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرآنٌ يمشي على الأرض وكان خلقه القرآن، ولذلك تجد كثيراً من عامة المسلمين اليوم إذا سألتهم ولو كان ذلك بطريقة عشوائية عن: من هو قدوتك أو مثلك الأعلى؟!
لسمعت الإجابة: النبي صلى الله عليه سلم!.
أتعرف شيئاً عن سيرته؟.
فسيحدثك ولو بالقدر القليل عن سيرته - عليه السلام - من ولادته ونشأته وعبادته وشجاعته وحسن خلقه وغزواته وغير ذلك إلى الوفاة.
وإنك لتسمع من البعض أيضاً عبارة: هذا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. وما ذلك إلاَّ دلالة واضحة على أن المسلمين عموماً لديهم الرجوع الذهني إلى القدوة المطلقة وهو النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.. فيفعلون ما فعل وينتهون عما نهى ويخجلون من فعل شيء لم يفعله.
* * *
أين هذا من الكثرة الكاثرة في الأرض اليوم بكل في كل زمان من الكافرين على جميع أصنافهم وتنوع مذاهبهم وتنوع مذاهبهم ومشاربهم؟.
خذ مثلاً.. النصارى الموجودين اليوم.. لو سألت أحدهم أو مجموعة منهم عن قدوته في الحياة لما حار جواباً إلاَّ بعد تفكير مضطرب قد تأتي الإجابة بعده ليست كما تريد.. وينسى (المسيح - عليه السلام -) أو (يسوع كما يحلو لهم أن يعبروا) لأنه يجهل سيرته تماماً ولا يعلم منها إلا الجزء المظلم في نظرة النصرانية من أنه أحد الأقانيم الثلاثة.. ثلاثة في واحد.. وأنه ابن الإله، وهو المصلوب لإنقاذ الجنس البشري من تبعات خطيئة أبيهم آدم.. وهو الذي نزل باسم الإله تارة أو ابنه تارة أو ما إلى ذلك من خرافاتهم..
{وَقَولِهِم إِنَّا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ, مِنهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ, إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 158]
فإذا أردت منه شيئاً يسيراً عنه ولادة عيسى - عليه السلام -.. لربما غضب منك لأنه يعلم أنك تريد تسفيه عقيدته في ابن الإله (حسب زعمهم).. وإذا أردت شيئاً من سيرته لم تسمع من فيّ الخاصة منهم إلاَّ العبارة المشهورة عن المسيح عندهم \" إذا صفعك أحدهم على الخد الأيسر فأدر له الخد الأيمن ومن جاءك يريد أخذ شيئاً من مالك فأعطه مالك كله \" على أنها لا سند لها من شرع ولا عقل إلاَّ إنها لا تمثل ما عليه واقع حال النصرانية المحرفة أبداً ولا يحفل قسسهم ولا باباوتهم ورهبانهم وساستهم وبوش الظالم المعتدي على أفغانستان والعراق أكبر مثال لا يحفلون بهذا النص عن المسيح عندهم ولا يُعملونه في واقعهم، وواقعهم المرّ يشهد بذلك.
{يَا أَهلَ الكِتَابِ لاَ تَغلُوا فِي دِينِكُم وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلَى مَريَمَ وَرُوحٌ مِنهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيرًا لَكُم إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سبحانه أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 171]
* * *
أين المسلمون عن شكر نعمة القدوة المطلقة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأين العمل بسنته والافتخار بها؟.
{لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [سُورَةُ الأَحزَابِ: 21]
وبقي أن نعلم أن القدوات ثلاثة.. القدوة المطلقة وهو الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - والقدوة الثانية: من مات على الإسلام الصحيح من سلف الأمة المخلصين ومن كانت سيرته نبراساً لمن بعده كالصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان.. وعلماء الأمة الأربعة فمن بعدهم وشمسهم الوهاجة شيخ الإسلام بن تيميه.. إلى آخر عالمٍ, مات منهم.. بالشرط المتقدم.
القدوة الثالثة: من يصلح الاقتداء به في هذا الزمان من الأخيار، على أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة..
ولله در الشيخ الدكتور عائض القرني على روعة وصفة لقدوتنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، في رائعته: تاج المدائح:
أنصت لميميةٍ, جاءتك من أَمَمِ **** مُدادها من معاني نون والقلم ž
سالت قريحةُ صبٍّ, في محبتكم*** فيضاً تدفق مثل الهاطلِ العممِ ž
كالسيل كالليل كالفجر اللحوح غدا * يطوي الروابي ولا يلوي على الأكم ž
أجش كالرعد في ليل السعود ولا *** يشابه الرعد في بطش وفي غشم ž
كدمع عيني إذا ما عشت ذكركم *** أو خفق قلب بنار الشوق مضطرم ž
يزري بنابغة النعمان رونقها *** ومن زهير؟ وماذا قال في هَرِمِ ž
دع سيف ذي يزنٍ, صفحاً ومادحه *** وتبّعاً وبني شداد في إرم ž
ولا تعرج على كسرى ودولته *** وكل أصيد أو ذي هالة ٍ,وكمي ž
وانسخ مدائح أرباب المديح كما *** كانت شريعته نسخا لدينهم ž
رصّع بها هامة التأريخ رائعة *** كالتاج في مفرق بالمجد مرتسم ž
فالهجر والوصل والدنيا وما حملت **** وحب مجنون ليلى ضلة لعمي ž
دع المغاني وأطلال الحبيب ولا*** تلمح بعينك برقا لاح في أضم ž
وأنس الخمائل والأفنان مائلة *** وخيمة وشويـهات بذي سلم ž
هنا ضياء هنا ري هنا أمل *** هنا رواء هنا الرضوان فاستلم ž
لو زينت لامرء القيس انزوى خجلا *** ولو رآها لبيد الشعر لم يقم ž
ميمية لو فتى بوصير أبصرها *** لعوذوه برب الحل والحرم ž
سل شعر شوقي أيروي مثل قافيتي *** أو أحمد بن حسين في بني حكم ž
ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها*** هامت قلوب بها من روعة النغم ž
أثني على من؟ أتدري من أبجله؟ *** أما علمت بمن أهديته كلمي ž
في أشجع الناس قلبا غير منتقم *** وأصدق الخلق طرّا غير متهم ž
أبهى من البدر في ليل التمام وقل *** أسخى من البحر بل أرسى من العلم ž
أصفى من الشمس في نطق وموعظة *** أمضى من السيف في حكم وفي حكم ž
أغر تشرق من عينيه ملحمة *** من الضياء لتجلو الظلم والظلم ž
في همة عصفت كالدهر واتقدت *** كم مزقت من أبي جهل ومن صنم ž
أتى اليتيم أبو الأيتام في قدر *** أنهى لأمـته ما كان من يتم ž
محرر العقل باني المجد باعثنا *** من رقدة في دثار الشرك واللمم ž
بنور هديك كحلنا محاجرنا *** لما كتبنــا حروفا صغتها بدم ž
من نحن قبلك إلا نقطة غرقت **** في اليم بل دمعة خرساء في القدم ž
أكاد أقتلع الآهات من حُرَقي *** إذا ذكرتُك أو أرتاعُ من ندمي ž
لما مدحتك خلت النجم يحملني *** وخاطري بالسنا كالجيش محتدم ž
أقسمتُ بالله أن يشدو بقافية *** من القريض كوجه الصبح مبتسم ž
صه شكسبير من التهريج أسعدنا *** عن كل إلياذة ما جاء في الحكم ž
الفرس والروم واليونان إن ذكروا *** فعند ذكراه أسمال على قزم ž
هم نمقوا لوحة للرق هائمة *** وأنت لوحك محفوظ من التهم ž
أهديتنا منبر الدنيا وغار حرا *** وليلة الـقدر والإسراء للقمم ž
والحوض والكوثر الرقراق جئت به *** أنت المزمل في ثوب الهدى فقم ž
الكون يسأل والأفلاك ذاهلة *** والجن والإنس بين اللاء والنعم ž
والدهر محتفلٌ والجو مبتهج *** والبـدر ينشق والأيام في حلم ž
سرب الشياطين لما جئتنا احترقت *** ونار فارس تخبو منك في ندم ž
وصُفّدَ الظلم والأوثان قد سقطت *** وماء ساوة لما جئت كالحمم ž
قحطان عدنان حازوا منك عزتهم *** بك التشرف للتأريخ لا بهم ž
عقود نصرك في بدر وفي أحد *** وعدلا فيك لا في هيئة الأمم ž
شادوا بعلمك حمراء وقرطبة *** لنهرك العذب هب الجيل وهو ظمي ž
ومن عمامتك البيضاء قد لبست *** دمشق تاج سناها غير منثلم ž
رداء بغداد من برديك تنسجه *** أيدي رشيد ومأمون ومعتصم ž
وسدرة المنتهى أولتك بهجتها *** على بساط من التبجيل محترم ž
دارست جبريل آيات الكتاب فلم*** ينس المعلم أو يسهو ولم يهم ž
اقرأ ودفترك الأيام خُط به *** وثيقة العهد يا من بر في القسم ž
قربت للعالم العلوي أنفسنا *** مسكتنا متن حبل غير منصرم ž
نصرت بالرعب شهرا قبل موقعة *** كأن خصمك قبل الحرب في صمم ž
إذا رأوا طفلا في الجو أذهلهم *** ظنوك بين بنود الجيش والحشم ž
بك استفقنا على صبح يؤرقه *** بلال بالنغمة الحرّى على الأطم ž
إن كان أحببت بعد الله مثلك في **** بدو وحضر ومن عرب ومن عجم ž
فلا اشتفى ناظري من منظر حسن ***ولا تفوه بالقول السديد فمي ž
* * *
بعد، فهذه كلمات يسيرة كتبتها على عجل، أثارها في صدري ما قرأته عن مقارنه الأديان [1] وتخبطاتها حاشا الإسلام.
أسأل الله أن يجعلنا من المهتدين المقتدين بالرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - ويرزقنا أتباع سنته وشفاعته يوم القيامة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد