بسم الله الرحمن الرحيم
سلام على كل مؤمن مبتلى مغموم، سلام عليك إذا ودعت أبا كريما طالما مد يد المعروف إليك، سلام عليك إذا ودعت أمَّاً حنوناً طالما أسدت يد المعروف إليك، سلامٌ عليك إذا فجعت بها وقد كان ثديها لك سقاء وبطنها لك وعاء وحجرها لك حواء، سلامٌ عليك إذا ودعت الأصحاب والأحباب وخلفوك في هذه الدنيا وحيدا مع الذكريات، سلامٌ عليك إذا فجعت بهم وعظم مصابك بهم..
سلامٌ على من بات طريح الأسِرَّة البيضاء، سلامٌ على من نزل به البلاء فعظم عليه البلاء، سلامٌ على أهل البلايا من عباد الله المؤمنين، عظَّم الله أجركم وجبر الله كسركم وعوَّضكم خيري الدنيا والآخرة، ومن لكم غير الله يبدد أشجانكم وأحزانكم، ومن لكم غير الله يؤنسكم من الوحشة ويعيد إليكم ما فقدتم من النعمة، ومن لكم غير الله إذا دفعتم عن الأبواب إلا بابه، ومن لكم غير الله إذا صرفتم وخاب الرجاء إلا رجائه؟
أحبتي في الله: إنها الدار وأي الدار دار الدنيا والدناءة إن أضحكتك يوما أبكتك أياما وان سرتك يوماً ساءتك سنيناً وأعواماً هي الدار التي جعل الله - عز وجل - شرورها أعظم على المؤمن من شرورها على من كفر هي الدار التي جعل الله بلاءها على من بر أعظم من بلائها على من عجز فالمؤمن فيها غريب حتى يلقى الله فهو ابن الآخرة وليس ابننا لهذه الدنيا الدنيئة..
أخي المكروب أول وصية أوصيك بها إذا فجعت في نفسك أو اهلك وولدك أو مالك أو أي بلاءٍ, حل بك أن ترضى عن الله فوالله ما رضيَ عبدٍ, عن الله إلا أرضاه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن عِظم الجزاء على عظم البلاء وان الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)..
اعلم أخي في الله أنه إذا أصابك البلاء فرضيت عن الله أرضاك الله في الدنيا والآخرة وأقرَّ الله عينك وأثلج صدرك فكم من مصيبة عادت نعمة على العبد إذا رضي عن الله- تبارك وتعالى -وكم من بلايا رضي أصحابها زادتهم من الله قربة ومن الله رضاً وحبا..
سار الفضل - رحمه الله - في جنازة ابنه فتبسم فقالوا له لما تبسمت رحمك الله؟ قال احتسبت مصيبتي عند الله فذكرت ما لي عند الله فسلوت فضحكت، فكلما كان اليقين في قلب العبد وجدته أثبت جنانا واشرح لله صدراً والله ما رضي عبدٌ عن الله إلا جعل الله له من كل همٍ, فرجا ومن كل ضيقٍ, مخرجاً..
الوصية الثانية: أخي الحبيب هو علمك بأنه لا يرفع البلاء إلا الله وأنه لا يدفع هذا العناء الذي تجده إلا الله.. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصي أصحابه، فأوصى البراء بن عازب - رضي الله عنه - إذا أوى إلى فراشه أن يقول: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك رغبة ً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك)..
فأول ما يحس الإنسان بالبلاء، إذا أراد أن يفرج الله كربه وهمه أن يحس من أعماق قلبه أنه لا ينجيه أحد من هذا البلاء إلا الله - عز وجل -.. هذا نبي الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أوذي في الله فصبر فجمع له قومه ذلك الوادي العظيم من النار حتى إذا تأجج ذلك الوادي بناره صار مقبلاً على ذلك البلاء العظيم مسلماً لله - عز وجل - فيما ابتلاه فلما قدم قال له جبريل: هل لك من حاجة؟ ذلك الملك الذي لو أذن الله له لخسف الأرض ومن عليها بجناحه.
قال يا إبراهيم هل لك من حاجة؟ فقال إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: أما إليك فلا وأما إلى الله فحسبي الله ونعم الله الوكيل.. فقال الله - تعالى -: (يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم)
وقد أصيب بعض السلف وعظمت عليه هذه المصيبة وكانت آفة في جسده، وما زال يعرض نفسه على الناس حتى يئس من علاج هذا الداء، وقنط أن يشفى من ذلك البلاء، فدخل يوما من الأيام على رجل يتلو كتاب الله فسمعه يتلو قول الله - عز وجل -: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه)، فقال: اللهم أنا المضطر وأنت المجيب فارفع عني ما أنا فيه.. فما قام من ساعته إلا وهو معافى..
إذا دخل اليقين إلى قلب عبد لا يمكن أن يبرح وحاجته في قلبه، بل أن بعض الناس يمسي المساء وحاجته تضايقه وكربته تؤلمه، فيصدع إلى الله بالدعوة الصادقة، يعزٌّ على الله أن يصبح وحاجته في قلبه، تفرج عليه قبل أن يصبح.. وهذا من عظيم لطف الله علي العباد..
الوصية الثالثة: هو حسن الظن بالله تبارك وتعالى، فو الله ما أحسن عبدٌ ظنه بربه إلا كان الله عند حسن ظنه، إذا أصابتك المصيبة فأحسن الظن بالله وقل: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها..
ولذلك أحرص ما يكون الشيطان في بداية المصيبة أن يسيء ظنك بالله - عز وجل -، فإذا جاءت المصيبة جاءك الشيطان فقال لك: لو كان الله يحبك ما ابتلاك، فالله الله أن يسيء ظنك بالله تبارك وتعالى.. فمن اتقى الله جعل له من كل همٍ, فرجا ومن كل ضيقٍ, مخرجا.
أخي: الملك لمن؟ والكون لمن؟ والتدبير لمن؟ من الذي يجير ولا يجار عليه؟ ومن الذي يغيث ولا مغيث سواه؟ لو علم المكروب سعة رحمة الله - عز وجل - ما تألم من كربة، ولو أيقن المكروب بحلم الله به لا يمكن أن يصيبه بلاء في نفسه..
وأضرب لك مثال يسيراً لو أنك يوماً من الأيام سُئلت عن أرحم الناس بك وأحلم الناس عليك لقلت: أبي وأمي ولكان في قلبك يقينٌ أن لا أرحم في الناس منهما، والله ثم والله لرحمة والديك بك لا تأتي مثقال ذرة في رحمة الله - عز وجل - بك، ولَلَطف الله وحنانه وحلمه وأنت تقاسي الآلام وتكابد الأسقام أشد من رحمة والديك بك..
ولكن يريد أن يرفع درجتك، ويريد أن يحط خطيئتك، ويريد أن يخرجك من هذه الدنيا صفر اليدين من السيئات والخطايا حتى إذا وافيته وافيته بوجهٍ, مشرق منير من تلك البلايا.
وإن من عباد الله من هو والله حبيب لله، لا يبتليه الله - عز وجل - إلا لكي يدنو منه، يبتليه لكي يسمع صوته، يا رب.. يا رب.. إلهي.. سيدي.. مولاي.. يسمع إخباته، يسمع إنابته، فتكون أصدق شاهد على توحيده لله تبارك وتعالى.
أخي الحبيب: هذه البلايا وهذه الفتن بسطت لك لكي تكون سلَّماً إلى رحمة الله - عز وجل -، شعرت أو لم تشعر، فمن هذا الساحر الذي يستطيع أن يتخطى أمر الله - عز وجل -؟
ومن هذا العبد الذي يستطيع أن يقضي شيئاً لنفسه قبل أن يقضيه لغيره من دون الله - عز وجل -؟ فالله الله أن ينظر الله - عز وجل - إليك في البلاء وقد رفعت كفك إلى غير الله.. الله الله أن ينظر الله إليك في البلاء وقد تعلقت بغير الله جلا في علاه..
الله الله أن ينظر إليك في البلاء وقد صرفت شعبة من شعب قلبك تعتقد فيها أحد سواه.. وكم من أقوام استعاذوا واستجاروا بغير الله ففرج الله عنهم الكربات امتحاناً واختباراً، واستدرجهم منه علماً وحكمة واقتداراً ثم ابتلاهم بالبلاء الذي هو نهايتهم من حيث لا يحتسبون..
أخي الحبيب: إن فقدت الأموال فإنك لم تفقد ربها.. وإن فقدت الأبناء والبنات فإنك لم تفقد من أوجدها ومن خلقها.. وإن فقدت الآباء والأمهات فإنك لم تفقد من جُبلت قلوبهم على الحنان فأحسنوا ووهبوا يد المعروف إليك.. وإن فقدت شيء من جوارحك فقد أُعطيت الكثير.. فالله الله أن يخيب ظنك في رجائه أو تكون من عباده الذين ضل سعيهم بالرجاء في غيره.
الوصية الرابعة: التي أوصي بها كل مبتلى: الصبر على البلاء، قال الله - تعالى -يوصي نبيه: {واصبر وما صبرك إلا بالله}، وقال لعباده المؤمنين: {يأيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، وقال مثنيا على نبيه أيوب: {إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أوّاب}.
نعم العبد أيوب حينما أصيب في نفسه وأصيب في أهله وأصيب في ولده فصبر لوجه الله، و قال - عليه الصلاة والسلام - (ما أعطي عبدٌ عطاءاً أفضل من الصبر).. أخي في الله جرب في أي بلية نزلت بك أو مصيبة لا قدّر الله أحاطت بك فإذا صبرت وسلوت وتعزيت أحسست بنوع من الارتياح وأحسست بطمأنينة وانشراح وذلك عاجل ما يكون للصابرين.
أما العاقبة التي تجنيها فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن عاقبة الدنيا وجدنا ألذ عيشنا بالصبر، ما طابت الحياة ولا لذة الحياة بشيء مثل الصبر إن أصابتك المصيبة تعلقت بالله فسلوت فأصبحت لا تقلق ولا تجزع تحس أن الله- تبارك وتعالى -سيحسن لك العاقبة إما أن يزيلها أو يعظم لك الأجر فيها والله - تعالى -يقول في كتابه: {إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
كان بعض السلف - رحمهم الله - إذا اشتكى إليهم أحد مرضه قال له: اتق الله أتشتكي من يرحم إلى من لا يرحم؟ أي هل تشتكي الله إلى خلقه؟ فأكمل ما يكون الصبر إذا تعزى العبد بربه وبث أحزانه وأشجانه إلى خالقه..
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل لنا ولجميع المسلمين من كل همٍ, فرجا ومن كل بلاء عافية، اللهم فرِّج هم المهمومين ونفِّس الكرب عن المكروبين وسلّ عبادك المصابين يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.
وقبل الختام وقفة مع أهل العافية: - أخي الحبيب يا من أنعم الله عليك بالسلامة والصحة والعافية.. أولاً احمد الله جلا وعلا واشكره ومن تمام شكره أن تسخر هذه الجوارح في طاعته، فكم سمعنا ورأينا من يتمني أن يسجد لله سجدة ولا يستطيع، ومن يتمنى يحرك يده ليقلب صفحات المصحف ولا يستطيع، وكم سمعنا ورأينا من يتمنى أن يقضي حاجته ويطهر نفسه بمفرده ولا يستطيع وكم وكم... فاتقي الله في نعمه عليك واعتبر بغيرك قبل أن تكون (أنت) عبرة لغيرك.
ثانياً: زر وتفقد المرضي وأصحاب البلاء لتزداد شكراً الله ولكي تكون سبباً في تخيف شيء من مصابه بكلمة تثبته وتعزيه أو دعوة صادقة أن يشفيه أو هدية أو مساعدة مالية، واعلم أن سلوان المصابين وتثبيت قلوب عباد الله المؤمنين من أجلِّ القربات وأعظم الطاعات التي يحبها الله تبارك وتعالى..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد