بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جعل في السماء بروجا و جعل فيها سراجا وقمرا منيرا أحمده - سبحانه وتعالى - عما يقول الظالمون علوا كبيرا وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله أرسله ليكون للعالمين نذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فبالتقوى ترحمون وبالتقوى تفلحون وبالتقوى تشكرون وبالتقوى تفوزون (وَمَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُولَئِكَ هُم الفَائِزُونَ) (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِن المُتَّقِينَ)
يبحث الناس عن الظلال والمياه والأمطار وينفقون أموالا طائلة في سفرهم بحثا عن الهواء العليل والمنظر الجميل يسعدون لرؤية الأنهار تجري ومناظر الشلالات والضباب الذي يغري فيقطعون الفيافي ويعانون المشقات و يبذلون النفقات مغادرين إلى كل فج عميق لينالوا قسطا من الراحة وأياما من الاستجمام فيا عجبا كيف يشقى الإنسان ليرتاح وكيف يبذل ماله ويغادر أهله ويترك وطنه طلبا للراحة والسعادة والذكريات وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح من حديثه (أن السفر قطعة من العذاب) أخرجه الشيخان.
يعذب الإنسان نفسه في السفر والبعد عن الأهل بحثا عن راحته وسعيا لينال سعادته ولست أريد منعه من السفر ولا حثه على البقاء في بلاده ولكن لننظر ما السبب في ذلك وما هو الدافع إليه أليس هو الحر؟ الذي يلهب أجسام الناس وينغص عليهم حياتهم فيستعدون له قبل مدة طويلة ويستدين البعض أموالا قد تكون ربويه من أجل أن لا يبقى في الحر.
هذا الحر لا ريب أن كل عاقل منه يتقي و يبحث في حال قيضه الفيء والظلال (وَمَا يَستَوِي الأَعمَى وَالبَصِيرُ (19) وَلا الظٌّلُمَاتُ وَلا النٌّورُ (20) وَلا الظِّلٌّ وَلا الحَرُورُ) ومن هنا فإني مذكر لكم بأسباب تكون لكم سرابيل تقيكم الحر وتوردكم الظل و تنشر لكم فيئا ممدودا من السعادة والهناء، هي أسباب يغفل عنها كثير من الناس و يذكرنا بها لهيب الحر واشتداد القيض و توهج الشمس ولفحها وإني أهمس في أذن كل مسلم يتصبب عرقا كلما خرج من بيته أو ركب سيارته أو أطفأ مكيفه فأقول له: (قل نار جهنم أشد حرا) وإن يوما كان مقداره خمسين ألف سنة تدنو فيه الشمس من رؤوس الخلائق قدر ميل حتى يلجم العرق بعضهم إلجاما ويبلغ من بعضهم ترقوته لحري بكل عاقل أن يبحث فيه الظلال ويتعب نفسه ليريحها بوافر الظلال فالجهد هنا راحة هناك، فكما سافرت أو عزمت على السفر لترتاح فقد لا تصل وإن وصلت وارتحت فقد لا تهنأ وإن هنئت وبلغت منك السعادة كل مبلغ فلا يعدو كونها سعادة وقتيه تنتهي بحزم حقائبك للعودة إلى ديارك ويبدأ معها التأفف والضجر و يعود ما أنفقت عليك حسرة وندامة ويغدو الأمر مجرد ذكرى مرت قد لا تعود أبدا فاستمع يا رعاك الله إلى حبيبك ومن كان عليك مشفقا وكان بك رؤوفا رحيما وهو يخبرك عن ظل ظليل لا تشعر فيه بوهج حر وحوض تشرب منه لا تظمأ بعده أبدا يقول - صلى الله عليه وسلم - (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله و رجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضات عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) واللفظ عند مالك في الموطأ وهو مخرج في الصحيح
قال ابن عبد البر في التمهيد (هذا أحسن حديث يرفع فضائل الأعمال وحسبك به فضلا أن من كان في ضل الله يوم القيامة لم ينله خوف الموقف)
أيها الحبيب تصدق وليكن قلبك عامرا بحب المسلمين الصالحين والعباد الزاهدين واذكر الله في خلوتك ولتبك على ذنبك وعلق قلبك في البيوت التي أذن الله أن يذكر فيها اسمه فهذه الأربعة من سبعة لمن تعد سن النشأة والشباب ومن كان في ريعان شبابه فليقبل على الله - تعالى -فتزداد فرص الظلال عنده إلى خمس من سبع ليستظل ظلا لا نصب فيه ولا وهج في يوم الشديد حره الطويلة مدته
وقال النبي المصطفى سبعة *** يظلهم الله الكريم بظله
محب عفيف ناشئ متصدق *** وباك مصلى والإمام العادل
وإذا قرأت إعلان عن مشروب يبرد عليك ظمأك ويذهب عنك عطشك فإني دال لك على ماهو خير من كل مشروب فعليك بالصوم فما من عبد يصوم يوم في سبيل الله - تعالى -إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا) أخرجاه
ولا تنسى وأنت تعاني شدة الظمأ وأنت صائم في الحر ما خص الله به أهل النار (أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجهِهِ سُوءَ العَذَابِ يَومَ القِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُم تَكسِبُونَ) و يقول - جل وعلا - (وَإِن يَستَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ, كَالمُهلِ يَشوِي الوُجُوهَ بِئسَ الشَّرَابُ وَسَاءَت مُرتَفَقاً) فباعد وجهك عن حرها وسمومها بظمأ يوم أو ما شئت من أيام تنل راحة وظلا ظليلا
أخوة الدين والعقيدة: أن حر الدنيا مضمون أن يتخلص منه المرء بما يتيسر له من مبردات ولكن حر الآخرة ليس له إلا مبرد واحد وهو طاعة الله - تعالى -وتقواه
إن السر في تخصيص هؤلاء السبعة بظل الرحمن - جل وعلا - مع تفاوتهم في الصفات فهذا ملك وذاك شاب وهذا رجل دعته امراة وذاك رجل تصدق إن الرابط بين هؤلاء السبعة هو سر في استظلالهم يوم العرض على الله بظل عرش الله ومن فاز بذلك الظل فلا ريب انه من اهل الظل المدود والماء المسكوب الذين وقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نظرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها
أن القاسم المشترك في هؤلاء السبعة هو الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن وهم قد خلوا وتمكنوا ونالوا فآثروا رضا الله ونهوا النفس عن هواها ولم ينيلوها مبتغاها
فتقوى الله ومراقبته كانت أسوة لهم في دنياهم وظلا لهم في أخراهم فليستظل من أراد الظل في احد هذه الافياء فظلها ممدود ليس له حدود لا يتبعه نصب ولا يسبقه يحموم بل تتبعه جنة عاليه أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا (إِنَّ أَصحَابَ الجَنَّةِ اليَومَ فِي شُغُلٍ, فَاكِهُونَ هُم وَأَزوَاجُهُم فِي ظِلالٍ, عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُم فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَولاً مِن رَبٍّ, رَحِيمٍ,)
فخذ أيها الحبيب من حر الدنيا عظة ونموذجا لحر الآخرة وليكن سعيك في الفرار منها حثيثا فان المستريح حقا وان السعيد حقا من نجاه الله منها ولو لم يفز بجنة ونعيم فكيف إذا كانت النجاة منها تعني النعيم المقيم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر وصدق الله - تعالى -إذ يقول (كُلٌّ نَفسٍ, ذَائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّونَ أُجُورَكُم يَومَ القِيَامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَن النَّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدٌّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد