بسم الله الرحمن الرحيم
هيا من الليلة عُد إلى الله وتب إلى الله، فَكِّر وَحَاسِب نَفسَك وكن لها كالشريك الشحيح الذي يُحاسِبُ شَرِيكَهُ، ماذا ضَيَّعت وَمَاذَا قَصَّرت وَمَاذَا فَرَّطت؟ وقل لها:
يا نفسُ قَد أَزِفَ الرحيلُ * * * وَأَظَلَّكِ الخطبُ الجليلُ
فتأهبي يا نَفسُ لا * * * يَلعَب بِكِِ الأملُ الطويلُ
فلتنزلن بمنزلٍ, * * * ينسى الخليلَ به الخليلُ
وليركبنّ عَلَيكِ فِيه * * * مِنَ الثَّرَى حِملٌ ثَقِيلُ
قُرن الفناء بنا جميعاً * * * فما يبقى العزيزٌ ولا الذليلٌ
فكِّر في لحظة تخرج فيها من هذه الدنيا بلا جاه ولا مَنصب ولا سُلطان..فكِّر في لحظة ستدخل فيها إلى قبرٍ, ضيق يتركك فيه أهلكُ وَخِلاَّنَك وَأَحبَابَك، ويتركوك مع عملك بين يدي أرحم الراحمين..
فكِّر في لحظه سيُنادى عليك فيها على رؤوس الأشهاد ليكلمك الله جل وعلا ليس بينك وبين الله تُرجمان.. فكِّر في لحظةٍ, تُنصب فيها الموازين.. فكِّر في لحظةٍ, يُنصب فيها الصراط.. فكِّر في لحظةٍ, ترى فيها جهنم والعياذ بالله، قد أُوتي بها لها سبعون ألف زمام مع كل زِمَام سبعون ألف ملك يجرونها.
مَثِّل لِنَفسِكَ أَيٌّهَا المغرور *** يَومَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاءُ تَمُور
إِذَا كُوِّرَت شَمسُ النَّهَارِ وَأُدنِيَت *** حَتَّى عَلَى رَأسِ العِبَادِ تَسير
وَإِذَا النٌّجُومُ تَسَاقَطَت وَتَنَاثَرَت *** وَتَبَدَّلَت بَعدَ الضِّيَاءِ كُدُور
وَإِذَا الجِبَالُ تَقَلَّعَت بِإِصُولهِا *** فََرَأَيتَهَا مِثلَ السَّحَاب تَسِير
وَإِذَا العِشَارُ تَعَطَّلَت وتخربت *** خِلتَ الدِّيَارَ فَمَا بِهَا مَعمُور
وَإِذَا الوُحُوشُ لَدَى القِيَامَةِ أُحشِرَت *** وَتَقُولُ لِلأَملاكِ أَينَ نَسِير
وَإِذَا الجَلِيلُ طَوَى السَّمَا بِيَمِينِه *** طَيَّ السِّجِلِ كِتَابَهُ المَنشُور
ِوَإِذَا الصَّحَائِفُ نُشِّرَت وَتَطَايَرَت *** وَتَهَتَّكَت لِلعَالَمِينَ سُتُور
وَإِذَا الوَلِيدُ بِأُمِّهِ مُتَعَلِّقٌ *** يخَشَى القِصَاصَ وَقَلبُهُ مَذعُور
هَذَا بِلا ذَنبٍ, يَخَافُ جِنَايَةً *** كَيفَ المُصِرٌّ عَلَى الذٌّنُوبِ دُهُور
وَإِذَا الجَحِيمُ تَسَّعَرَت نِيرَانُهَا *** وَلَهَا عَلَى أَهلِ الذٌّنُوبِ زَفِير
وَإِذَا الجِنَانُ تَزَخرَفَت وَتَطَيَّبَت *** لِفَتَىً عَلَى طُولِ البَلاءِ صَبُور
عجّل من الليلة
أين أنت من التوحيد؟
أين أنت من القرآن؟
أين أنت من حقيقة الاتباع؟
أين أنت من البذل لدين الله؟
أين أنت من التحرك لدعوة الله؟
أين أنت من الحلال؟ أين أنت من الحرام؟
أين أنت من السٌّنَّة؟ أين أنت من البِدعَة؟
أين أنت من الحق؟ أين أنت من الباطل؟
قف الليلة وقفة صدق مع نفسك، قبل أن تقف بين يدي الله الذي سطّر عليك في كتابٍ, عنده، {عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ, لاَّ يَضِلٌّ رَبِّي ولا يَنسَى} [طه: 52]، سطّر عليك كل شيء..
سيُنادَى عليك لتُعطى هذه الصحيفة التي لا تُغادر بَلِيَّةً كَتَمتَهَا وَلا مَخبَئَةٍ, أَسرَرتَهَا
فكم من معصية قد كنتَ نسيتَهَا ذَكَرَّكَ الله إِيَّاهَا؟ وكم من مصيبة قد كنتَ أَخفَيتَهَا أظهرها الله لك وَأَبدَاهَا؟
فيا حسرةَ قَلبِكَ وَقتَهَا على ما فَرَّطتَ في دُنيَاكَ مِن طَاعَةِ مَولاك
إن كنتَ من الموحِّدِين الصادقين قرَّبَك رَبُ العالمين أعطاك كتابك باليمين، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « يُدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضعَ ربُ العزةِ عليه كَنَفَه - والكنف في اللغة لا تأويلا للصفة فلسنا ممن يؤلون الصفات، الكنف في اللغة السِتر، الحماية، الرحمة- فيقرره بذنوبه، فيقول لقد عملت كذا وكذا يوم كذا، فيقول المؤمن ربي أعرف ربي أعرف، فيقول الله - جل وعلا -: ولكني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم، ويعطيه صحيفة حسناته، يعطيه كتابه بيمينه ثم ينطلق في أرض المحشر والنور يُشرق من وجهه ومن أعضائه وكتابه بيمينه، يقول لِخِلاَّنِه وأصحابه من أهل التوحيد والإيمان: انظروا هذا كتابي بيميني ».. شاركوني الفرحة، شاركوني السعادة... اقروا معي كتابي: هذا توحيدي، وهذه صلاتي، وهذه زكاتي، وهذا حجّي، وهذه دعوتي، وهذا بِِرّي، وهذه صلتي، وهذه طاعتي، وهذا بُعدي عن المعاصي والشهوات والملذّات... اقروا معي هذا الكتاب {فَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقرَؤُوا كِتَابِيه. إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ, حِسَابِيه. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ, رَّاضِيَةٍ,. فِي جَنَّةٍ, عَالِيَةٍ,. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسلَفتُم فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ} [الحاقة: 19-24]
وإن كانت الأخرى - أعاذنا الله من الأخرى - أعطاه الله كتابه بشماله أو من وراء ظهره، واسوَدَّ وجهه وكُسي من سرابيل القَطِران وانطلق في أرض المحشر يصرخ وينادي ويقول:
{وَأَمَّا مَن أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيتَنِي لَم أُوتَ كِتَابِيه. وَلَم أَدرِ مَا حِسَابِيه. يَا لَيتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ. مَا أَغنَى عَنِّي مَالِيه. هَلَكَ عَنِّي سُلطَانِيه. خُذُوهُ فَغُلٌّوهُ. ثُمَّ الجَحِيمَ صَلٌّوهُ. ثُمَّ فِي سِلسِلَةٍ, ذَرعُهَا سَبعُونَ ذِرَاعًا فَاسلُكُوهُ. إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ العَظِيمِ. وَلاَ يَحُضٌّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ. فَلَيسَ لَهُ اليَومَ هَاهُنَا حَمِيمٌ. وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِن غِسلِينٍ,. لاّ يَأكُلُهُ إِلاَّ الخَاطِؤُونَ}
أيا عبدُ كم يراك اللهُ عَاصِيَا * * * حريصاً على الدنيا وللموتِ ناسِيا
أنسيت لقاء الله واللحد والثرى * * * ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا
لو أن المرء لم يلبس ثيابا من التُقَى * * * تجرّد عُرياناً ولو كان كاسيا
وَلَو أن الدٌّنيَا تَدُومُ لأَِهلِهَا * * * لكان رسول الله حيًّا وَباقيا
ولَكِنَّهَا تَفنَى وَيَفنَى نَعِيمُهَا * * * وَتَبقَى َالذٌّنُوبُ والمَعَاصِي كما هيَ
قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: لماذا نحب الدنيا ونكره الموت؟
فقال أبو حازم: لأنكم عمَّرتُم دُنَيَاكُم وَخَرَّبتُم أُخرَاكُم، فأنت تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.
فقال سليمان: فما لنا عند الله يا أبا حازم؟
فقال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله.
فقال: أين أجد ذلك؟
فقال: تجد ذلك في قوله - تعالى -: {إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ,. وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ,} [الانفطار: 13-14]
قال: فأين رحمة الله؟
قال: إن رحمة الله قريب من المحسنين.
قال: فكيف القدوم غدًا على الله؟
قال: أما العبد المحسن فالكغائب يرجع إلى أهله، وأما العبد المسيء فكالأَبِق يرجع إلى مولاه.
تُب إلى الله..
هل أنت مسلم كما أراد الله؟ هل أنت مسلم كما رسم لك طريقك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
فأرجو ألا تُفهم التوبة بفهمها القاصر الضيّق، وإنما التوبة هي الدين كله، فالدين كله داخل في مسمى التوبة.
ومن هذا المُنطَلَق، فَلنَقِف جميعًا مع أنفسنا الليلة وقفة صدق لنجدد الأوبة والتوبة لله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد