بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ العتيق:
هناك أحداث وابتداع في التوبة كأن يعتقد أنها لا تصلح إلا عند شيخ
لا توبة مع الإقامة على الذنب..وسوء الظن بالله من موانع التوبة
قصر الأمل وتذكر الآخرة والانشغال بالأعمال النافعة مما يعين على التوبة
الشيخ العرفج:
إذا صدق العبد في التوبة أعانه الله عليها وملأ قلبه محبة لله
الشيخ التويجري:
الله دعا إلى التوبة من الشرك والكفر والنفاق والردة
نعمة كبرى أن يغفر الله الذنوب كلها ويبدلها حسنات
متابعة - سليمان الصالح:
التوبة أمر مهم في حياة المسلم، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ثم إن المسلم لا يجب أن يقنط من رحمة الله مهما كثرت ذنوبه ومهما أسرف على نفسه وهذا طلب أرحم الراحمين - جل وعلا - من عباده.لكن هناك الكثير من الناس يريد أن يتوب ويرجع ويؤوب بعد أن تكاثرت عليه الذنوب وأحاطت به المعاصي فلا يستطيع إلى ذلك سبيل.لماذا! وهل هناك موانع أمام التوبة؟ وهل تقف معوقات في طريق عودة العبد إلى ربه؟
هذه التساؤلات المهمة أجابت عليها الندوة العلمية التي انعقدت بالجامع الكبير بالرياض والتي شارك فيها كل من فضيلة الشيخ محمد بن علي العرفج، وفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن التويجري، وفضيلة الشيخ حمد العتيق، وقد تناولت الندوة فضل التوبة والأسباب المعينة عليها وشروط هذه التوبة وأساليب القرآن والسنة في الدعوة إلى هذا الفضل والعقبات والموانع التي تقف في وجه التائبين.
فضل التوبة
في بداية الندوة تحدث فضيلة الشيخ محمد بن علي العرفج عن فضل التوبة ومكانتها فأوضح أن الإنسان بطبيعته خطاء يصيب أفعاله الخلل (كل بني آدم خطاء وخير الخطائون التوابون) ولأهميتها التوبة وفضلها عند الله - عز وجل - نجد أن الله - سبحانه - ذكرها في كتابه فيما يربو على سبع وأربعين آية. كما ذكرها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيما يربو على ثلاثة وأربعين حديث. كما ورد فيها من آثار الصحابة والتابعين أكثر من عشرين أثرا والتوبة تدور على معاني منها الرجوع، والعودة، والإنابة، والندم، وهي في الشرع.. ترك الذنب علما بقبحه وندما على فعله وعزما على ألا يعود إليه وأن يكون ذلك قبل الغرغرة وقبل طلوع الشمس من مغربها، وقد أمر الله عباده بالتوبة ووعد بقبولها مهما عظمت الذنوب وكثرت.
والتوبة شاملة لكل مراتب الدين، الإسلام والإيمان والإحسان يقول ابن القيم - رحمه الله -.. (التوبة هي حقيقة دين الإسلام والدين كله داخل في مسمى التوبة) وبهذا استحق التائب أن يكون حبيبه الله، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين ولا ينبغي للعبد أن يفارق التوبة أبدا فهي ضرورة لكل مسلم في بداية حياته ونهايته. والتوبة لا تكون عن الذنب فقط إنما عن التقصير في الطاعات والعبادات التي خلِق الإنسان من أجله.
ثم تحدث فضيلة الشيخ العرفج عن الأسباب التي تعين المسلم على التوبة إلى الله ومن هذه الأسباب: الإخلاص لله - سبحانه وتعالى -، والإقبال عليه - عز وجل -. فهذا أنفع الأدوية فإذا أخلص العبد وصدق في التوبة أعانه الله عليها، ومن الأسباب أيضا امتلاء القلب من محبة الله - عز وجل - فهذه المحبة أعظم محركات القلوب وهي الباعث الأول للأفعال والسلوك ومن الأمور المعينة والأسباب التي توصل إلى التوبة المجاهدة، فهي عظيمة النفع والجدوى فالنفوس تواقة إلى التفلت والشرور فإذا جاهد الإنسان نفسه في ذات الله فليبشر بالخير والإعانة والهداية قال - تعالى -: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين (69)} [العنكبوت]. والمجاهدة تكون مستمرة مع الإنسان حتى مماته.
ومن الأسباب المعينة على التوبة أيضا قصر الأمل وتذكر الآخرة، فإذا تذكر الإنسان قصر الدنيا وسرعة زوالها وأنها مزرعة للآخرة وكسب الأعمال الصالحة وتذكر في الجنة من النعيم المقيم وما في النار من النكال والعذاب الأليم انتصر على الشهوات وأقبل على الله تائبا منيبا إليه - سبحانه -.
من الأسباب والأعمال المعينة على التوبة، الانشغال بالأعمال النافعة وتجنب الوحدة والفراغ، وكذلك البعد عن المثيرات وما يشجع على المعصية ونوازع الشر من مشاهدة الأفلام والصور الخليعة وسماع الأغاني الهابطة والماجنة، وقراءة الكتب السيئة والمجلات الداعرة، والبعد عن الفتن، وأحق شيء بالضبط والقهر اللسان والعين.
من الأعمال المعينة على التوبة أيضا مصاحبة الأخيار ومجانبة الأشرار فمصاحبة الأخيار تحيي القلب وتدل على الخير وتعين عليه وتبعث على الاقتداء بأهل الصلاح.
ومن هذه الأسباب النظر في العواقب وما أوتي الإنسان إلا من قبل غفلته وجهله بالعواقب، قال ابن الجوزي - رحمه الله - (لو ميز العاقل بين قضاء وطره لحظة وانقضاء باقي العمر بالحسرة على قضاء ذلك الوطر لما قرب منه ولو أعطي الدنيا غير أن سكرة الهوى تحول بين الذكر وذلك).
التوبة من كل ذنب
إن المتأمل في نصوص القرآن والأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجد فيها الكفاية والدلالة على الدعوة إلى التوبة إلى الله - سبحانه وتعالى - وحول ذلك تحدث فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن التويجري فذكر أن الله في قرآن العظيم دعا إلى التوبة بعد كل ذنب ولا سيما الذنوب الكبيرة ومعنى ذلك أن صغار الذنوب يغفرها الله إذا تاب العبد منه.
الله يدعو إلى التوبة من الشرك ومن الكفر ومن النفاق والردة. قال - تعالى -: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68)} [الفرقان: 68] {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات(70)} [الفرقان]. ونجد في سورة الأنفال قوله - تعالى -: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (38)} [الأنفال].
إنها نعمة إن يغفر الله الذنوب بل إن الله - سبحانه وتعالى - يبدل السيئات حسنات، فأين التائبون؟ لقد دعا الله - عز وجل - الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وقالوا إن الله هو المسيح ابن مريم دعاهم قائلا: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفورِ رحيمِ (74)} [المائدة].
لقد دعا الله - سبحانه - عباده الذين وقعوا في كبائر الذنوب من شرك وكفر وقتل للنفس بغير حق وزنا ورمى المحصنات دعاهم إلى التوبة ووعدهم بقبول هذه التوبة بل وإبدال سيئاتهم حسنات، إنه فضل كبير نعمة ورحمة من الله الذي لا يريد أن يعذب عباده {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم (147)} [النساء]. حتى الوسائل والأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في الفواحش دعا الله عباده للتوبة منها وكذلك المفسدين في الأرض دعاهم إلى التوبة من هذه الجريمة النكراء {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله (33)} [المائدة]. إلى أن قال - سبحانه -: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورِ رحيمِ (34)} [المائدة]. وهكذا الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويسرقون وكذلك المغتابون لإخوانهم والظانون بهم ظنا سيئ... وهكذا الذين يظلمون أنفسهم ويرتكبون صغائر الذنوب يتوب الله عليهم إذا تابوا وأصلحو.
فهل بعد هذه الوعود من الله لعباده المذنبين بالمغفرة والتوبة يتقاعس المذنبون عن التوبة ويصيب آخرون اليأس والقنوط، لا قنوط ولا يأس من رحمة الله. لقد قتل رجل تسعة وتسعين نفسا وعندما استفتى عابدا أفتاه فقنطه من رحمة الله فقتله ليكمل به المئة ولكنه لما سأل عالما قال له ومن يحول بينك وبين التوبة ورحمة الله فتاب وتاب الله عليه.
التوبة عبادة
ولكن للتوبة شروط لا بد أن تتوفر في التائب حتى تكون توبته نصوحة وعن هذا تحدث فضيلة الشيخ حمد بن عبد العزيز العتيق الذي قسم هذه الشروط بين عامة وخاصة، والمراد بالعامة أي.. التي تشترط لكل عبادة لله - تعالى -فالتوبة عبادة لله - تعالى -لا تقبل إلا بشروط قبول العبادة وهي الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن تاب من الذنب خالصا لله - تعالى -يريد الأجر والثواب ولا يريد الرياء ولا السمعة ولا المفاخرة، فهذا الذي تقبل توبته إذا استكمل الشروط الأخرى، ومن تاب إلى الله وفق سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تاب الله عليه.
وهل في التوبة إحداث وابتداع؟ نعم، ومن ذلك ما أحدثه بعض الناس في طرق التوبة حتى اعتقد بعضهم أنه لا تصح التوبة إلا أن يأتي عند شيخ الطريقة فيتوبه بطريقة مخصوصة ليرجع إلى ربه - سبحانه وتعالى -، ومنهم من يعتقد أنه لا تصح التوبة لله - تعالى -إلا إذا سلك طريقة من هذه الطرق المبتدعة. وهذا من الإحداث في التوبة وحري بصاحب هذه البدعة ألا يقبل الله منه توبته عياذا بالله. وأما شروط التوبة الخاصة فمنها ترك الذنب والإقلاع عنه فلا توبة مع الإقامة على الذنب، ومن شروطها أيضا الندم على ما فعل وأذنب والعزم على عدم العودة {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135)} [آل عمران]. ومن شروط التوبة التحلل من حقوق الآخرين ورد مظالمهم فلا بد من رد المظالم حتى تقبل التوبة.
عقبات في طريق التوبة
ينبه إلى هذه العقبات التي تقف في طريق التوبة إلى الله فضيلة الشيخ عبد الله التويجري، ويذكر من أهم هذه العقبات: الجهل بالدين وبالنصوص الشرعية التي تدعو إلى التوبة من الكتاب والسنة. وعلى المسلم أن يتعلم العلم الذي يتعبد به ويعبد به ربه على الطريقة الصحيحة متبعا فيها نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
ومن العقبات التي تمنع من التوبة، الجليس السيئ، والجليس السيئ كثيرا ما يكون سببا في الإضلال والفساد يقول - تعالى -: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا (27) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا (28) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني (29)} [الفرقان]. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقول - سبحانه -: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه (28)} [الكهف]. فليحذر المسلم من الجليس السيئ والخليل الذي يضيعه {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (67)} [الزخرف].
الزوج والزوجة السيئة
ومن موانع التوبة الزوجة السيئة والزوج السيئ، ولذلك أمر الإنسان أن يختار المرأة الصالحة زوجة له وأمر ولي المرأة أن يختار لها الزوج الصالح حتى يعين بعضهما البعض على الصلاح والتوبة أيضا التوبة السيئة لها دور في منع المسلم المذنب من التوبة ومن هذه المعوقات أيضا أو من موانع التوبة الموت، فإذا مات ابن آدم حيل بينه وبين التوبة ولذلك فعلى الإنسان أن يكون مستعدا لهذا اليوم وأن يتذكر الموت ويتوب إلى ربه ويرجع إليه والله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
كذلك من موانع التوبة نسيان اليوم الآخر وتمكن الدنيا من قلبه فالغفلة من أهم موانع ومعوقات التوبة، الغفلة عن اليوم الآخر والغفلة عن الموت.
ومن موانع التوبة أيضا سوء الظن بالله واليأس والقنوط من رحمة الله، بعض الناس يظن أن أبواب رحمة الله غلقت في وجهه لمجرد ارتكابه للذنب أو لتكرار ذنبه ومثل هؤلاء خاطبهم ربهم بقوله - جل وعلا -: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم (53)} [الزمر]. فتب إلى الله وأصدق إلى الله وأحسن الظن بربك وأيقن أن رحمته وسعت كل شيء {ورحمتي وسعت كل شيء (156)} [الأعراف]. واعلم أن الله لطيف بعباده {الله لطيفِ بعباده (39)} [الشورى].
ومن موانع التوبة اتكال العبد على آيات الرجاء التي جاءت في القرآن وتركه للتوبة والعمل الصالح، فالمسلم لا بد أن يكون بين الرجاء والخوف وبين الترهيب والترغيب، فلا تنظر إلى آيات الوعيد والعذاب فتقنط من رحمة الله ولا تنظر إلى آيات الرجاء فتقعد عن العمل الصالح وتمتنع عن التوبة والاستغفار فالله يقول: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب(3)} [غافر]. وقال - تعالى -: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم (49) وأن عذابي هو العذاب الأليم (50)} [الحجر].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد