بسم الله الرحمن الرحيم
عندما قال الله - تعالى -: (إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) [فاطر: من الآية28]º فلأنهم أقرب العالمين إلى التدبر والخشوع الحقيقي، والدعوة إلى الله على بصيرة، والجهاد في إيصال تلك الحقائق المتعلقة بالعبادة للناس، وهذا نهج الرسول - عليه الصلاة والسلام - ومن سار من بعده إلى يوم يبعثون.
ولأن القرآن هو الدستور الخالد الذي نستقي منه العلم والعبادات إلى يوم القيامة، وهو كلام الله الذي أوحى به إلى عبده ونبيه محمد - عليه الصلاة والسلام - والذي يتعدى واجبنا تجاهه الحناجر إلى المشاعر والسلوكيات. فالمتأمل بل المتدبر في كثير من آياته يستشعر هيبة الله - تعالى -وكلامه الحق، ولاسيما عندما يربطه بما يحدث في الكون، وكله في أصله بتدبير الله - تعالى -وحكمتهº لنتأمل هذه الآية على سبيل المثال: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البَرقَ خَوفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ) [الرعد: 13]، ويقول - سبحانه -: (سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقٌّ) [فصلت: من الآية53]، وللأسف لا يزال بيننا ممن تخطّى حدود التفاؤل إلى الغفلة يتجاهل عملية الربط هذه استنادًا إلى نفسيته المنغمسة في الصفاء المادي أو نصف علمه، والله - تعالى - يقول: (وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء: من الآية85] إذا كان هذا الأمر يشمل العلماء، فما حال أنصاف العلماء، بل ومن لا علم شرعياً لديه؟!
ولا أعلم: هل ينتظر مثل أولئك أو البعض منّا أن تقوم الساعة وهم ينظرون، وقد جاء أشراطها، أم يحل الأمر بأرضهم لا قدّر الله- حتى يعلموا أنه الحق، ويسلموا تسليماً، ولنا في فرعون عدو الله، وقوم عاد وثمود عبرة وأيما عبرة (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى) [النازعـات: 26]،، هذا الكلام أعني به ليس غير المسلمين وحسب، بل أعني به أيضاً عدداً كبيراً من المسلمين ذوي الثقافة الدينية المحدودة، أو من ذوي التعايش السلمي إن جاز لي التعبير- مع النصوص الشرعية، والعلم الشرعي، والغافلين من باب أولى.. والذين يتذكرون جيدًا أنصبتهم من الدنيا على حساب الآخرة، ولا يعني هذا أن المؤمن نفسه لا يخاف. بل لطالما خاف رسول الهدى والسماحة الأقرب إلى الله من أن يقع عذاب اللهº فمن يأمنه؟!
وفي حديث صحيح قالت عائشة - رضي الله عنها- : \"يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟ فقال: \"يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب، فقالوا: هذا عارض ممطرنا\" (رواه البخاري ومسلم).
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: \"اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أُرسلت بـه\" (رواه مسلم).
ولنتأمل هذه الآية الكريمة، حيث يقول الله - عز وجل -: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ) [الروم: 41] إن المتأمل في هذه الآية الكريمة ليدرك أن ما يحدث من كوارث وحروب وابتلاءات مرتبطة بعد إرادة الله في الغالب بمعاصي الخلق والإصرار على الذنوب، وظهور البدع، وغياب الدور الآمر الناهي في سبيل الخير والإصلاح ليس في بلاد بعينها، وإنما في بلاد العالمين قاطبة (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ,) [هود: من الآية83]، ويقول الحق - جل وعلا -: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَو تَحُلٌّ قَرِيباً مِن دَارِهِم حَتَّى يَأتِيَ وَعدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ)[الرعد: من الآية31] وفي أهون التوقعات تأتي لإنعاش القلوب الخاملة.
وأما من يقول: وما ذنب المستضعفين أو الصالحين أن يعمهم مثل تلك الكوارث والابتلاءات التي نسمعها ونشاهدها اليوم؟
فيرد عليهم هذا الحديث: حيث خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فزعًا محمرًا وجهه، يقول: \"لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعه الإبهام، والتي تليها، قالت زينب بنت جحش - رضي الله عنها - فقلت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث\" (رواه مسلم).
العلماء يدركون ذلك، أما غير العلماء فمنهم من ينكر ومنهم من يتجاهل، ومنهم من يريد قلب الحقائق رأسًا على عقب.
وحسبنا التأمل والتدبر فيما يحدث. حيث يخاف المسلم على دينه في وقت يكثر فيه ظهور الفتن، فيصبح المؤمن كافرًا ويمسي الكافر مؤمنًا، ويصبح بالفعل القابض على دينه كالقابض على الجمر في زمن يأتي أو يقترب كما قال - عليه الصلاة والسلام -.
ولنتأمل في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيغيض\" (رواه البخاري).
وفي حديث صححه الألباني: \"رفع وهو يوحى إلي أني مكفوت غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلاً، بل تلبثون حتى تقولوا متى وستأتون أفنادًا يفني بعضكم بعضًا، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل\"
إن هذا الأمر لا يعني صفوة العلماء، والمستقيمين، وحسب، بل هي فرصة للمقصرين ومن منا لم يقصر- والخطائين وكل ابن آدم خطاء للرجوع إلى الله تعالى- وتفقد جوانب القصور، وعدم الإصرار على المعصية، أو كل ما ينأى بنا عن النهج المستقيم.
ويحذر الله - تعالى - ممن يستمع القول فيستهزئ به، أو يلمز القائلين الحق والداعين إليه، وليست القوانين أو البروتوكولات الدولية هي ما يعلي من شأن العلماء بل إنه الخالق جلا وعلا- من يأمر بطاعتهم واحترامهم واتباعهم.
قال - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُم تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافسَحُوا يَفسَحِ اللَّهُ لَكُم وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ, وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11].
وقد قال بعض المنافقين ما رأينا أرغب بطونًا ولا أجبن عند اللقاء من قرائنا هؤلاء.. فنزل قوله - تعالى -: (وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِئُونَ) [التوبة: 65]، إنني لأحترم رجلاً يقول: لا أعلم، أو يعترف بتقصيره، على رجل يدّعي أنه على حق وغيره على باطل، أو يخوض ويفتي بغير علم أو ينفي بشدة أن ما يحدث بسبب أعمال الناس بعد إرادة الله. ومع العلم أن الله - تعالى -يعفو عن كثير!
إن مقياس الصحة والتقدم الذي نحكم به على الأمم والشعوب يجب أن يؤطّر في إطار شرع الله تعالى- ونهجه القويم (ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ)[التوبة: من الآية36]، وهذا المقياس من صنع الحق -تبارك وتعالى-، وليس من عند أنفسنا، حيث قال - سبحانه -: (أَفَمَن أَسَّسَ بُنيَانَهُ عَلَى تَقوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضوَانٍ, خَيرٌ أَم مَن أَسَّسَ بُنيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ, هَارٍ, فَانهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ)[التوبة: 109]، وقوله - سبحانه - في أساس التعامل بين الناس: (إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم) [الحجرات: من الآية13].
نعم التقوى والتي منها نرفع التقي بل والعالم كما رفعه الله - تعالى -، ونحبه دون أن نتقايض معه أي مصلحة مادية، ودون أن ننظر إلى أي القبائل ينتمي، ومن أي الجنسيات هو، ونتبعه ونناصره، بل ونحمد الله - تعالى -على وجوده بين ظهرانينا درءًا -بعون الله- للمفاسد والانحرافات والضلالات والكوارث.
وحذار من الاستهزاء بالعلماء ورثة الأنبياء وخلفائهم ممن تضع الملائكة أجنحتها رضا لهم، ومن يستغفر لهم من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، الذين فضلهم عظيم، وشأنهم جليل، كما قال - عليه الصلاة والسلام - في حديث رواه أبو داود وابن ماجة، وجاء في حديث آخر صححه الألباني: \"إن الله - عز وجل - وملائكته، وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير\" (الألباني وصححه).
نعم. والحذر من اتباع الأهواء، أو الحكم بغير علم، ودون الرجوع إلى النصوص الشرعية. وذوي العلم الشرعي، قال- تعالى -: (وَلَقَدِ استُهزِئَ بِرُسُلٍ, مِن قَبلِكَ فَأَملَيتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذتُهُم فَكَيفَ كَانَ عِقَابِ) [الرعد: 32].
والرسول عليه البلاغ وعلى الله الحساب، نسأل الله ولينا ومولانا أن يجنبنا وبلادنا وبلاد المسلمين الفتن والشرور والمحن، ويهدينا - سبحانه - إلى صراطه المستقيم، إنه - سبحانه - ولي ذلك والقادر عليه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد