بسم الله الرحمن الرحيم
ر
إن الموت أمر واقع لا محالة، وماله من دافع، ولا مَرَدَّ له ولا شافع، فقد تحيّر بأمره العقلاء، فلا يرحم صغيراً، ولا يوقر كبيراً، ولا يعرف صديقاً، فكلنا لكأسه شارب، ولطعمه ذائق، فهو هادم اللذات، ومفرق الجماعات، فكم من أفراحٍ, جعلها أتراحاً، وسرورٍ, قلبه هماً وغماً، والد بين أولاده، يضاحكهم ويداعبهم، في غمرة سعادة ونشوة فرح فإذا بالفرح ينقلب حزناً، والولد يبقى يتيماً، وأم تملأ البيت بحنانها وشغفها وبشاشتها، تحنو على صغارها، فَتُقَبِّلُ هذا، وتمسح على هذا، تداعب هذا، ثم لم يلبث الحال، حتى زال ذلك الحنان، وغاب ذلك الإنسان، فذهبت الشفقة وأعقبتها الحسرة، ورئيس بين مرؤوسيه، يأمر وينهى، ويغضب ويرضى، إن تكلم أنصتوا، وإن أراد أمراً تبادروا، ثم أصبح الرئيس ذكرى، فلا أمر ولا نهي، ولا غضب ولا رضى، فتحول ذلك الرئيس إلى مكانٍ, لا نسمع فيه حساً ولا همساً، وآخر لتوه فرغ من بناء دار، أتقن صنعها، وصبغها بالألوان، وفرشها بأنواع الفرش كماً وكيفاً، فلما قارب سكناها أُخذ على حين غرة، فانتقل إلى دار التراب، ولم يهنأ بتلك الدار، وصغير يملأ البيت صياحاً ولعباً، فيكسر إناءً ويحمل آخر، فإذا بشخصه يكون خيالاً بعد أن قُبضت روحه، فيفقد البيت لعبه وصياحه، ويخيم على الدار صمت رهيب، فلا إله إلا الله ما أجلَّ حكمته، وما أعظم تدبيره.
معاشر القراء، عوداً على بدء : إذا كان الموت مصير كل حي، ونهاية كل شيء، ألا يتعظ العاقل، ويفيق الغافل من غفلته عن المصير والمآل، الذي لابد أن يسلكه كل أحد، وهو الموت؟! ثم البرزخ، ثم البعث. قال - تعالى -: -أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة- فالموت كما سلف كأس وكل الناس شاربه، فاليوم تُعزِّي، وغداً يُعزَّى فيك، واليوم تَبكِي وغداً يُبكَى عليك، >وإذا حَمَلتَ إلى القبور جنازةً : فاعلم أنك بعدها محمول<.
فاللهم هون علينا سكرات الموت وزفراته، اللهم اجعل عاقبتنا إلى خير، واجعل الحياة لنا زيادة في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر يا رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد