بسم الله الرحمن الرحيم
\"وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ\"
التوبة النصوح هي أن يعزم المرء أن لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وهي وظيفة العمر، وحكمها الوجوب من كل الذنوب والآثام، وجائز أن يتوب من بعضها دون بعض عند أهل الحق وهم أهل السنة، وخالف في ذلك من لا يؤبه بخلافهم ولا يُسَرٌّ بوفاقهم وهم المعتزلة.
اعلم أخي الكريم أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار، واعلم كذلك أن رسولك الكريم كان يستغفر الله في اليوم مائة مرة، وفي رواية: \"والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة\"، هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف بنا نحن وكلنا ذنوب وآثام؟!
وباب التوبة مفتوح ما لم يغرغر العبد أو تخرج الشمس من مغربها.
والتوبة تجب ما قبلها وتمحوه.
والحذر كل الحذر من تأخير التوبة وطول الأمل.
قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة.
وقال آخر: لا تكن ممن يرجو الآخرة من غير عمل، ولا تؤخر التوبة لطول الأمل.
قال أحكم الحاكمين: \"وَمَن لَّم يَتُب فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ\".
إذا كانت التوبة في حق الشباب واجبة، فهي في حق من نزل بهم الشيب أوجب وآكد.
قال ابن رجب الحنبلي: (من نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل التي تمت شهورحملها، فما تنتظر إلا الولادة، كذلك صاحب الشيب لا ينتظر غير الموت، فقبيح به الإصرار على الذنب).
من أحب من السلف أن يستقبل الموت بتوبة نصوح
قال عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عند موته: \"اللهم أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فتركنا، ولا يسعنا إلا عفوك، لا إله إلا الله\"، ثم رددها حتى مات.
وقال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - عند موته: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: \"أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله\"، ثم رفع رأسه فأحدَّ النظر، فقالوا له: إنك تنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين، قال: \"إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن\"، ثم قبض.
ولما احتضر عامر بن عبد الله بن الزبير بكى، وقال: \"لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون، اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي، وأتوب إليك من جميع ذنوبي، لا إله إلا الله\"، ثم لم يزل يرددها حتى مات.
ولما احتضر العلاء بن زياد بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: \"كنت والله أحب أن أستقبل الموت بتوبة\"، قالوا: فافعل رحمك اللهº فدعا بطهور فتطهر، ثم دعا بثوب له جديد فلبسه، ثم استقبل القبلة، فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك، ثم اضطجع ومات.
علينا أن نستقبل رمضان بتوبة نصوح من جميع الذنوب، وأن نعزم على أن لا نعود، اللهم اختم لنا بخير، واجعل عاقبة أمورنا كلها على خير، وصلى الله وسلم على نبينا، وآله، وصحبه، والتابعين لهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد