بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
القرآن كتاب الصدق، نزل على نبى هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ الزمر 33 والذين تعلموه من نبى الرحمة، وحملوه، وكانوا من أسباب حفظه، هم أهل الصدق، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم علموا قدر القرآن.. إعجازا وبيانا وهداية ونورا وحكما وأحكاما. فصدقوا فى حملهم كتاب الله.. حفظا وعلما وعملا.. وتلاوة وتشريعا وتدبرا. يقول على :كتاب الله.. فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ؛ هو الذى لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ؛ لا تنقضى عجائبه ؛ هو الذى لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا الجن 1-2 من قال به صدق.. ومن عمل به أُجر .. ومن حكم به عدل .. ومن دعا به هدى إلى صراط مستقيم .
- العلم والعمل بالقرآن:
يقول ابن مسعود: كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن ، والعمل بهن.
وقال أبوعبدالرحمن السلمى: حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبى صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا
ويقول عبدالله بن عمر: كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها ، ورُزقوا العمل بالقرآن . وإن آخر هذه الأمة يقرأون القرآن ، منهم الصبى والأعمى ، ولا يرزقون العمل به !
وروى البخارى عن مسروق قال: ذكر عبدالله بن عمرو عبدالله بن مسعود فقال: لا أزال أحبه ؛ سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: "خذوا القرآن من أربعة : من عبدالله بن مسعود وسالم ومعاذ وأبى بن كعب"
فالصحابة هم القدوة والأسوة فى الحفظ والعلم بالقرآن وتلاوته وتجويده بشهادة خير الخلق.
عن شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبدالله بن مسعود فقال: والله لقد أخذت من فى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أنى من أعلمهم بكتاب الله ، وما أنا بخيرهم . قال شقيق : فجلست فى الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادّا يقول غير ذلك.
وعن أنس قال: مات النبى صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه .
- مزامير السماء:
بل إنهم قد وصلوا فى التلاوة وجمال الصوت وحسن الترتيل إلى الدرجة التي يطلب فيها النبى صلى الله عليه وسلم نفسه أن يقرأ الصحابى عليه ، لأنه يحب أن يسمعه منه! فقد طلب ذلك من أبى موسى؛ حيث قال له صلى الله عليه وسلم " يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ".
وهذا عبدالله بن مسعود يقول: قال لى النبى صلى الله عليه وسلم "اقرأ علَىّ" قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: "نعم إنى أشتهى أن أسمعه من غيرى" فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى الآية" فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" النساء 41 قال: "حسبك الآن".. فالتفتّ إليه فإذا عيناه تذرفان. أو قال: فرفعت رأسى فرأيت دموعه تسيل.
وهذا أبىّ بن كعب يقول له النبى صلى الله عليه وسلم" إن الله أمرنى أن أقرأ عليك القرآن" قال أبىّ: الله سمانى لك؟؟! قال: "الله سمّاك لى" قال: وقد ذُكرتُ عند رب العالمين؟! قال: "نعم" فذرفت عيناه، وجعل أبىّ يبكى. قال قتادة: فأنبئت أنه قرأ عليه "لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ" البينة 1.
قوم يحب سماعهم النبى، ويُذكرون عند رب العالمين ، ويسميهم رب العزة لنبيه، فهل من فخر فوق هذا الفخر؟!.. لقد كان من الطبيعى إذن أن تدنو الملائكة لسماع أمثال هؤلاء الصادقين فى تلاوتهم ، المعايشين لكل معنى ، وكل لفظ ، التالين له بحزن و خشوع وبكاء أو تباكٍ ، العالمِين بكل آية من آياته. عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة.. رفع رأسه إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح.. فلما أصبح حدّث النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "اقرأ يا بن حضير ، اقرأ يا بن حضير" ثم قال له صلى الله عليه وسلم" وتدرى ما ذاك؟" قال: لا ؛ قال :" تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى عنهم".
..الله أكبر .. الملأ الأعلى، وما أدراك ما الملأ الأعلى.. ينزل من السماوات العلى، ليستمع إلى قراءة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها الخشية والرقة والتدبر لآيات الله.. ألم يسلم الفاروق عمر نتيجة تدبره وخشيته حين تُلِيت عليه آيات من سورة طه؟؟.. ألم يسلم جبير بن مطعم نتيجة تدبره وخشيته حين سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور؟؟ يقول جبير: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية " أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ" الطور 35 - 37 كاد قلبى أن يطير.
..لقد كانت تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ بألباب مَن يستمع ؛ حتى وصل الأمر برؤوس الكفر أنهم كانوا يتسللون ليستمعوا إلى قراءته صلى الله عليه وسلم ليلا، وفيهم أبو جهل والأخنس بن شريق وأبو سفيان بن حرب.
إنه القرآن الذى أخذ بمجامع القلوب ، ومشارب الألباب، ومكامن الوجدان.
وكان الصحابة إذا قرأ الواحد منهم فسمعه المارّ لم يتمالك نفسه من جمال صوته و خشيته و رقته و نداوته ؛ فوقف يستمع مستمتعا!.. عن عائشة رضي الله عنها قالت: أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت؛ فقال: "أين كنت؟" قلت: كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد!.. قالت: فقام، فقمت معه حتى استمع له، ثم التفتَ إلىّ فقال: "هذا سالم مولى أبى حذيفة، الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثل هذا".
وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أبا موسى قال: ذكّرنا ربنا يا أبا موسى؛ فيقرأ عنده ..
وعن أبى موسى قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: "يا أبا موسى لو رأيتنى وأنا أستمع قراءتك البارحة" قلت: أما والله لو علمت أنك تسمع قراءتى لحبّرتها لك تحبيرا
.. لقد صار القرآن لهم هو الفخر كله والشرف فى ذروته.. عن أنس رضي الله عنه قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقال الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبى عامر، ومنا الذى حمته الدّبر عاصم بن ثابت، ومنا الذى اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أُجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أبىّ بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبوزيد .
.. إن حملة القرآن العاملين به هم أغنى الناس حقيقة ، وإن عاشوا فقراء ! وهم أعلم الناس، وإن بدَوا فى ثوب الزهاد والنساك.. ولمثل هذا فليعمل العاملون .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
فضائل القرآن لابن كثير ص16
تفسير ابن كثير ج1المقدمة ص3
الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ج1ص40
صحيح البخارى ج3 كتاب فضائل القرآن ح4999ص325
السابق ح5000 و مسلم المختصر ح1695 ص508
البخارى السابق ح5004
متفق عليه اللؤلؤ و المرجان ج1ص152ح456
متفق عليه السابق ص155ح463
السابق ح462
متفق عليه اللؤلؤ و المرجان ج1ص153ح459
البخارى ج3ص276ح4854
المختار من فضائل القرآن لابن كثير ص59-60 و الحديث رواه ابن ماجه ج 2 ص 346
السابق و الحديث رواه ابن حبان ج 29 ص 422
السابق و الحديث رواه ابن حبان ج 13 ص 492
السابق ص47 و الحديث رواه ابن حبان ج 16 ص 292*
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد