جنة القلب


  

بسم الله الرحمن الرحيم

القرب من الله، جنة يعيش فيها السائرون إلى الله، يتفيؤون ظلالها، ويتقلبون في نعيمها، في حياتهم الدنيا، فيتذوقون من خلالها معنى الجنة الخالدة، وبهذه الجنة يطمئنون بمسيرهم، ويشعرون بالسعادة الغامرة تعمر قلوبهم، رغم كل الصعوبات التي يواجهونها، والعقبات التي تعترض مسيرهم، فيزداد في ظلالها عطاؤهم، ويعظم صبرهم وجهادهم، ويقوى التزامهم وثباتهم على منهج الله- سبحانه - كما أن دخولها في الدنيا دليل على دخولها في الآخرة، ومن حرم العيش في ظلال جنة القرب في الدنيا، حرم من دخول جنة الآخرة، قال بعض العارفين بالله: في الدنيا جنة من لم يدخلها، لم يدخل جنة الآخرة. قالوا: وما هي؟ قال: جنة القرب من الله

 

والله- تبارك وتعالى -يدعونا لهذه الجنة، ويذكرنا بها، ويرشدنا إلى ما يقربنا بها، نعم، يخبرنا عن الوسيلة الفاعلة التي ترحل بنا إلى هاتيك الجنة، جنة القرب والأنس به، - سبحانه -، قال - تعالى -: «كَلَّا لَا تُطِعهُ وَاسجُد وَاقتَرِب» (العلق: 19)، فهاتان وسيلتان كبيرتان، بهما تحل حتماً بجنة القرب، وتفوز بالحب والأنس، الأولى: أن لا تطيع غيره، وإن كان من المقربين، الذين تحسن بهم ظنك، وتفتح لهم قلبك، لا تطع هواك، ولا تطع نفسك، ولا تطع شيطانك..فطاعتهم تعني مخالفته، - سبحانه -، ومخالفتهم تعني طاعته، - سبحانه -، إن فعلت هذا وصدقت وأخلصت، جاءتك الوسيلة الثانية جائزة كريمة، ونعمة عظيمة، وهي السجود بين يديه، منزلة القرب الحقيقي منه، - سبحانه -، فأقرب ما يكون العبد من الله وهو ساجد

 

وحين يحصل للسائر القرب منه، - سبحانه -، فإنه يغدو في حال إيمانية عظيمة، يسوقه الشوق، ويذكره الحب، ويأخذ به إليه الفكر والنظر، فهو على موعد دائم، عبر عن هذه الحال الإيمانية العارف بالله، أبو بكر الشبلي، - رحمه الله -، شعراً بقوله

على بعدك لا يصبر... من عادته القرب

ولا يقوى على هجر... ك من تيمه الحب

فإن لم ترك العيـن... فقد أبصرك القلب

 

ونفهم من هذا أن الذي يصبر على البعد عنه، - سبحانه -، ويصبر على المكوث على معصيته، ويأنس بذنوبه، هو الذي ما ذاق طعم القرب من مولاه، - سبحانه -، ولم يحظ بشيء من لحظات القرب، ولم يتعرض لنسمات الأنس، أو تجليات الخلوة به.. أما من ذاق حلاوة القرب، وسعادة الأنس، ولذة المناجاة، فحاله حال أبي بكر الشبلي، وحال من وصفهم الله في كتابه، بقوله: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ» (السجدة: 16) وحين تتأمل في قوله (تَتَجَافَى) تدرك حقيقة حال القوم بليلهم مع ربهم. وحقيقة ما عليه الكثيرون من سائري أيامنا هذه.. وحال من اخبر عنهم المصطفى- صلى الله عليه وسلم - بقوله في وصف أهل الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك

 

فانظر- أخانا السائر- أين أنت، وما موقعك منه - سبحانه -؟

هل تشعر بالقرب منه؟! فلذلك علامات لا تخفى على الصادقين من السائرين.. فهل ثمة علامات تقوم شاهداً على صدق مسيرك، هذه السنوات الطوال من المسير إليه؟

 

فهو يدعوك للقاء حدده، وموعد ضربه، كل ليلة، في الثلث الأخير منها،

 فهل لك فيه نصيب، قل أو كثر؟

 

وهو يرشدك عند المصيبة تصيبك، والابتلاء يحل بساحتك، إلى أقوال تقولها، وحال تتلبسها، فهل أنت كذلك؟

هذه بعض علامات من حل بجنة القرب من مولاه، فهل عندك منها شيء تحمد عليه مولاك، أو لم تجد لها أثراً فترثي حالك، وتعيد النظر في مسيرك؟  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply