التربية في الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أكرمنا بالدين وأنعم علينا بالهداية لطريق المرسلين، أحمده - سبحانه - وأشكره وأسأله التوفيق وبرد اليقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ} [آل عمران: 102].

التعلم: طلب العلم والمعرفة،

والتعليم: إيصال العلم والمعرفة وبذلهما للآخرين.

العلم في الإسلام لا حد له ولا نهاية،

 

قال الله - تعالى -: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]. ومن أمعن النظر وأحسن التفكير وتتبع الأسباب المبثوثة في الكون، دله الخالق - سبحانه - على بعض أسرار خلقه قال - تعالى -: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَم يَعلَم} [العلق: 5].

وقال - سبحانه -: {سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقٌّ} [فصلت: 53].

وقال - سبحانه -: {وَمَا نُرِيهِم مِّن آيَةٍ, إِلاَّ هِيَ أَكبَرُ مِن أُختِهَا}[الزخرف: 48].

وكل علم نافع فهو مطلوب شرعاً.

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول من سعى لمحو الأمية، حين جعل فداء أسرى بدر أن يعلم كل منهم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.

ومهما كان مقام الإنسان عالياً ومنصبه سامياً فإنه لا يستغني عن التعليم، فهذا نبي الله داود - عليه السلام - مع حصوله على الملك والنبوة لم يستغن عن تعليم الله إياه، قال - تعالى -: {وَآتَاهُ اللَّهُ المُلكَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [251].

وموسى - عليه السلام - يلتمس من العبد الصالح مرافقته ليتعلم منه، قال - تعالى -: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَل أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمتَ رُشداً} [الكهف: 66].

وطلب منه المزيد قال تعالي: {وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلماً} [طه: 114].

قال سفيان بن عيينة - رحمه الله -: \"أول العلم الاستماع في الفهم ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر\".

ميدان التربية والتعليم من أهم الميادين، أثره كبير في تنشئه الأجيال، الذين هم قاعدة بناء المجتمعات والدول، ولما كان التغيير في المجتمعات والأمم يسير حسب سنة لا تتبدل {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ, حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم } [الرعد: 11]. فإن ميدان التغيير التربية والتعليم، وجيل المتعلمين اليوم هم قادة مجتمع الجيل القادم.

ولقد سارت التربية والتعليم في الواقع التاريخي للأمة الإسلامية فكانت وسيلة هداية، وطريقة خير للفرد والمجتمع والناس أجمعين، فقد كان الرسول - عليه الصلاة والسلام - هو المعلم الأول للأمة الإسلامية {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنهُم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ, مٌّبِينٍ,} [الجمعة: 2].

التربية في الإسلام تؤسس على قيم الأمة ومبادئها، وبهذا نعلم أنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تستعير مناهجها التعليمية من أمة أخرى أو تبقي منهجها على مواصفات أمة أخرى.

التربية الإسلامية تغذي العقل بالحقائق والمعارف، والنفس بالتربية والأخلاق، فنحن أمة نبي بعث بمكارم الأخلاق.

وفي عصرنا يظهر جلياً أن ضرر التعليم بلا تربية أكثر من نفعه.

فالتقدم التقني في الأطباق الفضائية مثلاً سخر للعري الماجن والمجون الفاضح، وقتل الحياء ووأد الفضيلة وتلويث العقول بالأفكار المنحرفة.

التقدم العلمي في الحضارة المادية المعاصرة ولّد قوى عظمى، لكنها قوى همجية لا أخلاق تردعها، ولا قيم تهذبها، قوى سيطرة واستبداد وامتصاص ثروات الضعفاء وسحق الأبرياء.

هذه الحضارة المادية، ولّد علمها الذي لم يهذبه دين ولم يقومه خلق، جيوشاً جرارة ترتكب المذابح، وتنحر السلام وتغتصب الفتيات، ونشأت في أحضان هذا العلم عصابات الاتجار بأعضاء البشر باعتبارها قطع غيار عالمية، إنه علم يجعل المنتمين له كالبهائم لا وازع لهم ولا حياء.

الثورة العلمية المادية لم توفر للناس طمأنينة القلب، وسكينة النفس وهدوء الأعصاب، والأمن الشامل، والسلام العادل، فالعالم ينـزف من ويلات القتل الجماعي والتدمير الإبادي، والتفجير الذي ينثر الأشلاء.. العالم يئن من موت الضمير وفقدان الأخلاق، فالسرقة والاختلاس والغش والرشوة والترويج والخيانات وغيرها شاع أمرها وفشا ضررها في العالم.. والسبب هو غياب التربية.

هذه مخرجات ما يسمى بالتربية الحديثة، لا تقيم وزناً لدين أو خلق.. تحركها المصلحة والمنفعة، تشعل حروب وتدمر قرى من أجل المصالح والمنافع، قوة لا تهتدي بنور الله. أما التعليم في الإسلام فنموذج فريد وتكامل بديع مع التربية الإيمانية الراسخة، إنها تنشئ جيلاً ربانياً يعمر الحياة ويبني الأرض ويقيم العقيدة في القلب والمشاعر والجوارح ويقوم بدور الخلافة، لتحقيق العبودية لله، ولتكون سمة المخرجات جسداً طاهراً وقلباً مؤمناً وعلماً نافعاً وحضارة تستنير بهدي الله.

 

التعليم في الإسلام

هو المنهج الوحيد الذي يربي الفرد وينمي شخصيته، ويجعله يطلب العلم ويسعى للنبوغ والريادة للبناء لا للهدم. للخير لا للشر. إنه لا يعتدي ولا يفسد ولا يدمر، يخشى من إراقة قطرة دم فضلاً عن تدمير قرى وبيوت على الأطفال والنساء والأبرياء كما تفعله جرافات أدعياء التقدم والحضارة.

 

أول خطوات التعليم تهيئه القلب،

تأديبه بأدب النبوة في الأمانة والصدق والاستقامة والعدل والإخلاص، وصلاح الظاهر وطهارة السريرة.. إلى غير ذلك من المثل العليا.

والمناهج والنصوص مهما كانت سامية لا يكون لها تأثير فعال إلا إذا تحولت إلى واقع متحرك وترجمة عملية في التصرفات والسلوك والمشاعر والأفكار. فحاجتنا إلى القلوب العامرة بالإيمان ليست دون حاجتنا إلى الرؤوس المشحونة بالمعلومات.

يخطئ كثيراً من يحصر التعليم في تكثيف المناهج وحشو المعلومات، ومع أهمية ذلك إلا أن تقدم الأمم يقاس بقدر التزامها بالقيم وتشبعها بالمبادئ وتمثلها بالأخلاق. إن أي حضارة وأمة لا تقوم مؤسستها التعليمية على التربية الرشيدة واقعاً عملياً لا يمكن أن تسير طويلاً مهما ارتقت وتفننت في الوسائل.

والذي يعمق الأسى ويفجر الحزن تتبع بعض أبناء المسلمين جحر الضب الذي نهينا عنه، وعدم الاعتبار بمآسي التعليم المادي الذي لا يصبغ بنور الإيمان وهداية القرآن.

وواقع الأمة يقتضي تغذية المناعة وتحصين الأجيال حذراً من أخطار محدقة بالعقيدة والفكر والسلوك، وهذا يتطلب تقييم مسارنا التربوي لصناعة الشخصية المسلمة.

والإهمال في تقويم السلوك أعظم خطراً وأشد فتكاً من الإهمال في تقويم المعارف والعلوم، ذلك أن السلوك المنحرف يتجاوز ضرره الفرد إلى المجتمع كله.

هذه الأم المسلمة والمربية الواعية تجلي لابنها وللأجيال الهدف من التعليم وقيمة التربية، تقول أم سفيان الثوري الذي غدا في عصره علماً وبين أقرانه نجماً ساطعاً: \"يا بني خذ هذه عشرة دراهم وتعلم عشرة أحاديث، فإذا وجدتها تغير في جلستك ومشيتك وكلامك مع الناس، فأقبل عليه وأنا أعينك بمغزلي هذا وإلا فاتركه، فإني أخشى أن يكون وبالاً عليك يوم القيامة\".

هذه المرأة المسلمة تؤسس للتعليم والتربية قاعدة كبرى، لا نفع للعلم بدون عمل ولا قيمة له بدون أثر في السلوك، نعم إن الأمة العظيمة وراءها تربية عظيمة.

أساس التربية والتعليم القرآن الكريم تفسيراً وفهماً وتجويداً وحفظاً، فهو النبع الذي لا ينضب والسعادة التي لا حد لها والعز المشيد والرقي الحميد، لم ترفع الأمة رأساً إلا بالقرآن ولم تنل العزة والمنعة إلا بتطبيق أحكامه. وحري بأمة الإسلام أن ترفع شأن القرآن في مناهجها وتعلي قدره، وتنتخب له أكفأ المعلمين وأفضل الأوقات.

لا يتصور يا أمة القرآن أن تكون مادة القرآن جافة جامدة لا روح فيها ولا أثر لها في الفكر والسلوك والأخلاق، والأدهى أن تشهد ضعفاً عاماً في القراءة والتلاوة فضلاً عن الفهم والتدبر.

عن عبد الله بن مسعود قال: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن).

قال الحسن البصري: (والله من تدبره من حفظ حروفه وأضاع حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، ولا يُرى للقرآن عليه في خلق ولا عمل).

قال عبد الله بن مسعود: (والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله).

وهنا نريد من طلاب العلم أن يزنوا حالهم على ضوء هذه النصوص، أين موقعهم من فهم القرآن؟ وما هو حظهم من هدايته؟.

ما أجمل أن تربط كل العلوم بالقرآن الكريم لتعيش الأجيال قلباً وقالباً مع القرآن وقريباً منه في كل منهج شرعي أو علمي.

قال الله - تعالى -: {أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [فاطر: 27]. وفي هذا إشارة إلى علم الفلك والخلق البديع.

وقال - تعالى -: { فَأَخرَجنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ, مٌّختَلِفاً أَلوَانُهَا } [فاطر: 27].

وفي هذا إشارة إلى الخلق العجيب في علم النبات، شكلاً ولوناً وحجماً.

ثم قال عز من قائل: {وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمرٌ مٌّختَلِفٌ أَلوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27].

وفي هذا إشارة إلى علم طبقات الأرض وما يتصل به، وبهذا تغذي المناهج على مختلف تخصصاتها القلوب بعظمة الله وخشيته وإجلاله في كل وقت وحين..

قال - تعالى -: {سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقٌّ} [فصلت: 53].

 

والتعليم في الإسلام

يجعل للمرأة تميزاً في المناهج، يتلاءم مع فطرتها وأنوثتها ووظيفتها، يقول الله - تعالى -: {وَلَيسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: ]. فإعداد الفتاة ليس كإعداد الفتى، المرأة لم تعد لتصارع الرجل في المصنع والمتجر ولتكون كادحة ناصبة.

إعدادها بما يناسب طبيعتها وينسجم مع وظيفتها المنتظرة. إعدادها لتكون زوجة تجعل بيت الزوجية جنة ورافة الظلال، تتفيأ ظلالها أسرة سعيدة، وأماً تغدق حنانها على أطفالها وتحسن تربية أولادها، وأي خدمة للأمة والوطن أجل وأعظم من صنع الرجال وتربية الأجيال، فهذه هي الثروة الحقيقية للأمة.

تجاهلت بعض المجتمعات طبيعة المرأة وتناست الفرق بين تركيبها وتركيب الرجل، فأودى بها ذلك في مهاوي التفكك والانهيار، نزلت المرأة إلى ميادين الرجل، تخلت عن تربية الأطفال، غفلت عن أنوثتها ففسد المجتمع وفسد المنـزل وتشرد الأطفال وتفككت عرى الأسرة، وساءت الأحوال..قال - تعالى -: {وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجنَ تَبَرٌّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً}[الأحزاب:33].

بارك الله لي ولكم في القرآن..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply