توالت ردود الفعل الإسلامية المنددة بتصريحات بابا الفاتيكان "بنيديكت السادس عشر" والتي اثارت عاصفة سياسية في أوساط العالم الإسلامي، حيث اعتبرت هذه التصريحات مسيئة للدين الإسلامي وللنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقد أدان البرلمان الباكستاني بالإجماع تصريحات البابا بنيديكت السادس عشر الأخيرة حول الإسلام...
أدان البرلمان الباكستاني بالإجماع تصريحات البابا بنيديكت السادس عشر الأخيرة حول الإسلام، وطالب باعتذار رسمي من البابا وذلك في أول رد فعل رسمي على تلك التصريحات. ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية تسنيم أسلم تلك التصريحات بأنها تنم عن جهل بالمبادئ الأساسية للإسلام. وقالت إن ما صدر عن بابا الفاتيكان يؤسف له وينم عن التحيز. وأضافت أن الإسلام هو دين الفطرة والعقل والإنسانية وأنه يحث أتباعه على ذلك "لذا فمن المستهجن أن يقول قائل اليوم إن الإسلام لا يعترف بالمنطق وإنه اعتمد السيف في نشر الدعوة".
كذلك انتقد تصريحات البابا إعجاز احمد عميد الجالية الباكستانية في ايطاليا والعضو في اللجنة الحكومية الاستشارية حول الإسلام في تصريحات لوكالة الأنباء الايطالية، داعيا البابا إلى "سحب كلامه". وقال "إن العالم الإسلامي يعيش حاليا أزمة عميقة وأي هجوم من الغرب قد يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمة". وبدورهم انتقد الباحثون والقادة الدينيون في باكستان بشدة تصريحات بابا الفاتيكان، وحثوه على لعب دور ايجابي في التقريب بين الإسلام والمسيحية.
وقال خورشيد احمد من معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد انه "من المؤسف أن زعيما دينيا بمقامه يصدر تصريحات يمكن أن تثير تنافرا دينيا". وأضاف إن "موقف البابا مختلف عن سلفه. بدلا من التقريب بين الإسلام والمسيحية، بدأ توتير العلاقة بين الديانتين". ومن جانبه، حث حافظ حسين احمد، وهو زعيم بارز في حزب جمعية علماء المسلمين وعضو في البرلمان الباكستاني، البابا على عدم الاستلهام من الرئيس الأمريكي جورج بوش.
وقال إن "البابا شخصية محترمة ليس فقط بالنسبة للمسيحيين بل وبالنسبة للمسلمين أيضاً. ينبغي أن لا ينخفض بمقامه بإعطاء تصريحات مشابهة لتصريحات بوش". وأضاف إن "الجهاد وسيلة للدفاع ونحن نقبل أن يتحدث البابا ضد العدوان". وفي كشمير، دعت رابطة المسلمين، وهي جماعة انفصالية كشميرية، إلى تنظيم مظاهرات بعد صلاة الجمعة للاحتجاج على تصريحات البابا. ووصف جواد أحمد جامدي، وهو من علماء الشريعة في باكستان، تصريحات البابا بأنها: غير مسؤولة".
ومن جهتها، عبّرت منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تضمّ في عضويتها 57 دولة مسلمة وتتخذ من جدة بالمملكة العربية السعودية مقرا لها، عن أسفها لتصريحات البابا "والأراجيف الأخرى التي تسيء للإسلام. " كما عبّرت عن أملها في أن لا تعكس هذه الحملة المفاجئة نية جديدة من قبل سياسة الفاتيكان تجاه الديانة الإسلامية. " وفي الكويت، حث الأمين العام لحزب الأمة الكويتي حاكم المطيري البابا على تقديم "اعتذار فوري صريح للعالم الإسلامي عما صدر عنه من طعن بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وبالدين الإسلامي".
وحذر المطيري من "خطورة مثل هذا الخطاب البابوي غير المعهود وغير المسبوق" وربط بينه وبين ما اسماه "الحروب الغربية الجديدة على العالم الإسلامي كما في العراق وأفغانستان ولبنان" معتبرا أنها "حروب صليبية تغذيها أحقاد تاريخية ودينية". من جهته، رفض وكيل المراجع الشيعية في الكويت السيد محمد باقر الموسوي المهري كلام البابا معتبرا انه "مخالف للحقيقة والواقع"، داعيا بنيديكت السادس عشر إلى الاعتذار.
وقال إن "هجوم (البابا) غير المبرر على الإسلام وعلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - تناقض واضح وصريح مع الدعوة لحوار الحضارات بل تصريح يفتح باب العداء بين أصحاب الديانات السماوية". وأضاف "نطلب من البابا الاعتذار رسميا أمام العالم حتى نستطيع أن نغلق باب العداء ويسود الأمن والأمان والمحبة في جميع أرجاء العالم". وفي مصر، طالب مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف الدول الإسلامية بالتهديد بقطع علاقاتها مع الفاتيكان وقال عاكف إن البابا بنيديكت السادس عشر قد صب الزيت على النار بتصريحاته وأثار غضب العالم الإسلامي، وأن تصريحاته لا تعكس فهما صحيحا للإسلام.
ومن جانبه أعرب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي عن أسفه لتلك "المغالطات والإساءات التي لم يكن لها مبرر والتي أساءت لمليار مسلم"، مطالبا البابا بالاعتذار الصريح عن كل ما صدر عنه. وأوضح القرضاوي في لقاء مع قناة "الجزير"ة أن "الإسلام فرض الجهاد دفاعا عن النفس وأن الإسلام لم ينتصر بالسيف بل انتصر على السيف الذي سلط عليه منذ البداية". وفي تعليقه على اتهامات البابا بأن العقيدة بالإسلام تقوم على أساس إن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق، وقال القرضاوي إن الإسلام دين يمجد العقل والتفكير ودين جاء بالمزج بين الدنيا والآخرة وبين الروح والمادة.
من جهة أخرى اعتبر رئيس المحاكم الشرعية السنّية العليا بلبنان ما قاله البابا في حق العقيدة الإسلامية، كلاما خطيرا، ودعاه للاعتذار عن ذلك. واعتبر الشيخ محمد كنعان باتصال مع الجزيرة أن تلك التصريحات تنم عن انحياز البابا الكامل للصهيونية، محذرا من أن من شأن تلك التصريحات أن تغذي مشاعر الكراهية. كما استدعى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، السفير البابوي في بيروت من اجل تقديم احتجاج وطلب توضيح الموقف الصادر عن البابا بنيديكت السادس عشر بشان الإسلام. وجرت اتصالات للغاية نفسها بين بيروت وروما. وترددت معلومات، عن توجه لدى أئمة المساجد من المسلمين السنة والشيعة للتطرق إلى الأمر في خطب الجمعة، اليوم، فضلا عن احتمال حصول تحركات عفوية بعد صلاة الجمعة، حيث تقرر أن يشدد الجيش وقوى الأمن اجراءاتهما الأمنية اليوم في العاصمة ومعظم المناطق.
وفي المغرب، اعتبر النائب عبد الإله بن كيران احد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، أن تصريحات البابا تشكل إهانة لمليار مسلم. وأضاف بن كيران ان "ما أخشاه أن تكون تصريحات البابا سعيا للانحياز إلى العقيدة الصهيونية (للرئيس الأمريكي) جورج بوش". واعتبر بن كيران أن "الجهاد مفهوم إسلامي، أما الإرهاب فشيء آخر"، وأضاف أن "الإيمان أساس الدين الإسلامي"، داعيا ملوك ورؤساء الدول الإسلامية إلى إعلان موقفهم من تصريحات البابا. وقالت صحيفة "اوجوردوي" (اليوم) المغربية بدورها ان البابا اثار غضب مليار مسلم "بلا طائل".
من جانبه، طالب رئيس المجلس الفرنسي للديانة المسلمة، أعلى هيئة للمسلمين في فرنسا، دليل بوبكر الخميس الفاتيكان بتوضيح تصريحات البابا. وفي ألمانيا، قال الأمين العام للمجلس المركزي لمسلمي ألمانيا أيمن مزيك أن الكنيسة الكاثوليكية غير مؤهلة لانتقاد الإسلام بسبب تاريخها. وأشار أيمن مازيك في رده إلى "الحملات الملطخة بالدماء" في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. ونقلت صحيفة زودويتشه تسايتونج الالمانية الخميس عن مازيك قوله "بعد الحملات الملطخة بالدماء للتحول للمسيحية في أمريكا الجنوبية، والحملات الصليبية على العالم الإسلامي، وتطويع نظام هتلر للكنيسة، وحتى استحداث البابا اربان الثاني لمصطلح الحرب المقدسة، لا أعتقد أنه يحق للكنيسة أن تشير بإصبع الاتهام للأنشطة المتطرفة في الديانات الأخرى".
لكن مازيك قال إنه لا يعتقد أن تصريحات البابا قصد بها تصوير الإسلام باعتباره دينا يحض على العنف ولكنها تذكرة بأن هناك جماعات تستخدم الإسلام كغطاء يخفي النوايا الحقيقة للتطرف. وأثارت كلمات البابا غضبا أيضا في تركيا التي من المقرر أن يقوم بزيارته الخارجية المقبلة لها في نونبر بدعوة من الرئيس احمد نجدت سيزر. ونقلت وكالة الأناضول عن علي بارداكوجلو رئيس الادارة العامة للشؤون الدينية بانقرة قوله: "إنه ينبغي للبابا بنديكت أن يعتذر عن تعليقاته بشأن الإسلام ويعيد النظر في خططه لزيارة تركيا في وقت لاحق من العام الجاري".
ونقلت الوكالة عن بارداكوجلو قوله: إن كلمات البابا "مؤسفة بشدة ومثيرة للقلق...للعالم المسيحي وسلام البشرية بأسره.وكان البابا قد انتقد بشكل مبطن خلال زيارته لبلده الام ألمانيا مفهوم "الجهاد" في الإسلام. وقال البابا "إن العنف لا يتوافق مع طبيعة الرب وطبيعة الروح"، وذلك خلال محاضرة ألقاها الثلاثاء أمام الأكاديميين في جامعة ريجينزبورج. وكان محور كلمة البابا هي قضية العقل والدين وكيف أنه لا يمكن فصلهما وضرورتهما "للحوار الحقيقي بين الثقافات والديانات الذي نحن بحاجة ماسة إليه اليوم".
واستشهد البابا بمقطع من كتاب يحوي محادثة بين الإمبراطور البيزنطي المسيحي مانويل باليولوجوس الثاني وأحد المثقفين الفارسيين حول حقائق المسيحية والإسلام في القرن الرابع عشر. وقال البابا "وتحدث الامبراطور عن موضوع الجهاد، الحرب المقدسة. وقال الإمبراطور - وأنا هنا أقتبس مما قاله - أرني شيئا جديدا جاء به محمد، وهنا لن تجد إلا كل ما هو شر ولا إنساني، مثل أوامره بنشر الإسلام بحد السيف".
ولإدراكه لحساسية القضية كرر بنيديكت مقولة "أنا اقتبس" مرتين قبل أن ينقل ما جاء من عبارات عن الإسلام والتي وصفها بأنها "فظة"، بينما لم يتفق معها أو يرفضها بشكل صريح. وأضاف البابا: "وواصل الإمبراطور كلامه ليشرح بالتفصيل لماذا كان نشر العقيدة باستخدام العنف يمثل أمرا منافيا للعقل". لكن بنيديكت لم يتناول رد عالم الدين الفارسي على اتهامات الإمبراطور. هذا وقد أصدر الفاتيكان بيانا قال فيه إن البابا لم يقصد مطلقا الإساءة إلى الإسلام.
وقال المكتب الصحفي للفاتيكان في بيان بأنه لم يكن في نية البابا بالتأكيد إجراء دراسة متعمقة للجهاد والفكر الإسلامي بشأنه. وأضاف بيان لكبير المتحدثين باسم الفاتيكان فدريكو لومباردي إنه من الواضح أن نية البابا هي تشجيع موقف الاحترام والحوار تجاه الأديان والثقافات الأخرى ومن الواضح أن ذلك يشمل الإسلام. وقال لومباردي إن قراءة متأنية لمحاضرة البابا ستظهر إن ما يعني البابا فعلا هو رفض واضح وجذري للدوافع الدينية للعنف.
ورأى بعض خبراء الفاتيكان أن البابا أراد، على ما يبدو، وضع شروط لحوار مع المسلمين قبل زيارته المقررة إلى أنقرة بين 28 و30 نونبر. وقد عارض بنديكتوس الـ16 باستمرار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وكان بنيديكت السادس عشر قام منذ بداية ولايته البابوية بخطوة لافتة بإرساله رئيس مجلس الحوار بين الديانات رئيس الأساقفة، البريطاني مايكل فيتزجيرالد إلى منصب ممثل الكرسي البابوي في مصر ولدى الجامعة العربية. وفسر هذا القرار على انه إبعاد لفيتزجيرالد الذي كان يقود حوار الكنيسة الكاثوليكية مع الإسلام.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد