بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مع انتشار وباء " كورونا " فى الأو نة الأخيرة، تتردد فى كل بلاد العالم دعوات تدعو إلى اتخاذ الإجراءات والتدابير الصحية الاحترازية، بداية من غسل الأيدى باستمرار، مرورا بالتباعد الاجتماعى، وانتهاء بالحجر الصحى.. والباحث فى سيرة نبينا المصطفى ﷺ يتبين له أنه ﷺ قد سبق الجميع فى الدعوة إلى كل هذه الاجراءات الاحترازية، انطلاقا من قول الله جل جلاله ]وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ البقرة 195.. وقوله سبحانه ]وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[ النساء 29.. والأدلة الصحيحة على سبق نبى الإسلام ﷺ فى الدعوة إلى اتخاذ هذه الإجراءات ثابتة فى كتب السنة الصحيحة.. وقبل البدء فى بيان ذلك تفصيلا نشير إلى أن أول ما يجب على المسلم عند انتشار الوباء أن يبادر بالتوبة الصادقة وأن يجدد إيمانه بقدر الله، وأن يلجأ إلى التضرع إلى الله.. لقوله جل جلاله ]فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [ الأنعام 43.. وقوله سبحانه: ]فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ[ يونس 98.. وهذا هو هدي رسول الله ﷺ.. التضرع إلى الله والتوجه إليه بالدعاء.. فحين هاجر المسلمون إلى المدينة وقع بها وباء.. مرض على أثره عدد من الصحابة منهم أبوبكر وبلال. فقالت عائشة: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ، أو أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ»(1).. هذا هوالأصل الإيمان والدعاء والتضرع إلى الله، مع الأخذ بأسباب الوقاية، وهوما نسميه الإجراءات الاحترازية. وقد جمع ﷺ بين الأمرين.. فمع الدعاء حرص ﷺ على الإجراءات الصحية الاحترازية عند انتشار الوباء قولا وعملا ونبين ذلك فيما يلى:
· دعوته ﷺ إلى إسباغ الوضوء: لقد دعا ﷺ إلى إسباغ الوضوء ، ونحن نعلم جميعا أن الوضوء يشمل غسل الكفين فى بدايته ثم المضمضة مع تحريك الماء فى الفم، والاستنشاق والاستنثار والمبالغة فى ذلك ما لم نكن صائمين، وغسل الوجه وغسل اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين إلى الكعبين.. وحرص مع ذلك على عدة أمور صحية: فمن السنة التدليك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ فَجَعَلَ يَقُولُ: «هَكَذَا يَدْلُكُ»(2)، ومن السنة التثليث؛ أى غسل كل عضو ثلاثا؛ فعن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ، رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْووُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»(3) .وكذلك دعا ﷺ إلى إطالة الغرة؛ يعنى غسل جزء من اليدين فوق المرفقين، وغسل جزء من الساقين مع غسل الرجلين، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»(4) ودعا إلى غسل البراجم: وهى عقد الأصابع، وعدها من خصال الفطرة؛ فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ" قَالَ مُصْعَبٌ أحد رواة سند الحديث: وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ زَادَ قُتَيْبَةُ، قَالَ وَكِيعٌ: " انْتِقَاصُ الْمَاءِ: يَعْنِي الِاسْتِنْجَاءَ "(5).. كما حث ﷺ على تخليل الأصابع فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ»(6).
وها هوﷺ يحبب فى إسباغ الوضوء ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ »(7)..
ودعا إلى غسل اليدين عند الاستيقاظ من النوم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»(8).. وكرر هذه التعاليم كثيرا فى أكثر من مناسبة تأكيدا على ذلك: فعن أبى أمامة قَالَ: قَالَ عَمْرُوبْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ، وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوقَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُولَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»(9).. وكان ﷺ يكرر الأمر بذلك كثيرا، فها هورأو ى هذا الحديث - عمروبن عبسة – يؤكد على أنه سمع هذا الحديث من رسول الله ﷺ أكثر من سبع مرات يحث على ذلك، فحين قال لَهُ أَبُوأُمَامَةَ حين سمعه يردد هذا الحديث: «يَا عَمْرَوبْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ؛ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ»، فَقَالَ عَمْرٌو: «يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ وَلَا عَلَى رَسُولِ اللهِ، لَولَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَّا مَرَّةً، أو مَرَّتَيْنِ، أو ثَلَاثًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»(10).. فانظر إلى حرصه ﷺ على إسباغ الوضوء.. إيمانا وبهاء ونظافة وصحة.
· دعوته ﷺ إلى الإكثار من الوضوء: ومن الإجراءات الاحترازية التى أكد عليها النبى ﷺ الإكثار من الوضوء ؛ ونحن نعلم أن الوضوء يجب لأمرين اثنين:
- الصلاة: فكل أنواع الصلوات لابد لها من الوضوء، سواء كانت صلاة فرض أو نفل. يقول الله تعالى:] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [ المائدة 6 ويقول رسول الله ﷺ : " «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ"(11).
الطواف بالبيت: فالطواف بالبيت الحرام يجب له الوضوء لأنه صلاة كما قال رسول الله ﷺ :" «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمِنْطَقَ، فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إِلَّا بِخَيْرٍ»(12) ..
· ويستحب الوضوء فى الأمور الآتية:
- عند ذكر الله جل جلاله : فقد سلم أحد الصحابة على رسول الله ﷺ وهويتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه، وقال: «إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ، إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ»(13)
- عند مس المصحف والقراءة فيه: لقوله ﷺ:" لا يمس القرآن إلا طاهر "(14)
-عند إرادة النوم: لقوله ﷺ للبراء ابن عازب: " إذا أتيت مضجعك ( يعنى إذا أردت أن تنام ) فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شِقك الأيمن ( يعنى جنبك الأيمن )......."(15)
- بعد أكل لحم الإبل: فقد سأل رجل رسول الله ﷺ :أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال:" نعم، توضأ من لحوم الإبل "(16).. والإمام أحمد يجعل الوضوء من أكل لحم الإبل واجبا.
- عند كل صلاة: يستحب أن تجدد وضوءك عند كل صلاة؛ لقول أنس: " كان رسول الله ﷺ يتوضأ عند كل صلاة "(17)
- عند كل حدث: فقد أقرّ ﷺ بلالا على وضوئه كلما أحدث !.. فعن أَبِي بُرَيْدَةَ قال: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ: " يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ إِلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي، إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ، قَالَ: مَا أَحْدَثْتُ إِلَّا تَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « بِهَذَا »(18)
- قبل الأكل وبعده: ودعا ﷺ إلى الوضوء قبل الأكل وبعده زيادة فى البركة؛ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ: «بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ»(19).. فانظر كم مرة فى اليوم يغسل الإنسان يديه إذا اتبع سنة النبى ﷺ.. إنه يغسلها عند استيقاظه من نومه، ويغسلها مع كل وضوء ست مرات؛ ثلاثا قبل أن يُدخل يده فى الإناء وثلاثا مع غسل يديه إلى المرفقين، فإذا كان المسلم يتوضأ خمس مرات فى اليوم للصلاة فهذه ثلاثون مرة فى الوضوء الواجب وحده، أضف إلى ذلك غسله يديه عند الاستيقاظ من نومه، ثم أضف غسل يديه ست مرات أخرى فى كل وضوء مستحب، فإذا ما قمنا بحسبة بسيطة وجدنا أن السنة وتطبيقها تجعل المسلم يغسل يديه فى كل يوم نحوا من مائة مرة.. فهل هذا يُبقِى فيروسات أو جراثيم أو أذى على الكفين؟؟.. وهل هناك إحتراز صحى أكثر من ذلك؟؟.
· دعوته ﷺ إلى الاغتسال: أضف إلى ما سبق دعوته ﷺ إلى الاغتسال باستمرار.. والغسل معناه: تعميم البدن بالماء، ومن السنة التدليك أثناء الغسل؛ ومنه الغسل الواجب مثل:
- الاغتسال عند خروج المني بشهوة في النوم أو اليقظة من ذكر أو أنثى؛ لما ثبت عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ المَاءَ »(20) كما يجب عند إلتقاء الخنانين وإن لم يحصل إنزال، لقول الله تعالى: ]وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا[ المائدة 6 ولقوله ﷺ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا جَأوزَ الخِتَانُ الخِتَانَ وَجَبَ الغُسْلُ »(21)
- كما يجب عند انقطاع الحيض والنفاس: لقول رسول الله ﷺ لفاطمة بنت أبي حبيش:" دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»(22)
- كما حبب ﷺ فى غسل الجمعة فعن أبي سعيد: أن النبي ﷺ قال: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»(23)
· دعوته ﷺ إلى تخمير الأنية وإيكاء الأسقية.. ومن الإجراءات الاحترازية التى دعا إليها ﷺ تغطية الإناء والسقاء.. حتى لا يسقط فيهما أذى؛ فعنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «غَطُّوا الْإِنَاءَ، وَأو كُوا السِّقَاءَ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ، لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ، أو سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ»(24)
· دعوته ﷺ إلى بقاء كل إنسان فى بلده عند انتشار الوباء: وهذا ما يطبقه العالم بجميع دوله تقريبا الآن.. حيث توقف السفر وتوقفت حركة الطيران بين الدول.. وهوإجراء احترازى دعا إليه المعصوم ﷺ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ»(25)
· دعوته ﷺ إلى الحجر الصحى: وهذا سبقٌ آخر لنبى الهدى ﷺ دعا إليه منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ - أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ - فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ»(26)
· دعوته ﷺ إلى التباعد الاجتماعى عند انتشار الوباء: أما التعبير المتدأو ل فى وسائل إعلام العالم هذه الأيام ( التباعد الاجتماعى ).. فقد طبقه رسول الله ﷺ عمليا، فدعا إلى عدم دخول المريض على الصحيح؛ فقَالَ ﷺ: «لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»(27)
وقَالَ ﷺ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»(28).. والْمُرَادَ بِنَفْيِ الْعَدْوَى – كما ورد فى الفتح – " أَنَّ شَيْئًا لَا يُعْدِي بِطَبْعِهِ، نَفْيًا لِمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْأَمْرَاضَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا مِنْ غَيْرِ إِضَافَةٍ إِلَى اللَّهِ فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ ﷺ اعْتِقَادَهُمْ ذَلِكَ "(29).. أى لن تحدث عدوى إلا بإذن الله وأمره، ولكن علينا باتخاذ أساليب الوقاية، فقال فى نهاية الحديث " وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ».. وفى هذا تباعد اجتماعى صحى، بل إنه طلب من رجل مجذوم جاء ليبايعه أن يرجع حتى لا يصافحه ويضع يده فى يده، فقد روى مسلم عَنْ عَمْرِوبْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ «إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ »(30).. وهذا إجراء احترازى يمنع انتقال الوباء والمرض من المريض إلى الصحيح.
· هذا هو هدي رسول الله ﷺ، فى اتخاذ الإجراءات الصحية الاحترازية عند انتشار الوباء، ليتيقن القاصى والدانى أن هديه ﷺ هو خير الهدى، وأن الهداية كل الهداية فى اتباعه والأخذ بسنته، وأن تطبيق سنته وهديه يأخذ بأيدينا إلى الحياة الطيبة ] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ النحل 97.
نسأل الله تعالى أن يرفع عنا الغلاء والوباء والزلازل وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.. هذا والله أعلى وأعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
الهوامش
[1] البخارى 5/66
[2] أحمد 26/370
[3] البخارى 1/43
[4] البخارى 1/39
[5] مسلم 1/223
[6] الترمذى 1/57
[7] مسلم 1/ 214
[8] مسلم 1/233
[9] مسلم 1/569
[10] مسلم 1/569
[11] مسلم 1/204
[12] المستدرك 2/293
[13] أحمد 34/361
[14] رواه مالك مرسلا 106/297
[15] البخارى 8/68
[16] رواه مسلم 1/275
[17] البخارى1/53
[18] أحمد 38/100
[19] أحمد 39/135
[20] البخارى 1/64
[21] الترمذى 1/182
[22] البخارى 1/72
[23] مالك 46/58
[24] مسلم 3/1596
[25] البخارى 4/175
[26] البخارى 7/130
[27] البخارى 7/138
[28] البخارى 7/126
[29] فتح البارى 10/160
[30] مسلم 4/1752
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد