حصول المرغوب واندفاع المرهوب


  

بسم الله الرحمن الرحيم

ما الذي يُريده الناس في هذه الحياة؟

كل إنسان في هذه الدنيا يَتمنّى حُصُول مَطلوبه..واندِفاع مَرهوبه!

أن يتحقق له ما يُريد..وأن يُصرف عنه كل سوء ومكروه..

 

أليس كذلك؟

بلى

وهذا مُتحقِّق للمؤمن إذا حَقَّق الإسلام..

فإذا ما أسلَمَت جوارِح المؤمن لله رب العالمين.. وكانت مُنقادَة لله.. فقد تحقق له ما يصبو إليه.. واندفع عنه ما يَرهبه ويخافه..

 

إذا تَقَرّب المؤمن إلى ربّه شِبرًا تَقَرّب الله إليه ذِراعا..

وإذا تَقرّب المؤمن إلى ربِّـه- تبارك وتعالى -بالفرائض.. فقد أبرأ ذِمَّـتَه، وأرضى ربَّـه..

ولا يَزال المؤمن يتقلّب بين الطاعات.. ويتقرّب إلى رب الأرض والسماوات.. يتقرّب بِنوافِل الطاعات.. مِن نوافل الصلاة، ونوافل الزكاة، ونوافل الصِّيَام، ونوافل الحجّ والعُمرة..

 

ولسان حاله:

ركضا إلى الله بغير زاد *** إلا التقى وعمل المعاد

وكل زادٍ, عُرضَة للنفاد *** غير التقى والبر والرشاد

 

ولسان مَقَالِه: وعَجِلتُ إليك ربّي لِترضى..

لم يَكتفِ بالفَرائض حتى أدَّى النوافل..

حين يشعر المؤمن بِتقصيره في حقّ ربِّـه.. يدفعه إلى ذلك مَعرفة بِما يَجب لِربِّـه.

وحين يعترِف بِذَنبه..

فإن ذلك يَحمِله على زِيادة القُرُبات.. والازدياد مِن الطَّاعات..

لم يَستَثقِل الفرائض.. بل بَادَر إلى النوافل.. وسارع في الخيرات وإلى الخيرات.

 

وهذا سبب لِنَيل محبة الله، والفوز بِرضاه..

يَقُول الله - تعالى -في الحديث القُدسي: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ, أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ. رواه البخاري.

 

فإذا أحبّه ربّ العِزّة جاءته المَكرُمات.. وفاز بِعلُوّ الدَّرَجات..

مَن أحبّه رب العالمين جازاه أحسن الجزاء.. في الدنيا والآخرة..

 

ما جزاء هذا الذي تقرّب بالنوافل بعد أن تقرّب بالفرائض؟

يقول - تعالى -في الحديث القدسي:

فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبطِشُ بِهَا، وَرِجلَهُ الَّتِي يَمشِي بِهَا. رواه البخاري.

 

تلك هي أول المَكرُمات.. أن تُسلِم جَوَارِحه لله.. فلا تَعمل إلاَّ بطاعة الله..

إن أعطى.. فـ لله.. وإن مَنَع.. فـ لله..

إن أحبّ.. فـ لله.. وإن أبغَض.. فَفِي لله..

إن مَشَى فَفِي طاعة الله..

وإن بِطَش فَفِي ذَات الله.. جِهَادًا في سبيل الله.. أو إقامة لِحَدّ مِن حُدود الله.. أو أمرًا بالمعروف ونَهـيًا عن المُنكر..

وما عَدا ذلك فَقد سَلِم الخَلق مِن يَده وَرِجلِه ولِسَانه..

 

فَـيَا لِفَوز العَابِد..

مَسألَته مُتحقّقة..

إن لَجَأ إلى الله في دَفع مَكُروه دُفِع..

وإن تَذلل لِرَفع شَدائد وكُروب رُفِع..

إن استَعَاذ بِالله أُعِيذ..

 

يَقُول الله - تعالى -في الحديث القُدسي:

وَإِن سَأَلَنِي لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِن استَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ. رواه البخاري.

 

أي: ذلك الذي تَحَقَّقَت فيه تلك الصِّفَات.. ولَزِمَ تلك الطاعات.. مِن نَفلها وفَرضِها.. إن سأل الله أعطاه سُؤلَه.. وإن استَعَاذ بالله أعَاذَه مِمَّا يَخاف ويَحذَر..

 

المؤمن لا يَخِيب سَعيه.. ولا يَنقطِع أمَلُه..

حَـبل رَجَائه مَوصُول بالله..

 

إن سأل.. سأل مَن بِيدِه خزائن السماوات والأرض..

وإن استعاذ استَعَاذ بِمن له مقاليد الأمور.. إذ لا يَخرُج شيء عن حُكمه ومُلكِه وسُلطانه..

فالكلّ في قَبضَتِه.. لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء..

 

فمن لم يتحقق له مطلوب.. أو لَم يندفع عنه مرهوب.. فَلـيَعُد على نفسه بالـتٌّهة.. وليَرجِع عليها باللوم..

فَمِن قِبَل نفسه أُتِي..

وكما يقول ابن القيم:

فهو الجَانِي على نَفسِه، وقد قَعَد تَحت المَثَل السَّائر: يَدَاك أوكَتَا وَفُوك نَفَخ!

 

وربّ العِزَّة - سبحانه وتعالى - يُنادي عباده..

يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَاº فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَليَحمَد اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ. رواه مسلم.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply