التقوى وأثرها في حياة الفرد والجماعة ( 1- 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مفهوم التقوى:

التقوى:

كلمة (تقوى) الله تفسّر بشكل حرفي أنها من الفعل (وقى) الذي من معانيه الستر والصون والحذر (وقاية).

يقول الأصفهاني: التقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف هذا تحقيقه، ثم يسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور. [من: مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني]

فتكون تقوى الله الحذر والخوف منه وتجنب غضبه وكأننا نتقي غضبه وبطشه بطاعته وبرضاه.

والتقوى هي الرباط الذي يعقل النفوس عن أن تنطلق حسب رغباتها ووفق هواها، فهي قيد وثيق محكم لا يستطيع المؤمن أن يتفلت منه إذا كان يخشى الله ويتقيه.

والتقوى ضابط أساسي من ضوابط السلوك الإنساني جميعه في مضمار هذه الحياة لأنها في حقيقتها مراقبة الله والحرص على مرضاته والخوف من عذابه.

معنى التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية، تقيه منه.

وتقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته واجتناب معاصيه.

وهذه بعض عبارات سلفنا الصالح في توضيح معنى التقوى.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: \" المتقون: الذين يحذرون من الله وعقوبته \".

وقال طلق بن حبيب: التقوى: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله.

وقال ابن مسعود في قوله - تعالى -: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] قال: أن يُطاع فلا يُعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.

سأل أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - أبيّ ابن كعب فقال له: ما التقوى؟ فقال أبيّ: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقاً فيه شوك؟! فقال: نعم، قال: فماذا فعلت؟ قال عمر: أُشمّر عن ساقي و أنظر إلى مواضع قدماي و أقدم قدماً وأؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكه، فقال أبيّ ابن كعب: تلك هي التقوى.

وسئل علي رضي الله عن التقوى فقال: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.

والتقوى: هي أن تجعل بينك وبين محارم الله حاجزا، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وكلمة التقوى مشتقة من الوقاية، فالتقوى: هي إطاعة الله خشية عذابه، وهي عمل بطاعة الله على نور من الله مخافة عقاب الله.

ومكان التقوى القلب، لكن الدليل على ما يضمره القلب هو الأعمال الظاهرة على الجوارح، فمن ادّعى التقوى وكانت أعماله تناقض قوله فقد كذب. ويختلف مقدار ما يفرض الله على المرء من تقوى بحسب استطاعته، قال الله - تعالى -: ” فاتّقوا اللّهَ ما استَطَعتُم ” (18). والسبيل إلى التقوى هو مراقبة النفس ومنعها عن إتباع أهوائها بما يناقض أوامر الله - تعالى -ولكي تنقاد إلى ما أمر به وعدم الغفلة سواء في حالة الانقياد إلى أمر الله أو اجتناب نواهيه،

 

أهمية التقوى:

إن التقوى هي وصية الله لخلقه أجمعين من الأولين والآخرين من عباده قال - سبحانه وتعالى -: {وَلَقَد وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَإِيَّاكُم أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} [النساء: 131]. والتقوى هي وصية الرسل الكرام:

{كَذَّبَت عَادٌ المُرسَلِينَ * إِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 123 124].

{كَذَّبَت ثَمُودُ المُرسَلِينَ(141)إِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 141-142]

{كَذَّبَت قَومُ لُوطٍ, المُرسَلِينَ * إِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 160-161].

{كَذَّبَ أَصحَابُ الأَيكَةِ المُرسَلِينَ * إِذ قَالَ لَهُم شُعَيبٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 176-177].

{وَإِذ نَادَى رَبٌّكَ مُوسَى أَن ائتِ القَومَ الظَّالِمِينَ * قَومَ فِرعَونَ أَلَا يَتَّقُونَ} [الشعراء: 10-11]

وهي أيضاً: وصية الرسول لأمته، فعن أبي أمامة صُدى بن عجلان الباهلي قال: سمعت رسول الله يخطب في حجة الوداع فقال: (اتقوا ربكم وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم). وكان إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً. وكان إذا أتاه أحد مسافرا ودعه ووصاه بتقوى والتكبير عند كل شرف ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم، ومكاتباتهم، ووصاياهم عند الوفاة.

وكتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله: \" أما بعد..فإني أوصيك بتقوى الله - عز وجل - الذي لا بد لك من لقائه، ولا منها لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة \".

وكتب أحد الصالحين إلى أخ له في الله - تعالى -: \" أما بعد.. أوصي بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه، لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر وجلك، والسلام \".

والتقوى وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته عن العرباض بن سارية: قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح فوعظنا موعظة بليغة زرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فقال: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)..

وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -:

(اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها).

والتقوى وصية السلف الصالح رضوان الله عليهم، كان أبو بكر - رضي الله عنه - يقول في خطبته: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، ولما حضرته الوفاة، وعهد إلى عمر - رضي الله عنه - دعاه فوصاه بوصيته قائلا: اتق الله يا عمر.

وكتب عمر - رضي الله عنه - إلى ابنه عبد الله:، أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله - عز وجل -، فإنه من اتقاه وقاه، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل:، أوصيك بتقوى الله - عز وجل - التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، ولما ولي خطب فحمد الله وأثنى عليه وقال:، أوصيكم بتقوى الله - عز وجل -، فإن تقوى الله خلف من كل سعي، وليس من تقوى الله خلف، وقال رجل لرجل أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله، والإحسان، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وكتب رجل إلى أخيه أوصيك بتقوى الله، فإنها من أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادخرت.

والتقوى هي أجمل لباس يتزين به العبد: {يَا بَنِي آدَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ} [الأعراف: 62].

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى *** تقلب عريانا وإن كان كاسيا

وخير لباس المرء طاعة ربه *** ولا خير فيمن كان لله عاصيا

والتقوى هي أفضل زاد يتزود به العبد، قال - تعالى -: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِي يَا أُولِي الأَلبَابِ} [البقرة: 197].

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا.

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب

وعن معاذ بن جبل وأبي ذر - رضي الله عنهما - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (اتّقِ اللّه حيثُما كنتَ وأتبِع السيئةَ الحسَنَة تَمحُها وخالِقِ الناسَ بِخُلُق حَسَن) [رواه الترمذي وقال حديث حسن].

وقد حث الله - تعالى -في القرآن الكريم على التقوى في آيات كثيرة: منها قوله - تعالى -: {ياءيها الّذين أمنوا اتقوا اللّه حقّ تُقاتِه ولا تَموتُنّ إلاّ وأنتُم مسلمون}، {ياءيها النّاسُ اتّقوا ربّكُم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم}، {ياءيها النبيّ اتق اللّه ولاتُطِع الكافرين والمُنافقينَ إنّ اللّه كانَ عَليما حَكيما}.

 

أسباب حصول التقوى:

للتقوى معنى شامل وعامº فمن المحافظة على آداب الشريعة بكل دقة وأمانة.. إلى رعاية قوانين الشريعة الفطرية.. إلى وقاية الإنسان سرّه وخفيّه وأخفاه من الشرك وكل ما يُشم منه الشرك عند كل سلوك يؤدي به إلى جهنم، أو كل عمل يثمر ثماراً في الجنة.. وإلى الوقاية من التشبه بالآخرين في التفكير وطراز الحياة.

وبهذا المعنى الواسع جداً تصبح التقوى هي المصدر الوحيد لقيمة الإنسان وكرامته، وقد أشارت إليه الآية الكريمة المنّورة {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم} [سورة الحجرات: 13]

نعم، إن في معنى التقوى ومحتواها أمرا عجيباً بحيث لا يمكن فهم القرآن فهماً حقاً، إلاّ بعد الاحتماء بها، كما لا يمكن الوصول إليها إلاّ بالسير في فلك القرآن، الذي يفتح قبل كل شيء بابه للمتقين ويهمس بهم، {هُدًى لِلمُتَّقِينَ} [سورة البقرة: 2] ويشير في النتيجة إلى الحياة على نمط الفرقان الحكيم، ويلفت الأنظار إلى أُفق {لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 21].

والتقوى أفضل عمل عند الله - سبحانه وتعالى -، و المتقون هم أكرم عباده وأنـزههم، والفرقان البديع البيان هو أصفى بيان للمتقين وأنـزه دعوة للتقوى. وعباد الله المتقون يتزوّدون دوماً من القرآن وبرؤية الرضوان في الآخرة. وحيث إن الذوق ضيف موهبة أخرى لعمق التقوى، يقول - تعالى - مذكّراً بأهمية التقوى بهذا المعنى {اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [سورة آل عمران: 102]

والإنسان بفضل التقوى التي تعني تقييم جميع وسائل الخير والبقاء موصد الأبواب في وجه جميع طرق الشر أو السعي في ذلك، ينجو من السقوط إلى أسفل السافلين، ويغدو سائراً إلى أعلى عليين. وبهذا يصح أن يقال: إن من نال التقوى فقد نال ينابيع الخير واليمن والبركات كلها. فدونك:

وقد فاز بمراده في الدنيا والآخرة مَن أكرمه الله بالدين والتقوى. من كان متقياً ناصراً للحق سعيد لا شقيا وهو على الصراط السوي. بينما المحروم من زاد التقوى والفقير إلى أماراتها، وجوده عار وخزي وعيب، بل ميتٌ مَن لم يجد طريقاً إلى الحق - سبحانه -.

التقوى كنـز لا يقدّر بثمن، وجوهر بلا نظير يعتلي أفضل موقع لأغنى كنـز، ومفتاح ذو أسرار لفتح جميع أبواب الخير، وبراق في طريق الجنة. ولأجل موقعها المتميز هذا تسيل مائة وخمسين مرة حزم من ضياء زلال القرآن الكريم في أدمغة أرواحنا.

والتقوى، مقابل هذا الاستعمال العام، لها معنى خاص معلوم لدى الجميع حيث يتوارد إلى الذهن ذلك المعنى كلما قيل \" التقوى \" والمعنى هو: شدة الحساسية تجاه أوامر الشريعة ونواهيها. واجتناب ما يؤدي إلى الحرمان من الثواب أو استحقاق العقاب. وقوله - تعالى -: {وَالَّذِينَ يَجتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالفَوَاحِشَ} [سورة الشورى: 37] يمثّل جانباً مهماً من هذا الأساس، ويمثل الجانب الآخر:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سورة البقرة: 277].

فإقامة الفرائض واجتناب الكبائر أساسان ضروريان جامعان للتقوى. أما الصغائر فإن أحاديث نبوية كثيرة جداً تذكّر بالدقة أيضا تجاه {اللمَم} المذكورة في القرآن الكريم، منـها: (لا يَبلُغُ العَبدُ أَن يَكُونَ مِـنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَـدَعَ مَـا لا بَأسَ بِـهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ البَأسُ).

نعم، الإخلاص التام، لا يُحرز إلاّ باجتناب كل ما فيه شائبة الشرك، كما لا تُنال التقوى الكاملة إلاّ باجتناب الشبهات كلياً، ذلك لأن الحديث الشريف الجامع: (الحَلالُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَينَهُمَا مُشتَبِهَاتٌ لا يَعلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ). قد ربط الحياة التي هي في مستوى القلب والروح بالحساسية تجاه المشتبهات. والحديث يذكر أن الحلال والحرام قد وضّحا من قبل صاحب الشريعة بما لا يدع مجالاً لأية شبهة. ولكن بين هذين الأمرين ما يشبه الاثنين من الأمور المشتبهة لا يعلمها كثير من الناس. ولأجل هذا لا بد من اجتناب مثل هذه المشتبهات. ومن اتقى الشبهات فدينُه وعرضُه مصونان، بينما الذي وقع في الشبهات فاحتمال وقوعه في الحرام كبير، كالغنم التي ترتع حول الحمى. ثم يقول سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم -: (أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ, حِمًى أَلا إِنَّ حِمَى اللهِ فِي أَرضِهِ مَحَارِمُهُ أَلا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلٌّهُ وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلٌّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ).

وعلى هذه الأسس يمكننا أن نقول: لا تُنال التقوى التامة إلاّ باجتناب المشتبهات وصغائر الذنوب. وهذا الاجتناب يتطلب قبل كل شيء معرفة دقيقة بالحلال والحرام ويستند بعد ذلك إلى معرفة ربانية قوية وثقافة وجدانية. وعندما يصل الأمر إلى هذه النقطة: تحقق خشية الله المذكورة في الآية الكريمة {إِنَّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [سورة فاطر: 28]، فالتقوى تنقلب إلى أصالة وكرامة ويتسربل العلم بالاحترام والخشية ويرفرف كالراية. فالأرواح التي تجمّل قلبَها وسرَّها بهذه الألوان {أُولَئِكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقوَى} [سورة الحجرات: 3] يُذكرون كأبطال في امتحان الالتفاتات الإلهية.

والتقوى التي هي قطب العبادة والطاعة، يُفهم منها على الأغلب: الصفاء الداخلي، وعمق القلب والضمير، وسعة الإخلاص، والموقف الجاد الحازم تجاه الذنوب والمشتبهات ضمن دائرة المعصية. وبهذا يصح أن نعدّ ما هو مدرج أدناه أبعاداً أخرى للتقوى حسب تنوع العبودية:

فالتقوى تحصل:

1- بمعرفة الله - سبحانه - والإيمان به.

2- الإيمان بالغيب.

3 التوسع في طلب العلم الشرعي.

4 المحافظة على الفرائض والإكثار من النوافل.

5- مجاهدة النفس واجتناب الشبهات.

6 الإيمان بالقضاء والقدر والاتعاظ والاعتبار بالأقدار.

7- امتثال أحكام الدين واجتناب الأسباب التي توقع في المعصية والانحرافات.

8- والحذر من كل ما يبعد عن الله - سبحانه -.

9- اليقظة تجاه الحظوظ النفسانية التي تمهّد للمنهيات.

11- اليقين أن كل شيء من الله وحده مادياً كان أو معنوياً، دون أن يملّك نفسه شيئاً.

12- التواضع ومعرفة حقيقة النفس وألاّ ينظر إلى نفسَه أنه أرفع وأفضل من أيّ أحد.

13- العمل الدؤوب والسعي الدائم لطاعة الله وأن يجعل رضاه - سبحانه - غاية مناه لا غير.

14- الانقياد انقياداً تاماً لامتثال أوامر الله وأن يكون أسوته في كل عمل محمد - صلى الله عليه وسلم -.

15- تجديد الحياة الروحية والقلبية باستمرار بالتفكر في الآيات الكونية وتدبّرها.

16- تذكر رابطة الموت بأبعادها المختلفة وتذكر المصير وعذاب القبر والوقوف بين يدي الله يوم يقوم الناس لرب العالمين.

17- ومن أسباب حصول التقوى تعظيم شعائر الله، قال - تعالى -: {وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ} [الحج: 32]

ومن أسبابها قبول شرع الله ودينه وغض الصوت عند أوامر الله وأوامر رسول الله، وسواء كان ذلك في حياته، أو بعد وفاته وعدم رفع الصوت حتى عند قبره قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضٌّونَ أَصوَاتَهُم عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقوَى} [الحجرات: 2]

19- ومن أسبابها عدم العدوان وإيذاء عباد الله، قال - تعالى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ وَالتَّقوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ} [المائدة: 2]، وقال - تعالى -في قصة مريم: {فَأَرسَلنَا إِلَيهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَت إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا} [مريم: 18، 17].

20- ومن أسبابها اتباع الهدى الذي جاء به الكتاب والسنة، قال - تعالى -: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السٌّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]

21- ومن ضمنها عدم خضوع النساء في القول حتى لا يطمع فيهن من في قلوبهم مرض، قال - تعالى -: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ, مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيتُنَّ فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَّعرُوفًا} [الأحزاب: 32].

22- ومنها عدم الجور في الوصية، قال - تعالى -: ) كُتِبَ عَلَيكُم إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ إِن تَرَكَ خَيرًا الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَينِ وَالأقرَبِينَ بِالمَعرُوفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ) [البقرة: 180].

23- ومنها إعطاء الحقوق وأدائها، قال - تعالى -: {وَلِلمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالمَعرُوفِ حَقًّا عَلَى المُتَّقِينَ} [البقرة: 241]

24- لزوم العدل مع القريب والبعيد والعدو والصديق {وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلاّ تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى} [المائدة]

والخلاصة: التقوى كوثر، والمتقي هو السعيد الذي وَرد هذا النبع العظيم، ولكن كم هو مؤلم أن هؤلاء المحظوظين قليل عددهم.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply