الغيرة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

مفهوم الغيرة هي أن يكره المرء ما يكره أن ينال المحب من سوء، وما يكره أن يصيب الوطن والعائلة من إجحاف واعتداء على الممتلكات والمحارم.

والغيرة تكون إذا انتهك حق وضيع أمره، فهذه غيرة المحب لما يحب حقاً، والدين كذلك كله فوق هذه الغيرة..

وأقوى الناس حباً للدين أعظمهم غيرة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح \"أتعجبون من غيرة سعدٍ, لأنا أغير منه والله أغير مني\" رواه الشيخان وغيرهما.

فمحب الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله، وإذا خلا قلب المرء من الغيرة لله ولرسوله فهو من المحبة أخلا، وأن زعم هذا أنه يحب الله ورسوله، فقد كذب من يدعي محبة محبوب من الخلق وهو يرى غيره ينتهك حرمة من أحب ويسعى في الأذية والاستهانة بحق ما يحب ويستخف بأمره وهو لا يغار لذلك، بل قلبه بارد، فكيف يصح لعبد أن يدعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتهكت ولا لحقوقه إذا ضيعت ؟!..

 

إذا ذهبت هذه الغيرة من القلب ترحل الحب منه وأصبح خاوياً فارغاً من الدين، وإن بقيت فيه نكتة منه، وهذه الغيرة هي أصل الجهاد في سبيل الله وأصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن الغيرة على الدين تحصل من وراء ذلك، فإن خلت هذه الغيرة من القلب لم يجاهد ولم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإن المرء يأتي بذلك غيرة منه لعقيدته ولربه ولذلك جعل - سبحانه وتعالى - علامة المحبة لدينه الجهاد في سبيله بقوله - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ, يُحِبٌّهُم وَيُحِبٌّونَهُ أَذِلَّةٍ, عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ, عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ, ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54) الغيرة تحمد إذا كانت تتعلق بالعرض والشرف كغيرة الإنسان على زوجته وأهله ووطنه والأمر الذي يختص به هو، فيغار إذا تعرض غيره له ومشاركته لأمر ما فيه، ألا ترى أن كل المخلوقات تغار على أنثاها إلا الخنزير، فإنه الوحيد الذي لا يغار..

 

قد تحمد مشاركة الآخرين في محبة الله - عز وجل - وحب الدين, وحب الوطن، فهي من الأمور التي يشارك فيها الآخرون مع المحب، وتبذل فيها النفس، فإذا تمكنت من القلب فإن صاحب الغيرة يبذل نفسه دون ما يحب، كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحرب حتى أنهم يصرعوا حوله كما يقول الشاعر:

 

يفديك بالنفس صعبٌ لو يكون له * * *   أعز من نفسه شيء فداك به

 

ومحبة الله ليس لها مثيل، والغيرة على نبيه ودينه ما فعله الصحابة -رضوان الله عليهم- عندما قالوا للرسول الكريم عندما وضعوا أنفسهم وأموالهم بين يديه:

 

\"هذه أموالنا بين يديك فاحكم فيها بما شئت، وهذه نفوسنا بين يديك لو استعرضت بنا البحر لخضناه، نقاتل بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك\" هذه هي الغيرة على الدين وصفها الإيثار والإدعاء طبعها الاستئثار..

قد يندفع بعض الشباب الذين يحملون في قلوبهم هذه الغيرة إلى فعل أمور يعتبرها البعض إرهاباً، فهم يدفعون بحياتهم ثمناً لهذه الغيرة، ولو أنهم بذلك دمروا الممتلكات وقتلوا الأبرياء مقتنعين بما فعلوه أو مغررين..

 

الدول التي حاولت جاهدة أتجعل نموذجاً جديداً للإسلام والذي يجمع بين الإسلام والديمقراطية على حد تعبيرهم كانت نتيجة هذه الصيغة أن هزت نظام هذه الدول غيرة على معتقداتها متمثلة بقصيدة مطلعها يقول:

(المنارات حرابنا ـ، والقبب خوذاتنا والمساجد معسكراتنا.. ) وهو تحدٍ, لكل طامع بتغيير منهج أو عقيدة..

هذه الغيرة هي التي تحمل على بذل نفس المحب وماله وعرضه لما يعتقده حتى يزول ما يكرهه ويغار عليه بعد ذلك في أن يكون له صفة يكرهها ويبغضها.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (المؤمن يغار والله أشد غيرة) والله - سبحانه وتعالى - يغار على عبده المؤمن، فهو يغار له ولحرمته فلا يمكن المفسد أن يتوصل إلى حرمته غيرة فيه على عبده، فإنه - سبحانه وتعالى - يدافع عن الذين آمنوا، فيدفع عن قلوبهم وجوارحهم وأهلهم وحريمهم وأموالهم، غيرة منه لهم كما غاروا لمحارمه من نفوسهم، ومن أجل ذلك حرم الفواحش وشرع عليها العقوبات لشدة غيرته على عبيده، فإن عطلت هذه العقوبات شرعاً أجراها - سبحانه وتعالى - قدراً..

إنها مسألة دقيقة لطيفة أن بذلت لغير أهلها كالمرأة الحسناء التي تزف إلى ضرير مقعد.. 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply