هل زكيت نفسك ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فها هو رمضان قد ارتحل، حل علينا ضيفًا كريمًا، ثم ما لبثت أيامه ولياليه أن انقضت فهل استفدنا من هذه النفحات والبركات؟ هل غفر الله لنا الذنوب في رمضان، وقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم ما ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه. مَن السعيد منا الذي نال مغفرة الغفور الرحيم لنهنيه؟ ومَن المحروم الذي أدرك رمضان فأبعده الله ولم يغفر له الله لنبكيه ونعزيه؟ هل استفدنا من أبواب الجنة المفتحة في رمضان فتعلقت بها قلوبنا، وأخذنا بأسباب الوصول إليها ودخولها بالحرص على الطاعات والتنافس في القربات، وهل أنت من أهل الصلاة لتدخل من باب الصلاة؟ أم من أهل الصوم لتدخل من باب الريان؟ أم من أهل الصدقة والزكاة؟ أم من أهل الجهاد في سبيل الله؟ أم أنك أعرضت عن هذه الأبواب المفتحة كلها كأنها لا تعنيك وأقبلت تقتحم الشهوات والموبقات التي تقودك إلى النار، والعياذ بالله. هل استفدنا من رمضان في التعلق بأبواب الجنان بعد رمضان، وقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة من أي الأبواب الثمانية شاء». وأن من يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، فُتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء». إن أبواب الجنة تفتح يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء وعداوة وبغضاء فيقال: أنظروها حتى يصطلحا. [رواه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد]

 

 فهل أنت حريص أخي المسلم على أبواب الجنة وأبواب المغفرة، أم أن حظ نفسك من البغي أولى عندك من حظها من الرحمة والمغفرة والجنة؟ هل تطمع أن تكون من هذه الزمرة الطيبة المباركة التي تدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، وجوههم على هيئة القمر ليلة البدر، متماسكون يأخذ بعضهم بأيدي بعض؟ يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - الشفاعة العظمى لفصل القضاء، فيقال له: يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه، واشفع تشفع، فيقول: أمتي يا رب أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. [رواه البخاري ومسلم]

أتدري مَن هؤلاء المكرمون، إنهم سبعون ألفًا، وفي رواية: سبعمائة ألف يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، أتدري ما هي أوصاف من يدخلون الجنة بغير حساب؟ إنهم الذين جردوا التوحيد ولم يقعوا في الشرك صغيره ولا كبيره، هم الذين لا يسترقونº أي لا يطلبون الرقية من أحدº لأنهم لا يسألون إلا الله، ولا يكتوون وإن كان شفاؤهم في الكيº لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الكي، وقال: ما أحب أن أكتوي، ولا يتطيرون ولا يتشاءمونº لأن الأمور كلها بمشيئة الله وتقديره، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الطيرة وقال: «الطيرة شرك». وهم في أمورهم كلها يحسنون التوكل على الله - عز وجل -، فيأخذون بالأسباب الموصلة إلى خَيري الدنيا والآخرة، ويحرصون على ما ينفع من علم نافع وعمل صالح يقرب من الجنة، ويتركون كل ما يباعدهم عن الجنة ويقربهم من النار، يهتدون بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام، وطويت الصحف». [رواه الترمذي]

وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان». [رواه مسلم] هل زكيت نفسك وطهرتها من دنس الذنوب والخطايا، أم تركت لشهوات نفسك العنان تقودك إلى الطغيان، وتجرك إلى النيران، قال - تعالى -: ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلح من زكاها [الشمس: 7-9].

 

لقد ذكر الله النفس في القرآن الكريم ووصفها بأوصاف عدة، فذكر لنا المولى- تبارك وتعالى -نفسا تأمر بالسوء وتحض عليه فقال - سبحانه - على لسان امرأة العزيز: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم [يوسف: 53]. علامات النفس الأمارة بالسوء فالنفس الأمارة بالسوء علامتها أنها تحب الشهوات وتكره الطاعات، وهي أمارة بالسوء تأمر به مرة بعد مرة وتعتاده وتزينه، وقد قال - تعالى -: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب [آل عمران: 14].

 

وقد ذكر الله لنا أصناف الشهوات فاستوعبها، ولم يذكر لنا من الذي زينها هل هو الله؟ أم هو الشيطان؟ ولا شك أن الله - عز وجل - يزين الشهوات المباحة على سبيل الابتلاء والاختبار، كما قال - سبحانه -: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا [الكهف].

والشيطان يزين للناس الشهوات المحرمة والذنوب والمعاصي كما قال الله - سبحانه -: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل.

 

فالحلال من الشهوات أمرنا الله أن نأخذه من حله وننفقه في حقه من غير إسراف ولا مخيلة، والحرام من الشهوات نهانا الله عنه وجعله محرما. لقد كان عمر بن الخطاب يقرأ آية آل عمران فيبكي ويقول: «اللهم إنا لا نملك إلا أن نحب ما زينت لنا، فاللهم ارزقنا إياه من حله، ووفقنا أن ننفقه في حقه». أما الحرام من الشهوات فنعوذ بالله منه، ونعوذ بالله من شر أنفسنا أن تزينه لنا وأن تعتاده، ونعوذ بالله من شر الشيطان أن يزينه لنا ويحثنا عليه. ومن علامات النفس الأمارة بالسوء الامتناع عن الطاعات والتسويف فيها، إذا دعوتها إلى الإنفاق خوفتك من الفقر، وإذا دعوتها إلى قراءة القرآن سوفت وأجلت، وإذا دعوتها لصلاة الليل حدثتك عن حق الأهل والبدن، فهي ثقيلة في الطاعات حريصة على الشهوات. وهذا يبين لنا: لماذا أصبحنا مهزومين كأمة أمام أعدائنا فإننا لم ننهزم أمام أعداء الله إلا حين هزمتنا النفس الأمارة بالسوء، فلا يمكن للمسلم أن ينتصر على عدوه إلا إذا انتصر على نفسه أولا، وقد جعل الله لنا ميزانا نعرض عليه أنفسنا فقال - سبحانه -: فأما من طغى (37) وآثر الحياة الدنيا (38) فإن الجحيم هي المأوى [النازعات: 37- 39].

 

إن هذه النفس لا يمكن أن تزكو إلا إذا حاسبها الإنسان حسابا دقيقا، حاسبها كما يحاسب الشريك شريكه، حاسبها على الطاعات والتفريط فيها، وعلى المعاصي والاجتراء عليها، وعلى المباحات والانغماس فيها، والصوم من أعظم الأسباب المعينة على تزكية النفس حيث يعود الإنسان نفسه ترك الطعام والشراب والشهوة المباحة طاعة لله، فتتعود النفس الطاعة والانقياد.

الوصف الثاني للنفس النفس اللوامة وهي أرقى من النفس الأمارة بالسوء، تلومك على المعاصي والذنوب وهي التي يسميها بعض الناس تأنيب الضمير، أو الضمير الحي، وليس في الإنسان عضو اسمه الضمير ولكنها النفس اللوامة التي أقسم الله بها في كتابه، وما أقسم الله بها إلا لشرفها، قال - تعالى -: لا أقسم بيوم القيامة (1) ولا أقسم بالنفس اللوامة [القيامة: 1، 2].

والوصف الثالث للنفس النفس المطمئنة التي تحبب إليك الطاعة وتكره إليك المعصية، وتطمئن النفس بذكر الله - عز وجل - وذكر الموت والخشية من الله تبارك وتعالى. قال - تعالى -: ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وقال - تعالى -: يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي.

 

فهل نفسك التي دخلت بها رمضان هي نفسك التي خرجت بها من رمضان؟ نسأل الله - تعالى -أن يزكي نفوسنا، وأن يرزقنا تقواه.والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply