(( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ..))


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

معنى الاستقامة:

هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة.

وهي وسط بين الغلو والتقصير، وكلاهما منهي عنه شرعاً.

المؤمن مطالب بالاستقامة الدائمة، ولذلك يسألها ربه في كل ركعة من صلاته: {أهدنا الصراط المستقيم} ولما كان من طبيعة الإنسان أنه قد يقصر في فعل المأمور، أو اجتناب المحظور، وهذا خروج عن الاستقامة، أرشده الشرع إلى ما يعيده لطريق الاستقامة، فقال - تعالى - مشيراً إلى ذلك: {فاستقيموا إليه واستغفروه} الآية، فأشار إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، وأن ذلك التقصير يجبر بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها).

 

مقامات الدين التي يطالب بها العبد

قال - صلى الله عليه وسلم -: (سددوا وقاربوا)، فالسداد: الوصول إلى حقيقة الاستقامة، أو هو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.

وقوله: (قاربوا) أي: اجتهدوا في الوصول إلى السداد، فإن اجتهدتم ولم تصيبوا فلا يفوتكم القرب منه.

فهما مرتبتان يطالب العبد بهما: السداد، وهي الاستقامة، فإن لم يقدر عليها فالمقاربة، وما سواهما تفريط وإضافة، والمؤمن ينبغي عليه أن لا يفارق هاتين المرتبتين، وليجتهد في الوصول إلى أعلاهما، كالذي يرمي غرضاً يجتهد في إصابته، أو القرب منه حتى يصيبه.

 

أهميتها

مما يدل على أهميتها أمور، منها:

1ـ أنها في حقيقتها تحقيق للعبودية التي هي الغاية من خلق الإنس والجن، وبها يحصل للمرء الفوز والفلاح.

2ـ أن الله - تعالى -قد أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتحقيقها، وكذلك كل من كان معه، فقال: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} الآية، وقال: {فلذلك فأدع واستقم كما أمرت.. } الآية، وغير ذلك بها.

بل قد أمر الله - تعالى -بها أيضاً أنبياءه، فقال، في حق موسى وأخيه - عليهما السلام -: {قد أجيبت دعوتكما فاستقيما.. } الآية

3ـ ومما يدل على أهميتها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه سفيان بن عبد الله الثقفي ـ - رضي الله عنه - ـ يقول له: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قل آمنت بالله، فاستقم)

 

من أسباب الاستقامة ووسائل الثبات عليها

1ـ من أهم أسباب الاستقامة إرادة الله لهذا العبد الهداية، وشرح صدره للإسلام، وتوفيقه للطاعة والعمل الصالح، قال - تعالى -: {قد جاءكم من الله نور وكتابٌ مبين(15) يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراطٍ, مستقيم}

2ـ الإخلاص لله - تعالى -، ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى -: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين.. } الآية.

3ـ الاستغفار والتوبة.

وقد علق الله - تعالى -الفلاح والنجاح بالتوبة، فقال - تعالى -: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون}

4ـ محاسبة النفس:

قال - تعالى -: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ, واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم. اهـ.

فالمحاسبة تحفظ المسلم من الميل عن طريق الاستقامة.

5ـ المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة:

لأنها صلة بين العبد وربه، وهي من عوامل ترك الفحشاء والمنكر، قال - تعالى -: {إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر}الآية

6ـ طلب العلم: والمقصود به علم الكتاب والسنة، لأنه الوسيلة لمعرفة الله - تعالى -وكتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

7ـ اختيار الصحبة الصالحة: لأن الجليس الصالح يعين صاحبه على الطاعة وعلى طلب العلم، وينهيه على أخطائه، أما الجليس السيء فعلى العكس من ذلك تماماً، قال - تعالى -: {الأَخِلَّاء يَومَئِذٍ, بَعضُهُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ إِلَّا المُتَّقِينَ}

8ـ حفظ الجوارح عن المحرمات: وأهمها: اللسان فيحفظه عن الكذب والغيبة والنميمة وغيرها، ويحفظ بصره عن المحرمات، وليكن نصب عينيه قوله - تعالى -: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً}.

وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

9ـ معرفة خطوات الشيطان للحذر منها:

قال - تعالى -: {يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}

 

من ثمرات الاستقامة

قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبٌّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ (30) نَحنُ أَولِيَاؤُكُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ{31} نُزُلاً مِّن غَفُورٍ, رَّحِيمٍ,}

 

من هذه الآية وغيرها نستنتج بعضاً من ثمرات الاستقامة:

1ـ طمأنينة القلب بدوام الصلة بالله - عز وجل -.

2ـ أن الاستقامة تعصم صاحبها  بإذن الله - عز وجل -  من الوقوع في المعاصي والزلل وسفاسف الأمور والتكاسل عن الطاعات.

3ـ تنزل الملائكة عليهم عند الموت، وقيل: عند خروجهم من قبورهم، قائلين: {ألا تخافوا ولا تحزنوا} على ما قدمتم عليه من أمور الآخرة، ولا ما تركتم من أمور الدنيا من مال وولد وأهل.

4ـ حب الناس واحترامهم وتقديرهم للمسلم، سواء كان صغيراً أو كبيراً على ما يظهر عليه من حرص على الطاعة، والخلق الفاضل.

5ـ وعد الله المتقين أن لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم، وتلذ أعينهم، وتطلبه ألسنتهم، ‘حساناً من الله - تعالى -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply