بسم الله الرحمن الرحيم
إن الله - سبحانه وتعالى - خلق العباد لغاية عظيمة ومقصود واضح ألا وهو عبادته -جل جلاله-، ولكي تتحقق هذه الغاية ويتم هذا المقصود لابد أن تكون العلاقة بين العبد ومعبوده قائمة على أساس واضح ومتين، ومبنية على تصور متبادل من المحبة بين العبد وخالقه، لأن المعبود إنما استحق العبادة لصفاته وكماله وأهليته للعبادة، التي جعلت العبد متعلق به في كل شيء ويحتاجه في أدق أمور حياته ولا يمكنه الاستغناء عن خالقه أبدا . ولا يتحقق الصدق في العبادة وإخلاصها إلا بعد أن يتم الحب من العبد لمن يعبد وكلما ارتقى العبد وزاد في محبته لخالقه زادت العلاقة وثوقا وتماسكا بين العبد وخالقه.
عباد الله: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضح لنا بصفته باب الهداية للخلق جميعا هذا الطريق، بل إنه - صلى الله عليه وسلم - أعطانا المفاتيح التي نفتح بها باب محبة الله - سبحانه - وكان أول هذه المفاتيح إنما هو إتباع هديه - صلى الله عليه وسلم - والسير على سنته فقال الله - سبحانه -: ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)), ومن هنا إخوة الإسلام إن أول برهان على محبة الله - تعالى -إنما هو إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والتزام الدين الذي جاء به - عليه الصلاة والسلام - .
أيها المسلمون: كثيرون هم الذين يدّعون حب الله ورسوله، والكلام في هذا سهل على اللسان ولكن السؤال المفروض هل كل من ادعى ذلك صادق ؟! لا شك عباد الله أن الذي يدعي محبة الله لا بد من صفات تظهر عليه ولا بد لأفعاله أن تصدق أقوالهº لأن الذي يسير في المعاصي والمحرمات ولا يدع طريقا للشر إلا ويسلكه ثم يدعي بعد ذلك محبة الله - تعالى - هذا كاذب لا محالة، إذ يتنافى ادعاء محبة الله مع ارتكاب المعاصي ولا يلتقيان أبدا ورحم الله من قال:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه * * * لعمري هذا في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * * * إن المحب لمن أحب مطيع
لذلك أخوة الإسلام أول ما يصدق العبد بمحبته لله هو قيامه بالفرائض المفروضة عليه ثم بعد ذلك الزيادة في النوافل والسنن حتى يرتقي العبد بدرجته عند الله فيصبح وليا من أولياء الله - تعالى - يعلن الله - تعالى - الحرب على من عاداه ويصبح ذلك العبد يتكلم ويتحرك ويفعل بنور الله - تعالى - فيكون عبدا ربانيا بحركته وسكونهº واسمع إذا ما شئت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة فيقول: ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنّه)).
أخوة الإسلام: إن الواحد منا يستطيع أن يقيس مدى محبة الله له بنفسه ويكون ذلك بالنظر إلى مقدار محبة المجتمع المحيط به له، فإن كان العبد محبوبا ممن حوله ويلقى قبولا من الناس الذين يتعامل معهم فليعلم عندها أن الله - تعالى – يحبه, أما إذا كان ممن ينفر منه الناس ولا يجد في قلوبهم مكانا فإنه مبغوض من أهل السماء والأرض حتى وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن، فهذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله - تعالى -إذا أحب عبدا دعا جبريل: فقال إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا، فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض, وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء أن الله يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض)).
عباد الله: إن العبد الحريص على دنياه وآخرته عليه أن يبحث عن محبة الله - سبحانه - حتى تسير أموره في الدنيا ويفوز وينجو في الآخرة، وان الذي يحب أي صفة أو اسم من أسماء الله - سبحانه - وصفاته يكون محبا ويستحق بذلك محبة الله - سبحانه وتعالى - فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب ((قل هو الله أحد)) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله- عليه وسلم- فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: ((لأنها صفة الرحمن)) فأنا أحب أن أقرأ بها فقال - صلى الله عليه وسلم -: أخبروه أن الله - تعالى - يحبه)) وليعلم كل واحد منا أنه إذا لم نسع لنيل محبة الله - تعالى - ورضاه وسرنا في الطرق التي تؤدي إلى بغضه - سبحانه - لنا، من موالاة الكافرين، وترك الجهاد في سبيل الله، واقتراف جميع أنواع الذنوب، فإن الله - تعالى - سيذهب بنا ويأتي بالذين يحبهم ويحبونه وبهذا أخبر جل جلاله في محكم التنزيل فقال: ((يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم)) فالله - سبحانه وتعالى - عد موالاة الكافرين والسير على نهجهم ردة عن الدين وتخل عن محبة الله ورسوله وهذه جريمة عقوبتها عند الله أن يستبدل هؤلاء القوم بآخرين وصفهم الله - تعالى -بدقة للأمة فكانت أولى صفاتهم أنهم يحبون الله ويحبهم الله - سبحانه -º فهذه أول صفة لقوم يرفضون الذل ويأبون الظلم والضيم لأن محبة الله - تعالى - دافع للمسلم أن يكون كل فعل وكل قول يقوم به أو يتكلم به إنما هو لله فلا يبحث عن غير الله أبداº والصفة الثانية لهؤلاء العباد الذين يأتي بهم الله - تعالى -أنهم أذلة على المؤمنين فهم يخفضون الجناح لكل مؤمن، متواضعين بذلك لله لا يبحثون عن الانتصار للنفس والانتقام الهوائي من المسلمين والمؤمنين بل إنهم أبعد الناس عن هذا الخلق فيما بين إخوانهم في الدين والعقيدة، ومع كل هذه الرحمة والتواضع للمؤمنين ينقلب الأمر تماما في حالهم بتعاملهم مع أعدائهم فهم أعزة على الكافرين إذا تم الاعتداء عليهم من عدوهم، يضربون بيد من حديد وكان عندها شعارهم الصفة التالية يجاهدون في سبيل الله، هؤلاء هم الذين يأتي بهم الله ليس لأعدائهم عندهم إلا المقاومة والجهاد لا يقبلون الدنية في دينهم ويرفضون الهوان والاستسلام والتخاذل لأعدائهم دون أن يحسبوا للحسابات المادية ولموازين القوى عظيم حساب، ودون أن ينافقوا أو يجاروا هذا أو ذاك في عقيدتهم فهم لا يخافون في الله لومة لائم وهم الجريئون في الحق ولو وقف العالم كله بوجههم وكيف لا يكون ذلك هم عباد الله - تعالى - المحبين له الذين اختارهم الله - تعالى - لحمل هذه الرسالة, وذلك كله فضل الله - تعالى - يؤتيه الله من يشاء من عباده فهو - جل جلاله- الواسع في عطائه العليم بمن ولمن يعطي هذا الفضل.
عباد الله: لو نظرنا إلى واقعنا بإنصاف ماذا نجد؟ هل نجد صفات الله منطبقة على أنظمتنا ومسؤولينا؟! الذين يترامون في أحضان أعدائنا يسارعون فيهم، أم أننا نجد هذه الصفات تنطبق بشكل كامل على مجاهدينا وحركات المقاومة المسلمة في أنحاء العالم الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم ويعلنون بكل صراحة أن معركتهم مع أعداء الله من الكافرين فيتعاملون معهم بعزة منقطعة النظير ويحرمون دم المسلمين على أنفسهم وجهادهم، وإن كان بعض هؤلاء المسلمين من الظلمة والمنافقين ؟! إلا أنهم رحماء بكل مسلم ولا تأخذهم في الحق لومة لائم وهم أصحاب الفضل من الله - تعالى - وهذا ما حباهم إياه العليم جل في علاه.
أخوة الإسلام: إن محبة الله - تعالى - هي التي توصل العبد إلى مبتغاه كائنا ما كان ذلك المبتغىº لأن الله - سبحانه-إذا أحب العبد يسر له وأعطاه وتكفل بذلك- جل جلاله-خاصة إذا كان ذلك العبد مجاهدا فقال – تعالى-: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)), فللمجاهدين الهداية بكل السبل الدنيوية والأخروية المادية والعقائدية.
ولنعلم أخوة الإسلام أنه من كان الله معه فلن يضره شيء في الأرض ولا في السماء، ومن كان الله عليه فلن ينفعه شيء أو أحد، وما علينا سوى محبة الله والتوكل عليه: ((ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره)) وكل ما نراه في أيامنا إنما هو غرور الشيطان والغلبة لهذا الدين بإذن الله, ولن يدوم للظالمين طغيانهم فإن لم يتحقق ذلك على أيدينا، نكون قد قمنا بواجبنا وتركنا الأمانة لمن بعدنا دون تفريط أو خيانة أو هوان، والله أعلم بما تصنعون فعلينا العمل والنتائج على الله . ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين)) .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد